انتصرتْ غزَّة
1
شيماء محمد توفيق الحداد
يومُ النَّصرِ أهلَّ علينا في غزَّةَ فرِحاً بالنَّصرِ
بعدَ حصارٍ كانَ شديداً وَدموعٍ فاضتْ بالقهرِ
انتصرتْ غزَّة.. وَهلْ كانَ يشكُّ في انتصارها عاقلٌ؟!..
انتصرتْ غزَّة.. وَكيفَ لا ينتصرُ شعبٌ قهرَ العدوانَ وَالأهواءَ – رغمَ شظفِ العيشِ -، وَوقفَ على قدميهِ بثباتٍ – رغمَ قرصةِ الجوعِ وَألمِ المرضِ –، وَتحدَّى العدوَّ – رغمَ فقرهِ وَتخلِّي إخوانهِ عنهُ - ليعلنَ في ثقةٍ وَيقينٍ رغبتَهُ الأكيدةَ في إقامةِ شرعِ اللهِ تعالى؟!..
انتصرتْ غزَّة.. بدماءِ شهدائها، وَثباتِ شبابها، وَاستبسالِ جنودها، وَتضحيةِ ناسها، وَهلعِ عدوِّها، وَاستفاقةِ المسلمينَ منْ سكرةِ الأحلامِ وَانتفاضهمْ منْ ذلِّ المعاصي وَرفضهم الاستكانةَ للمعتدينَ..
إنَّ جراحَ الطِّفلِ دليلٌ يفضحُ ظلمَ جنودِ الغدرِ
إنَّ دماءَ الحرِّ سبيلٌ نحوَ العزَّةِ، نحوَ النَّصرِ
انتصرتْ غزَّة.. وَولَّى اليهودُ مقهورينَ أذلَّاءَ يحاولونَ لمَّ شتاتهم المبعثرِ دونَ فائدةٍ، وَتوحيدَ صفوفهم المتفرِّقةِ منْ دونِ جدوى، وَتخديرَ الشُّعوبِ المسلمةِ ثانيةً بلا نفعٍ وَلا طائلٍ..
انتصرتْ غزَّة.. وَلمْ يُفدِ اليهودُ أنفسَهمْ بشيءٍ، كما لمْ يستفيدوا منْ كمِّ المساعداتِ الهائلِ الَّذي أمدَّهمْ بهِ عتوُّ الكفرِ وَراغبو الفسادِ؛ لأنَّ الإيمانَ أقوى سلاحٌ، وَاللهُ أقوى الأقوياءُ..
انتصرتْ غزَّة.. وَهوتِ المروحيَّاتُ الحديثةُ إزاءَ صواريخِ البواسلِ، وَأحجمتِ الدَّبَّاباتُ عنْ مواصلةِ الاقتحامِ خوفاً منْ حجارةِ الأطفالِ الأبطالِ، وَتراجعُ الجيشُ المجهَّزُ بكافَّةِ الأسلحةِ الفتَّاكةِ المدمِّرةِ؛ حيثُ لمْ يصمدْ أمامَ موجاتِ الإيمانِ وَهديرِ اليقينِ في قلوبٍ مسلمةٍ غاضبةٍ ترفضُ الذُّلَّ وَتأنفُ منَ العيشِ الرَّديِّ وَتتمسَّكُ بالإباءِ وَتتشبَّثُ بحقِّها في أرضها المسلوبةِ..
انتصرتْ غزَّة.. فلا قويَّ إلا اللهُ، وَلا عزيزَ إلا اللهُ، وَلا قادرَ إلا اللهُ، وَلا ناصرَ إلا اللهُ، وَلا قاهرَ إلا اللهُ، فأيُّ عاقلٌ يرضى بجوارٍ غيرِ جوارِ اللهِ؟، وَيطيعُ أمراً دونَ أمرهِ؟، وَيطلبُ النَّصرَ منْ غيرهِ؟، وَيفضِّلُ شرعاً على شرعهِ؟، وَيتهرَّبُ منْ طاعتهِ وَيُقدِمُ على معصيتهِ؟..
انتصرتْ غزَّة.. وَصدقَ اللهُ وعدَهُ حينَ صدقوهُ وعدَهمْ وَلمْ يخشوا سواهُ، وَنصرهمْ بنصرهِ عندما توكَّلوا عليهِ وَأقدموا واثقينَ بعونهِ، وَأعزَّهمْ بعزِّهِ حينَ بذلوا مهجَهمْ لعزِّ الدِّينِ وَتكبَّدوا المشقَّةَ ليعلوَ شأنُ الإسلامِ، وَأذلَّ عدوَّهمْ حينما أماطوا برقعَ الذُّلِّ وَسوادَ الهوانِ عنْ وجوههم الَّتي ما عرفتْ سوى العزَّةِ سيما، وَما ألِفتْ غيرَ النَّخوةِ أخلاقاً، وَما جرَّبتْ إلا الصَّلاحَ حياةً..
انتصرتْ غزَّة.. وَبقيتْ لذَّةُ النَّصرِ المرتبطةُ بلذَّةِ السُّجودِ، وَصارتْ أيَّامُ الحصارِ المقترنةُ بلسعاتِ الألمِ مجرَّدَ ذكرى قاتمةٍ لا تلبثُ أنْ تندسَّ في غياهبِ النِّسيانِ وَتُمحَى منْ تاريخِ الأممِ..
انتصرتْ غزَّة.. وَلنْ يموتَ حقُّنا وَلو حاولوا إزهاقَ روحَهُ، وَلنْ ننساهُ مهما حاولوا تشويهَهُ في نظرنا أو تمويهَهُ وَمسحَهُ منْ أذهاننا، وَلنْ نتركَهُ أبداً؛ إذْ هوَ تركةُ الأجدادِ وَحقُّ الأولادِ وَأمانةٌ في عنقِ الآسادِ..
انتصرتْ غزَّة.. وَخابَ مسعى اليهودُ، وَفسدَ تدبيرُهمْ، وَفشلَ مخطَّطُهمْ، وَمُنُّوا بهزيمةٍ ساحقةٍ كما معركةُ الخندقِ، وَوُجِهوا بقوَّةِ جهادٍ عرفهُ أجدادُهمْ في عمر، وَبإصرارٍ على الحقِّ لمسَهُ بنو قريظةَ في سعد بن معاذ، وَبثباتٍ على الإسلامِ لمْ يكنْ ببعيدٍ عنْ أبي بكرٍ، وَبطاعةٍ للهِ كانتْ شيمةَ الصَّحابةِ الكِرامِ، وَبتكبيرٍ طالما ملأَ الفيافي هديرُهُ وَردَّدتِ الصَّحاري صداهُ حتَّى عانقَ عنانَ السَّماءَ..
انتصرتْ غزَّة.. وَسيبقى يومُ النَّصرِ الأغرِّ ملحمةً خالدةً ناطقاً بفخرٍ عنْ قوَّةٍ إيمانيَّةٍ قهرتْ إخوانَ القرودِ، مشيداً بأمَّهاتٍ - أشبهنَ الخنساءَ وَأمَّ عمارةَ - قدَّمنَ فلذاتِ أكبادهنَّ فداءً ليدومَ جبينُ الإسلامِ عالياً شريفاً، مباهياً بأطفالٍ صغارٍ حاكوا أسامةَ بن زيد
وَعبدَ الله بن عمر مضاءً وَغَيرةً وَكفاحاً، مندِّداً بأفعالِ الجبناءِ المجرمينَ، وَمعيِّراً العالَمَ أجمعَ بتخاذلهِ وَاختيارهِ الخاطئِ الَّذي يكفلُ لهُ عيشاً ذليلاً أبديّاً لنكوصهِ عنْ مساعدةِ الأحرارِ..
معركةُ الفرقانِ تجلَّتْ وَأماطتْ عنْ جبْنِ الكفرِ
خفقتْ فيها رايةُ ظَفَرٍ صدحَ الحقُّ بفِعْلِ الحرِّ
انتصرتْ غزَّة.. نعم انتصرتْ.. ألمْ يقلْ ربُّنا سبحانهُ: { إنْ تنصروا اللهَ ينصرْكمْ وَيثبِّتْ أقدامَكمْ *}؟.. ألمْ يقلْ في محكمِ آياتهِ: { كمْ منْ فئةٍ قليلةٍ غلبتْ فئةً كثيرةً بإذنِ اللهِ وَاللهُ معَ الصَّابرينَ *}؟.. ألمْ يعدنا بالنَّصرِ في قولهِ: { كتبَ اللهُ لأغلِبنَّ أنا وَرسلي إنَّ اللهَ قويٌّ عزيزٌ *}؟..
لقدِ انتصرتْ غزَّة.. وَستنتصرُ بلدانُنا الإسلاميَّةُ كلُّها إنْ شاءَ اللهُ تعالى، إنْ نحنُ صَدَقْنا الجهادَ وَصدقنا التَّوكُّلَ وَعقدنا العزمَ وَأعددنا العدَّةَ، عندها فقط سننتصرُ... وَإنَّ غداً لِناظرهِ قريبٌ..
[1] كتبتُها في السادسة عشرة من عمري، وكل ما في هذا المقال من جمل وأبيات من تأليفي الخاص.