مجدداً نلتقي في نقطة البداية
فؤاد الحاج
مرة أخرى نعود لنلتقي مجدداً، على قعقعة السلاح، أقول مرة أخرى وربما للمرة المائة بعد الألف، لأن ما سنتحدث عنه هو ذاته الذي رددناه مع الملايين من أبناء الأمة العربية منذ نهاية القرن الماضي، وعلى وعينا وعلمنا منذ منتصف القرن الحالي، كما رددناه مع الملايين من أبناء تلك الأمة المبتلية بأنظمة الذل والعار منذ مراحل هجرات الصهاينة إلى فلسطين العربية.. وهو موضوع الوحدة العربية وأهميتها في ظل التشرذم والتفرقة. وهنا لن أتحدث محاضرا في هذا الموضوع الهام بقدر ما سأنقل بكل بساطة ما يفكر فيه رجل الشارع العادي الذي لا يفقه من ألاعيب السياسة شيئا، لأننا إذا سألناه عن السياسة يبادر فوراً إلى تذكيرك بقصة "الحلاق الثرثار" ويلعن السياسة والسياسيين الذين أوصلوا الوضع العربي إلى ما هو عليه الحال المذري الآن.. ويزيد من لعناته على الملوك والأمراء والرؤساء، ولا يبخل في ذكر كافة الوزراء والنواب في البلدان العربية، ويحمل المسؤولية للأحزاب والمثقفين، ويضيف (لقد شبعنا كلاماً)، وبكل حزن يقول أنه منذ أن تفتحت عيناه على هذه الدنيا الفانية شاهد مئات الآلاف الذين سقطوا دفاعا عن أرض الوطن وحريته واستقلاله، كما أنه شيع آلاف الشهداء الذين سقطوا كي يعيش الشعب بكرامة في وطن حر عزيز. ويضيف هذا المواطن قائلا: كل ذلك جرى وما زال المواطن مقهورا بالرغم من أن الوطن تحرر من الاستعمار المباشر، ولكنه ابتلي باستعمار أشد فتكا من الاستعمار الغريب حيث أن المستعمر بات من أبناء الوطن أي (منا وفين)، لذلك يردد أنه لا يرى نورا في نهاية النفق المظلم الذي تسير فيه الأمة.
ويؤكد هذا المواطن العادي جداً، أنه لا أمل ولا نجاح لهذه الأمة إلا بتوحيد الصف وبالتضامن، وأن هاتين الكلمتين من كثرة تردادهما من قبل المثقفين والمسؤولين على حد سواء، فقد تم تفريغهما من مضمونهما الفعلي، حتى أصبح المواطن حين يسمعهما من المسؤولين أو يطالعهما في الصحف يبتسم ويمضي إلى عمله مردداً لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. ويقول إن ما برز مؤخراً من تأييد لفلسطين وشعبها في كافة البلاد العربية ما هو إلا تعبيراً صادقاً عن المواقف المشرفة للتضامن العملي في مواجهة الاستعمار الصهيو-أنغلو-أميركي الذي يريد تفتيت المجزأ من البلاد العربية.
هذا ما يردده ذلك المواطن العادي بكل بساطة في كل أرجاء الوطن العربي الكبير من المحيط إلى الخليج، وهو ما يبرز أهمية العودة إلى العمل الوحدوي الحقيقي، وهذا الطلب هو بحد ذاته يجب أن يكون على جدول أعمال كافة القوى الشعبية الجماهيرية في كل مكان من أجل صون العرض والأرض وتوحيد الأمة العربية في مواجهة الطاغوت الصهيوني.
ومع جملة ما أشبه اليوم بالبارحة!.. التي رددت مراراً وتكراراً عبر العقود الماضية من الزمن، حتى بدا الكاتب والصحفي وكأنه يكرر ذاته وكتاباته منذ أكثر من نصف قرن بكلمات وتحاليل تصب في المعنى ذاته ولكن بأساليب مختلفة نصاً، وجوهرها واحد.. ويبقى الكاتب والصحفي يحلم بأن يتحول الواقع المر إلى أفضل أو أقل مرارة على الأقل ولكن هيهات له ذلك.. لأن المواطن العربي في البلاد العربية يعيش تحولات يومية وقضايا لا ولن تنتهي، حيث ينام على أمل حل قضية ساهم في إيجاد حلول لها ليصحو على قضية جديدة أخرى!!.. وهكذا منذ أكثر من خمسين عاما حيث كانت قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى ولكن اليوم باتت قضية فلسطين وقضية العراق بالنسبة له قضية واحدة، ثم قضاياه الوطنية الأخرى من سبتة ومليلة إلى عربستان والأحواز وإلى لواء الاسكندرون وإلى قضية الصحراء الغربية وإلى الجزر العربية الثلاث وصولاً إلى مرتفعات الجولان ومزارع شبعا، إضافة إلى همومه اليومية من وحش الغلاء إلى تأمين الدواء والقضاء على الاحتكار وتأمين لقمة العيش، يضاف إلى كل ذلك الهجمة الشريرة التي تقودها الصهيونية العالمية وتفرضها إدارة الشر الأميركية على البلاد العربية بواسطة البنك وصندوق النقد الدوليين وما شابه من مؤسسات مالية دولية، انتهاء ببيع الوطن إلى شركات متعددة لا هم لها سوى الكسب على حساب ذلك المواطن باسم تصحيح الوضع الاقتصادي الذي يزداد سوءا في ظل حكومات يقال أنها تعمل من اجل الوطن!!.. وهكذا تتوالى القضايا حتى بات يشعر هذا المواطن أنه يعيش في أزمة لا في وطن..
وما نقصده بالتشابه بين اليوم والبارحة هو أن أحداث الأمس ومخططات الأعداء لم تتغير لا أسلوباً ولا شكلا، لأن أعداء الإنسانية لا زالوا يكررون محاولاتهم ضد الإنسانية عموما وضد العرب بشكل خاص.. وللتدليل على ذلك نورد هنا ما قاله (موشي ديان) مباشرة بعد حرب الأيام الستة في حزيران/يونيو 1967 حيث قال آنذاك "إن خطة الهجوم عام 1956 تكررت في معظم فقراتها عام 1967!!.. وحين سئل "ديان" كيف لم ينتبه العرب إلى هذا التكرار؟ قال: "لأنهم لا يقرأون".. فهل هناك تشابه أكثر من ذلك؟! وهل هناك إهانة للعرب أكثر مما قاله "ديان"!!
وحين ننشر ما ننشره فأننا نود من العرب وخاصة المثقفين الأحرار والشرفاء منهم مع التقدير للجميع أن يطالعوا الماضي لا من أجل التقوقع والعزلة والتحدث عن ذكريات الزمن الجميل فقط، لأننا حين نتحدث عن حصار غزة وما يجري فيها فأننا نريد أن نحفز فيهم العودة إلى روح العمل الوطني والقومي دون أن نغفل أن المستقبل العربي برمته محاصراً.. وأن إعادة قراءة هذا الواقع المأساوي من خلال مطالعة التاريخ الحديث وليس الغابر فأنه قد يؤدي إلى وعي كامل بأثر رجعي لمحاكمة الماضي، ذلك الماضي الذي لم يمض.. وألا فما معنى أن يتكرر الحدث والمأساة في فلسطين المحتلة تحت مرأى وسمع كل العالم كما تتكرر مأساة تدمير المدن والقرى الفلسطينية تماما كما حدث منذ عام 1920 وعام 1948 والأعوام التالية وصولاً إلى تهجير سكان تلك القرى والمدن الفلسطينية إلى غزة أو إلى الدول المجاورة ومن ثم إلى دول أوروبا أو إلى كندا وأستراليا وإلى الولايات المتحدة!!..
فهل يعيد العرب قراءة الماضي وأخذ العبر من أحداثه ونتائجه؟.. علنا بذلك نبدأ معاً ببناء مستقبل أفضل لأجيالنا الذين سيلعنون كل من ساهم في تكريس الخطأ إن في البلاد العربية أو في فلسطين المحتلة التي هي من حق كل العرب الأحرار والشرفاء منهم، لأنها ليست ملكاً لزعيم أو رئيس أو أمير أو لقائد هنا أو قائد هناك كي يتنازل عنها، وأنه ليس من حق أي كان، ومهما كان تاريخه وماضيه أن يتنازل عن أي شبر أو حبة تراب من فلسطين أو من أي أرض عربية محتلة في أي من اتجاهات وزوايا الوطن العربي الكبير..
ولا نريد هنا أن يطالب أي كان ومهما كان منصبه أن يقول "إذا كان أصحاب القضية هم أنفسهم موافقون على التنازل فلماذا نكون ملكيين أكثر منهم؟"!!.. لأن تنازل رئيس سلطة حكم الذات الذي تنازل عن حق عودة شعب فلسطين إلى أرضه الذي كان بالأساس مع زميله قريع عراباً لـ"اتفاقية أوسلو" الاستسلامية التي دفنها السفاح "شارون" وخلفاؤه!!، كما شاركت في دفنها مواقف الأنظمة العربية المستسلمة أو ما يسمونها اليو "المعتدلة"!!، وما تسارع تأييد رئيس سلطة حكم الذات لما أعلنه "بوش" وإدارته المنتهية لتحميل مسؤولية ما جرى في غزة إلى حركة (حماس)، إنما يؤكد على أن "العرب لا يقرأون" كما قال "ديان".. وكي يقرأوا ويتعلموا عليهم بالعودة إلى جذور الصراع في فلسطين وقراءة مراسلات مكماهون والشريف حسين، ورسائل وزير خارجية بريطانيا كامبل (1907) واتفاقية "سايكس-بيكو" وملاحقها، واتفاقية "فيصل-وايزمان" (13 كانون الثاني 1919) وعشرات الوثائق الأخرى المحفوظة في أرشيف الخارجية البريطانية التي عرضت بعضها فضائية "الجزيرة" ضمن برنامج وثائقي حمل (اسم النكبة) "الجزء الأول"..
لذلك على الفلسطينيين أن يعملوا على تشكيل قيادة فلسطينية وطنية وقومية موحدة بدعم وإسناد من الشرفاء والأحرار من أبناء الأمة وقوها الحية، وحينما تكون هناك قيادة جديدة للشعب الفلسطيني ومؤسسات جديدة نابعة من شعب فلسطين وليست مفروضة عليه، عندها يمكن القول أن خطوة ولادة دولة فلسطينية عربية وعاصمتها القدس قد بدأت وأنها ستتحقق ولو بعد حين.. وعلى القوى الجماهيرية الحية وبمختلف مسمياتها ومواقعها، السياسية والاقتصادية والنقابية والمهنية والثقافية والاجتماعية والإعلامية والمفكرين الوطنيين والقوميين مستقلين وملتزمين أن يرفدوا أقولهم بأعمال تنفّذ على أرض الواقع، من خلال تشكيل لجان عمل ومتابعة ومراكز بحوث ودراسات، والعمل مع الجماهير ومن وسطها وليس من وراء المكاتب والتنظير، وأن يتم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ومع المجموعة أو اللجنة المناسبة في كل حي وفي كل قرية وتقسيم المدن بحسب حجم سكانها ومساحتها إلى فروع تلتقي في نقطة مركزية ألا وهي المؤتمر العام سنوياً، هذه الاقتراحات وأفكار ليست سوى نقطة بداية للعمل الجماهيري المنظم الذي سينشأ عنه اختيار النواب وفرض الوزراء واختيار سياسة الحكم الوطني والقومي لكل قطر عربي الذي ستنجم عنه سياسة موحدة في أي من المحافل الدولية والإقليمية، وبذلك يتم كما أعتقد استبعاد الفئات الخبيثة المدعومة بطريقة أو بأخرى من قوى الشر وأعداء الإنسانية التي اتبعت منذ نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين سياسة "فرق تسد" ومن أخبث من عمل لتحقيق تلك السياسة بريطانيا وفرنسا ووريثتهما إدارات الشر الأمريكية المتعاقبة عبر تاريخهم الاستعماري في كل أرجاء المعمورة وليس في البلاد العربية فقط وخير شاهد على ذلك سياساتهم وخداعهم ونفاقهم في فلسطين العربية، اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.