عملاء...وشركاء!
صلاح حميدة
يتسابق المحللون السياسيون لتسليط الضوء على أسرار العداء الشديد الذي يظهره بعض الرسميين والإعلاميين والنخب الاقتصادية العربية، لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية، والذي يثير استغرابهم ليس فقط العداء من أنظمة ونخب لها عداء تاريخي مع( الإسلام السياسي) بل تعدي ذلك إلى أنظمة تعتبر بعيدة نسبياً عن المشهد والاحتكاك الظاهري مع المقاومة الفلسطينية.
فسر بعض المحللين العداء الرسمي المصري لحماس، على أنه عداء للإخوان المسلمين، ولكن عندما بحثت في العلاقة بين حماس والنظام السوري، وجدت أن النظام السوري أكثر عداءً من النظام المصري للإخوان المسلمين، وفي نفس الوقت استطاع النظام السوري إيجاد صيغة للتعاون مع حماس.
التحليلات التي تفصل الحالة والعلاقة بين حركة حماس والمقاومة الفلسطينية مع بعض أطراف النظام الرسمي العربي، وبعض النخب الاعلامية والاقتصادية والسياسية العربية،تحدثت تقريباً عن كل شيء وأهملت جزءاً هاماً من التحليل، يعتبر أبلغ وأصدق مثال على توصيف الحالة التي تعيشها هذه الأطراف .
قبل أكثر من عشر سنوات، قرأت كتاباً عن أحد أكبر العملاء الذين عملوا مع المخابرات الاسرائيلية في فلسطين المحتلة، بعنوان(ربع قرن في خدمة المخابرات الاسرائيلية)، ومن خلال قراءتي لهذا الكتاب وغيره من الكتب حول التجسس الاسرائيلي في العالم العربي، ونوعيات العملاء الذين كانوا يوجهون جواسيسهم ليجندوهم يكتشف المحلل الآتي:-
* تحرص المخابرات الاسرائيلية والغربية على تجنيد صغار السن، بإسقاطهم جنسياً، أو من خلال المال، أو بالاثنين معاً، أو بغير ذلك من الوسائل، و يمر هؤلاء العملاء بدورات غسل دماغ، تجعلهم يؤمنون اعتقاداً بالصهيونية، ويصبح عملهم لصالح المخابرات الاسرائيلية والغربية بدوافع عقائدية، وليس بدافع المال والجنس فقط.
* ينطلق هؤلاء العملاء بعد الدورات المكثفة ليس للعمل في فلسطين فقط، بل يعملون في الدول العربية والغربية والعالم أيضاً، ويتركز عمل المحترفين منهم على تجنيد عملاء جدد في العالم العربي، أو في التنظيمات والأحزاب العربية والفلسطينية في الخارج، ومن الملفت في قصة هذا العميل العقائدي الذي قرأت قصته، أنه أرسل من قبل المخابرات الاسرائيلية مع عضوتين في الموساد تتقنان العربية بطلاقة، إلى عدة دول عربية من بينها الاردن وتونس وعدة دول خليجية، وكان في هذه الدول يفتح صالونات تجميل، للنساء والرجال على حد سواء،أو مصالح تجارية أخرى، وفي مناطق معينة يسكنها كبار المسؤولين في الأمن والسياسة في هذه الدول، وكان هدفه هو ورفيقتيه في الموساد، اللتان تأخذان صورة (زوجته وأختها) الهدف هو تجنيد أبناء المسؤولين والأمراء وأصدقائهم، وهم هنا يستغلون حرص المسؤولين العرب على توريث أبنائهم للمناصب العليا في الدولة، مما يسهل على الموساد اختراق الدول بتجنيد أبناء المسؤولين، فإذا كان هذا العميل وغيره عمل في تلك الدول في السبعينات والثمانينات، فلا عجب أن نرى من جندهم الآن مسؤولين ووزراء وأمراء، ومديرين ماليين وإعلاميين؟!.
* تربي المخابرات الاسرائيلية - كما أسلفت- عملاءها تربية عقائدية صهيونية، حتى تصبح الدافعية عندهم أكبر للعمل، ولا يكونوا يعملون تحت التهديد وعدم الإقتناع، ولذلك نلحظ حرص إسرائيل والدول الاستعمارية، وضع عملاء عقائديين في المناصب التنفيذية في كافة الدول العربية، ورفضها تولية أياً ممن يخدمونها ولكن بوجهة نظر، فالهدف في هذه المرحلة، هو عملاء يجتهدون في خدمة أسيادهم، يرتبطون معهم عقائدياً، يعملون وينفذون بدون نقاش، فمثلاً تجد هذا العميل العقائدي، يذكر أنه أصبح يشعر بتأنيب الضمير عندما يزني بصهيونية ، فأصبح يحرص على أداء شهوته المحرمة مع عميلات من بني جنسه، وتظهر عقائدية بعض العملاء إبداعهم في خدمة أسيادهم، مثل العميل عبد الحميد الرجوب، الذي أسس غرف العصافير، والتي هي مصيدة لسحب الإعترافات من المجاهدين بإدعاء العملاء أنهم من المجاهدين ويخدعونهم، ويأخذون منهم المعلومات، وتلعب الأنظمة العميلة دوراً مشابهاً لدور العصافير في سجون الاحتلال، فهي ترسل مخابراتها إلى كل الدنيا لتتجسس على المجاهدين، وعلى المنشآت الحساسة في العالم أجمع، لصالح أسيادهم، ويذكر أحد التجار في أحد الدول العربية، أن جهازاً مخابراتياً عربياً اعتقله وعذبه عذاباً شديداً، ثم جاءه أحد ضباط المخابرات، وقال له إذا ساعدتنا، سنعطيك خمسة ملايين دولار؟ فقال له التاجر :- ماذا تريد مني؟ فقال له:- أنت تحمل الجنسية البرازيلية، ونريد منك أن تذهب الى البرازيل، وتقتح مشروعاً تجارياً في المنطقة الفلانية، وهذه المنطقة فيها عناصر من حزب الله اللبناني لهم مشاريع تجارية، ونريد منك أن تتقرب منهم وتصادقهم، ونحن بعدها سنكلفك بما نريد؟!.
في نفس الفترة، أعلن أحد كبار ضباط الموساد الاسرائيلي إعجابه بهذا الجهاز المخابراتي العربي( وإجتهاده في الحفاظ على أمن إسرائيل)؟!.
وهذا يفسر الحنق الشديد من هذه النخب السياسية والفكرية والاعلامية على المقاومة ضد أسيادهم، ونعتهم لها بأقذع الأوصاف، وحربهم عليها بشراسة، تفوق شراسة أسيادهم، واستماتتهم في محاولة إجبار حركة حماس على الإعتراف بإسرائيل.
* تحرص الدول الاستعمارية،على جعل أطرافها العضوية من العملاء العقائديين، يصلون إلى مرحلة لا يستطيعون فيها الفكاك أو التراجع عن عمالتهم لها، فهي تسعى :-
1- تسعى لإغراقهم بالأموال والمنح، والتسهيلات التجارية، والمنافع الأخرى، لدرجة يصبح من الجريمة بالنسبة لهم الإرتداع عن العمالة للمحتلين والمستعمرين.
2- تسعى إلى إغراقهم في الفساد والملذات والتجارة الغير مشروعة، بطريقة تجعل هؤلاء عبىء على المجتمع الذي يعيشون فيه، ولا يجدون أنفسهم إلا في الإرتباط عضوياً مع الدول الاستعمارية الدولية.
3- تسعى هذه الأطراف إلى جعل هؤلاء العملاء يذبحون أبناء شعبهم، أي بلهجة فلسطينية (يندمي) نسبة إلى التورط في الدم، أو أن يتورط في أعمال مستهجنة من الرأي العام في بلده، كأن تجبر هؤلاء على إطلاق النار في المظاهرات على أبناء شعبهم وقتلهم، بعد أن تلبسهم لباس الجيش الإسرائيلي، وكأن تجعلهم يحرقون مسجداً، أو أن يضعوا عبوات ناسفة في أماكن مكتظة بالجماهير، وغيرها.
بعد توريط هؤلاء العملاء في دماء أبناء شعبهم ، وفي انتهاكهم لحرماتهم، يصبح هؤلاء العملاء مهيئين لفعل كل شيء، ولذلك ليس من المستغرب من هؤلاء الحكام العرب المجرمين، موقفهم العلني المساند للعدوان، بل المتقدم عليه، فهم يدفعون أسيادهم دفعاً ليستمروا في العدوان والمجزرة، لدرجة أن ساركوزي حرص على حضن وتقبيل حسني مبارك، لشدة إعجابه بهذا التلميذ العميل النجيب الذي تفوق على أساتذته، وهذا يقاس على بقية العملاء الرسميين في المنطقة، الذي لا يخفي إعجابه الشديد بهؤلاء العملاء بالحضن والتقبيل وبالدعم المالي والسياسي.
* تسعى المخابرات الاسرائيلية وغيرها لتجنيد المسؤولين العرب والفلسطينيين، بكافة الطرق والوسائل، فقد قرأت في كتاب لأحد ضباط الموساد بعنوان(بطريق الخداع) أنهم رصدوا في السبعينات أحد قادة العمل الفدائي في أوروبا، وقام أحد ضباط الموساد المتخفي على شكل تاجر ليبي، بالتبرع لهذا الضابط الفلسطيني بشقة للعمل الوطني، ولم ينسو زرعها بالكاميرات وأجهزة التنصت، وفوجىء ضباط الموساد، بأن هذه الشقة تستعمل للدعارة من قبل هذا القائد وأعوانه، فقرروا مباغتته في البيت، وقالوا له نحن من الموساد، ونريدك أن تعمل معنا، فقال لهم:- (لقد تأخرتم كثيراً لقد أنتظرت طلبكم هذا منذ أمد طويل)؟!، وهذا مثال من الأمثلة من المسؤولين العرب أيضاً الذين ارتبطوا بالموساد ولا يعرف الآن هم بأي مناصب في تلك الأنظمة.
* تسعى المخابرات الاسرائيلية والغربية لتجنيد طلاب جامعيين يريدون إكمال دراستهم العليا في الجامعات الدولية، وتستغل عدم قدرتهم المالية، أو عدم قدرتهم على السفر، وتجندهم من هذا الباب، وتسهر على إدخالهم إلى أماكن صنع القرار في العالم العربي، من خلال أساليب كثيرة، تغيب بعض المسؤولين من مكانهم بالقتل والإغتيال أو غير ذلك، حتى تدخل هؤلاء العملاء المتعلمين مكانهم في الهرم القيادي السياسي والإعلامي والنخبوي، ويصبح هؤلاء من النخب العميلة (سياسية واقتصادية وأمنية وإعلامية وثقافية) قيادة المجتمع في هذه الأنظمة السياسية في العالم العربي والاسلامي وغيره أيضاً، فمثلاً يستغرب بعض الناس من هبوط قيادات بلقب دكتور عليهم عنوة بالبرشوت الأمريكي والدولي؟! ويستغربون سر أن هذا الدخيل ومن لف لفه يصورون غربياً على أنهم كالمسيح المنتظر لهذه الشعوب، من شدة الضغط الدولي على هذه الشعوب للقبول بهذه الأجسام الغريبة قادة لها في كل المستويات السياسية والاعلامية والاقتصادية والامنية؟!.
* هؤلاء العملاء المبهورون بقوة أسيادهم، يعتبرون أن قدرة أسيادهم في المخابرات الدولية ، قدرة مطلقة، تفوق قدرة الله عز وجل، ويعتبرون ما يريده أسيادهم قدراً محتوما على الأمة، ولذلك نجد أن العديد منهم يعتنق ديانة أسياده سراً أو علانية، وهناك العديد من الشواهد عن عملاء للمخابرات الاسرائيلية في فلسطين والعالم العربي إعتنقوا الديانة اليهودية، وبعضهم إعتنق المسيحية، وقد يفسر ذلك حرص بعض أمراء العرب للحضور للصلاة في كنيسة المهد بالرغم من أنه يقول أنه مسلم؟!، والملفت أيضاً أن دولة هذا الشخص هي التي دعمت المحاولة الإنقلابية على الحكومة الشرعية في قطاع غزة بالسلاح والعتاد، والذي وقع بيد الذين يقاتلون إسرائيل الآن في القطاع.
هذه النخب السياسية والاعلامية والاقتصادية والامنية، ترتبط عضوياً بأجهزة المخابرات الدولية المعادية لنهضة الأمة، ووصلت الى درجة الشراكة العقائدية مع هذه الأطراف في حربها على القوى الحية في الأمة، ولم يعد الذي يحركها نزوات أو مواقف عابرة، أو آنية، لأنها أصبحت تعتبر أن سقوط الدول الاستعمارية سقوطاً لها.