العرب وأمريكا والمراهنة على أوباما
أحمد الهواس*
لعل المتتبع للعلاقات العربية الأمريكية يرى أنها مرت بمراحل مختلفة , ولم تكن أمريكا كما ظنها البعض يوما صديقة للعرب , فهي لا تؤمن بالصداقات الدائمة أو العداوات الدائمة بل بالمصالح , ولقد بدأت علاقتها بالعرب من خلال الحملات التنصيرية , والامتيازات الاقتصادية والتنقيب عن الآثار في القرن التاسع عشر , ولم تشارك باقتسام تركة الدولة العثمانية , وهي التي اختارت مبدأ العزلة وما أطلق عليه بمبدأ مورنو (1823) مستفيدة من بعدها الجغرافي , ولقد شغف الكثير من العرب بمبادئ الرئيس الأمريكي (ولسون) وحق الشعوب في تقرير المصير , إلا أنها رأت أن حق تقرير المصير يكمن في دعم الصهاينة فقد دعمت وعد بلفور وأقرت بحق الصهاينة بفلسطين , فقد صدر قرار عن رئيس مجلس الشيوخ عام 1922 يؤيد هذا الوعد , ثم كانت العلاقة لو جاز لنا التعبير نفطية منذ منتصف العشرينيات عبر شركات خاصة بامتياز التنقيب عن النفط , لكن الحرب العالمية الثانية التي غيرت مبدأ العزلة أدت إلى دخول أمريكا طرفا داعما للحلفاء ضد المحور, واعتبار السعودية عام1943ضرورة أمنية للحلفاء كما صرح بذلك (روزفلت) وبعد أن وضعت الحرب أوزارها خرجت أمريكا الدولة الأقوى في العالم ويقاسمها النفوذ العالمي الاتحاد السوفيتي ... معسكران متناقضان في كل شيء متفقان على شيء واحد اقتسام العالم , ومنذ أن أعلن عن تأسيس الكيان الصهيوني لم ينقطع الدعم الأمريكي لهذا الكيان , ورأت أمريكا أن المنطقة العربية بحاجة لملء الفراغ بعد نيل غالبية الدول العربية استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية , وحاولت إنشاء حلف بغداد ولم تتمكن من ذلك ,وحدثت انعطافة مهمة في تاريخ العلاقات العربية الأمريكية حين طلبت من( بريطانيا , وفرنسا, وإسرائيل )سحب قواتهم بعد العدوان الثلاثي على مصر , لكنها كانت المشاركة والمؤيدة للكيان الصهيوني في حرب سبعة وستين وكذلك إنقاذها للكيان الصهيوني في حرب ثلاثة وسبعين , ومنذ تلك الحرب واستخدام سلاح النفط ظهر مبدأ الانتشار السريع والرغبة بوضع منابع النفط العربية تحت السيطرة الأمريكية , وعندما غزا الاتحاد السوفييتي أفغانستان عام تسعة وسبعين ظن الكثير من العرب أن أمريكا صديقة لهم فقد استعانت بالمجاهدين العرب وأمدتهم بكل ما يمكن لهزيمة السوفييت ليتحولوا بعد ذلك بنظرها إلى مجموعة من الإرهابيين بعد أن انتهى دورهم ..!
ثم قادت تحالفا دوليا ضد العراق بحجة إخراج القوات العراقية من الكويت في عام واحد وتسعين وفرضت عليه حصارا خانقا , وادعت قبيل بدء الحرب أنها ستحل قضية فلسطين , وتعقد مؤتمرا للسلام , وبعد أن دمرت الآلة العسكرية العراقية والتزم العرب الوقوف إلى جانب الحلفاء , ُعقد مؤتمر مدريد ولم ينل العرب شيئا..؟ بل تفرقت المسارات وعقدت اتفاقيات جانبية كاتفاق أوسلو ووادي عربة .. ونتائجهما معروفة , وبعد ثلاثة عشر عاما من حصار العراق قامت بغزو هذا البلد ونشرت فيه الخراب والدمار وبات مشروع التقسيم أساسا للعراق الجديد وكذلك ربطه باتفاقية أمنية تضعه تحت الهيمنة الأمريكية لأطول مدة ممكنة ..!!
أوباما والبيت الأبيض :
بعد ثلاث سنوات على وفاة (روزا باركس) الخياطة السوداء التي فجرت ثورة السود بأمريكا عام 1955 لرفضها التخلي عن كرسيها في الحافلة لرجل أبيض , وبعد أربعين عاما من اغتيال مارتن لوثر كينج صاحب مقولة أعطونا حق الانتخاب عام 1957 وصاحب الحلم بعبارته الشهيرة( أحلم باليوم الذي يعيش فيه أبنائي الأربعة في شعب لا يكون فيه الحكم ُعلى الناس بلون جلودهم ولكن بما تنطوي عليه أخلاقُهم )
وبعد واحد وأربعين عاما من السماح بالزواج بين الأعراق في أمريكا ... وبعد عشرين عاما من فشل القس (جسي جاكسون) في الوصول للبيت الأبيض ... وبعد سلسلة طويلة من التمييز العنصري وصل أمريكي اسود من أب كيني مسلم وأم أمريكية بيضاء إلى رئاسة الدولة الأعظم في العالم .. فهاهو ابن المهاجر الإفريقي يدخل البيت الأبيض رئيسا بعد أن كان شعارُ المطاعم في أمريكا يمنع دخول السود والكلاب ..!
فهل تغيرت أمريكا ...؟ أم أن من يدخل البيتَ الأبيض هو رئيس أمريكا ومصلحة أمريكا فوق الجميع..؟ وبالتالي لن يختلف عن أسلافه رؤساء أمريكا السابقين ...؟ حاله كحال حكام مصر القديمة فكل من دخلها من الغزاة أسس أسرة فرعونية وتفرعن على الناس..! أو كوصول ثمانية أباطرة عرب إلى عرش روما القديمة وبلادهم تحت الحكم الروماني ...! وهل يغير وصولُ اوباما إلى سدة الرئاسة شيئا وهو المفتخر بالقيم الأمريكية المتبرأ من دين آبائه , الملتزمُ بحماية الكيان الصهيوني وبجعل القدس عاصمة للصهاينة ...؟ أوباما المعارضُ لبقاء القوات الأمريكية في العراق جاء بنائب قدّم للكونجرس الأمريكي مشروع تقسيم العراق , واختار كبير مستشاريه يهوديا يحمل الجنسية الإسرائيلية ....! وفي أثناء حملته الانتخابية رفض ما قاله القس جسي جاكسون بأن وصول اوباما للبيت الأبيض سينهي عقودا من سيطرة الصهاينة على القرار الأمريكي ....؟ أوباما العضو في Prince Hall Freemasonary وقد وصل للدرجة الثانية والثلاثين وعضو في(البلدربريج) الخاصة بالأمريكيين من أصل أفريقي ...؟ اوباما سواء كان بارك أم أبو حسين كما يحلو للبعض أن يسميه , هو رئيس للولايات المتحدة فهل ستتغير في عهده السياسة الأمريكية ولاسيما تجاه العرب والمسلمين....؟ أم أن الأفعى تحتاج أن تغير جلدها دون أن تغير طبعها ...؟!
ربما ونقول ربما أن العرب مازالوا يعيشون في الماضي وأمجاده التليدة أو كما يقول أحد الصحفيين العرب : لعل الحكام العرب يعتقدون لوأن بغلة عثرت بأرض العراق سيحاسب الله عليها سيدنا عمر بن الخطاب ..!
ولعل السؤال الذي يتردد دائما لماذا تستنفر وسائل الإعلام العربية عندما تبدأ الانتخابات الأمريكية ..؟ وليس هذا فحسب بل من اللحظة الأولى لانتخابات الحزبين الكبيرين أنصار الفيل والحمار ..؟ وكأن الرئيس القادم هو خليفة جديد للمسلمين أو المنقذ لتردي الأوضاع العربية بدءا من الإهانات التي اعتاد عليها المواطن العربي , وانتهاء بقضيته المصيرية في فلسطين , إضافة للملفات الساخنة الأخرى العراق والسودان والصومال .. ولا ندري ماذا سيضيف السيد الجديد من ملفات عربية , وكم منطقة سترتفع درجة السخونة فيها إلى الغليان ... فقد سجلت أعلى درجة حرارة في الصحارى العربية , وبالتالي فهو يزيد قليلا في حرارة منطقة جعلها الخالق أسخن المناطق جغرافيا , ولعل صاحب البشرة السمراء لديه رغبة بأخذ حمام شمسي تحت الشمس العربية المشرقة , ولهذا سيختار مناطق يسخنها بالدرجة التي تناسبه , ولعل الشكل الخارجي للسيد القادم سيتحول مثالا وموضة للبيض من أبناء بلده ولن يجدوا مكان لتسمير البشرة أفضل من مناطقنا وبالتالي سيتوافدون زرافات ووحدانا إلى المنطقة التي يختارها السيد الرئيس ..؟
وهكذا ينتظر العرب سنوات أخرى حائرين بين جمهوريين وديمقراطيين , لعل سيد بيت أبيض سابق يأتي من صلبه من يعطي للعرب حقوقهم ...!
*كاتب وإعلامي سوري مقيم في القاهرة