أخلاق الكاتب في رسالة الكتابة
تحسين أبو عاصي
– غزة فلسطين –
[email protected]
الكتابة أمانة ورسالة وانتماء ، وهي ليست لغرض الترف أو التسلية ، ولا هي سلعة
للبيع والشراء ، بحيث يتسابق المنتفعون من ورائها ، يلهثون ويرقصون ، مطبلين مزمرين
في كل زفة وسهرة وجلوة وشوفيني يا مرت خال .
الكتابة عصارة الفكر وآلام البحث ، وتعبير عن واقع بمداد ما ، فإما أن يكون مداد دم
ودمع ، وإما أن يكون مداد بول وبصاق ( أجلَّ الله القارئين ) ، وبعيدا كل البعد عن
المشارب الفكرية والرؤى الأيديولوجية ، فالكاتب الحر الشريف هو الذي يبتعد عن نعيق
البوم والغربان ، مهما كانت أفكاره ، متحصنا ضد الرشوة ، ولا يجيد اللعب على الحبال
، ولا يعرف للانتهازية طريقا ، لا يخضع لسلطة ولا لمال ، وبغض النظر عن أيديولوجيته
؛ لأن جميع شرفاء الكلمة سيلتقون حتما في نقاط ارتكاز محورية عندما تقهر أقلامهم
الجلادين ، باذلا كل جهد ، وكل غال ورخيص ، من أجل تبيان الفكرة ومصلحة الناس
المضطهدين والمعذبين ، والفقراء والمحرومين والمظلومين ، لذلك تجده يكتب بحرقة وألم
، لكتابته رائحة خاصة ومذاق متميز ، عندما تقرأ له ، كأن روح نصه ومعانيه تلامس روح
ذاتك ، تدغدغ معانيه خلجات قلبك .
لا
يكتب منتفعا ، ولا يكتب وقد سمح لنفسه أن يبيع تفكيره وضميره في سوق النخاسة ،
وينهج نهجا علميا ومعرفيا بما تمليه عليه قناعاته برسوخ وثبات ، مفكر رقيق كأنه
متصوف زاهد ، متواضع لا يعرف للنرجسية والانتفاخ طريقا ، مرهف الحس ، يحمل في قلبه
هموم الوطن والأمة .
كم
من كاتب يكتب والدموع تسيل على وجنتيه وقضايا الأمة شغله وفكره ؟ وكم من كاتب يكتب
وقد فتّحت الكتابة جروح قلبه ؟ كم من كاتب يكتب ثائرا من أجل الحق ولا شيء غير الحق
؟ .
وكم
من كاتب يكتب من فوق برجه العاجي ، منتفخا كالطبل لا يفقه معنى التواضع والبساطة ،
منتفعا متملقا متوسلا منتهزا ، باع دينه بعرض من الدنيا ؟
الكتابة انتماء وترجمة لنهج ورؤية أيها السادة ، وهي إما أن تكون تعبيرا قويا عن
تفاهة الكاتب وضحالته ، وإما أن تكون سلاحا يطيح برؤوس الجبابرة والمنتفعين
والمتسلقين ، سلاح هو أقوى من النيران والسيوف ، وكم من الأقلام قد صنعت ثورات
الشعوب ، وغيرت مجرى التاريخ ، وشيدت معالم وحقائق لا يمكن نسيانها ، رغم فقر أصحاب
تلك الأقلام وجوعهم ، ومرضهم وسجنهم وقهرهم ، وأحيانا قتلهم ، فلم يتراجعوا ولم
يستسلموا ، حتى تحولت دماءهم وتضحياتهم إلى جسور عبرت من فوقها الأجيال ، ونور
يُهتدى بها في حلكة الظلام .
الكتابة الحرة وسيلة من وسائل الالتقاء والاتصال والتقارب ، ونسج علاقات حية جميلة
وهي لا بد من أن تثمر ، ولا بد من أن تؤتي الثمار أُكلها ، من خلال الالتقاء الحي
حول القواسم المشتركة الكثيرة ، التي تجمع بين أحرار العالم في كل مكان مهما تباينت
مشاربهم الفكرية .