المرونة ، أم الحزم ..
في مواجهة الحريق ، أو الطوفان ، أو الذئاب المفترسة !؟
ماجد زاهد الشيباني
· الحكمة هي وضع الأمور في مواضعها..
· الشاعر يقول :
ووضع الندى في مَوضع السيفِ بالعلا مضرّ ، كوضع السيفِ في مَوضع الندى
· المرونة مطلوبة ، في السياسة عامّة .. وشعرة معاوية مطلوبة ، كذلك ، بقدر المستطاع ! وعدم فتح جبهات إضافية ، مع أعداء جدد ، أو قدماء .. مطلوب ، بقدر المستطاع ! وجعل المحايدين أصدقاء ، جيّد ومطلوب ! وتحويل الأعداء إلى أصدقاء، جيّد جداً ، ومرغوب ! وكل ذلك ، في حدود الطاقة ، والحكمة ، والمصلحة ، والظروف المواتية !
· لكن .. حين يكون العدوّ مقبلاً عليك ، كالسيل الجارف ، أو كالحريق الهائل المدمّر، ولا يقبل منك عدلاً ولاصرفاً .. وليس يرضيه إلاّ أن يدمّرك ، سياسياً ، أو أمنياً ، أو ثقافياً ، أو خلقياً ، أو عسكرياً ، أو عقَدياً ، أو إنسانياً .. وأنت قادر على شَكمه ، بالكلمة الحازمة ، أو بالتحذير الصارم ، أو بالتهديد القويّ الواضح .. ثم لا تفعل شيئاً من ذلك ، بل تسايره وتجامله ، باسم المرونة ، أو السياسة ، أو الحكمة ، أو الذكاء ، أو الدهاء ، أو الليونة .. وهو لا يزداد إلاّ ضراوة وشراسة ، ظاناً مرونتك عجزاً ، وحلمك ضعفاً ، وحكمتك خنوعاً وجبناً .. حين يكون ذلك كذلك ، فأنت مفرّط تفريطاً يبلغ حدّ الجريمة ، بحقّ نفسك ، وحقّ مَن وراءك ، من أهل وعشيرة ، وشعب ووطن!
· وحين يكون عدوّك ذئباً مسعوراً ، يعدو باتّجاهك ، ولا يراك أمامه إلاّ حمَلاً وديعاً ، وأنت قادر على أن تكون ليثاً كاسراً ، في معركتك معه .. أو أن تكون شجاعاً ، قادراً على دفعه عن نفسك ، ودرء شرّه عنك ، ثم لا تفعل .. فأنت مفرّط ، أيضاً ، بحقّ نفسك ، وحقّ مَن وراءك ، ممّن ندبوك للدفاع عنهم ، أو نَدبتَ نفسك لحمايتهم!
· ثلاثة نماذج ، في التعامل مع الذئاب :
1) الشاعر الفرزدق والذئب :
قال الفرزدق ، يصف ليلة له ، مع الذئب :
وأطـلسَ عسّالٍ ، وما كان فلمّا دنا، قلت : ادنُ ، دونكَ ، إنّني فـبـتّ أقـدّ الزادَ ، بيني وبينَه وقـلـتُ لـه ، لَمّا تَكشّر ضاحكاً تَـعـشّ ، فإنْ واثَقتَني لا تَخونُني ولـوْ غَيرَنا نَبّهتَ ، تَلتمِسُ القِرى | صاحباًدَعوتُ ، بناري ، مَوهِناً ، وإيّـاك ، فـي زادي ، لمشتَرِكانِ عـلـى ضوءِ نارٍ ، مَرّة ودخان وقـائـمُ سَـيفيْ مِن يَديْ بمكان: نَكنْ مِثلَ مَن ، ياذئب ، يَصطَحبان أتـاكَ بـسَـهْـمٍ ، أو شَباةِ سِنان | فأتاني
ويتّضح في هذه الأبيات ، الكرم ، مع الحذر والحزم !
2) الشاعر البحتري والذئب:
قال البحتري ، يصف ليلة له ، مع الذئب :
عَوى ، ثم أقعى ، فارتَجزتُ ، فهِجتُه يـقضقضُ عصْلاً في أسِرَتها الردى فـأوجَـرته خَرقاءَ ، تَحسَب ريشَها فَـمـا ازدادَ إلاّ جـرأةً ، وصَرامَةً | فـأقـبـلَ مِثلَ البَرقِ ، يَتبعه الرعد كـقَـضـقضَةِ المَقرور أرعَده البَرد على كوكبٍ ، يَنقَضّ ، والليلُ مسوَدّ فـأيـقَـنتُ أنّ الأمرَ مِنه ،هوَ الجِدّ |
ويتّضح في هذه الأبيات ، الحزم والصرامة ، والمبادرة إلى قمع الشرّ قبل وصوله !
· إن الناظر، المتأمّل في النموذجين المذكورين ، يدرك ، ببساطة ، أن التعامل مع الذئاب البشرية ، لا يبتعد ، كثيراً ، في أساليبه ، عن التعامل مع الذئاب العجماء المتوحّشة ! فالأساليب تختلف ، هنا وهناك ، بين شخص وآخر، وبين ظرف وآخر.. لكنها تبقى أساليب تعامل مع الذئاب ! ومن زعم أن ذئاب البشر، أقلّ وحشية ، من الذئاب العجماء .. فلينظر فيما يجرى في العالم ، ليرى أيّ الصنفين أشدّ شراسة وضراوة .. وسعاراً !
3) العجوز والذئب :
أمّا مَن صرف النظر، عن النموذجين المذكورين ، كليهما ، وآثر التعامل مع الذئب على طريقة العجوز، التي ربّت جَرو الذئب ، وسقتْه من حليب شاتها .. ثم حين غابت عن البيت ساعة من الزمن ، وعادت إليه .. وجدتْه قد بقَر بطن الشاة ، وطفق يأكل من لحمها باستمتاع ونشوة ، ناسيا أنها أمّه التي أرضعته .. فأحسّت بالكارثة ، وقالت :
بَقرتَ شُويهَتي ، وفَجعتَ نفسيْ إذا كـان الـطباع طِباعَ سوء | فَـمَـنْ أنْـباكَ أنّ أباكَ فـلا أدبٌ يـفيد .. ولا أديب | ذيبُ
نقول : أمّا مَن آثَر أن يكرّر تجربة تلك العجوز، فعليه أن يتحمّل مسؤوليته ، كاملة .. لا عمّا يجري له ، بل عمّا يجري لِمن وراءه !