تاريخ سورية 2
تاريخ سورية
صُنع بدم ودموع ونضالات
وآمال وآلام وتلاحم
ومحبّة وُمُعاونة الأشقّاء
مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن
"2"
الملحمة الوطنية في فترة اندحار الأتراك والاستعمار الفرنسي
لا شك أن هذه الفترة كانت مُلبدة بالغيوم السياسية وعدم اتضاح الرؤيا لدى الكثيرين من النّاس ، فالبعض من الغيورين على وحدة الأمّة وقف إلى الجانب العثماني ، وتعصبوا لحكم الخلافة عن غير وعي وأنا مُقدّر لهم هذا الشعور، ولكنهم يفعلون ذلك عن غير معرفة كاملة عن تلك المرحلة ، حيث كان السلاطين العثمانيين في تلك الحقبة ما قبل سقوط الخلافة بعقود لا يملكون من الأمر شيء ، وإنما السلطة والإدارة كانت في يد القوميين الأتراك المُتعصبين وحزبهم الإتحاد والترقّي ، الذين تمكنوا من الإمساك بزمام الأمور أواخر القرن الثامن عشر ، ثُمّ صفى لهم الأمر تماماً عام 1908 ،وتمثل ذلك بعد خلع السلطان عبد الحميد في معركة دامية عام 1909 ، ليكون الخليفة من بعده كشيخ الإسلام لا شأن له في السياسة ، ومن ثُمّ لتدار الأمور من قبل كمال أتاتورك ، الذي على عهده تفككت عُرى الأمّة الإسلامية وضاعت أملاكها ، وأُدخلت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى برغم رفض الخليفة لها بمخطط مدروس ، وعلى عهده ظهرت القوميات في أبشع صورها وجاع النّاس بسبب سياساته المُتعصبة التي تدعوا إلى تتريك العرب والقوميات الأخرى ، ومنع الغذاء والدواء ، وضجّت أطراف الدولة وقامت الثورات في كل مكان للتخلّص من هذا العهد التركي المُتعصب والمُتعجرف ومنهم ثورة العرب بزعامة الشريف حسين بن علي، الذي عقد الاتفاقيات لجلب السلاح ونيل التأييد ، فأفلح مرّة وخُدع مرّة ، وحاول أن يؤول إليه أمر زعامة العرب والمسلمين ليُجدد الخلل الحاصل ، فاجتهد في هذا السبيل ، ولكن المؤامرة كانت أكبر منه وحالت دون تحقيق ذلك ، ولكن أولاده استطاعوا تحقيق الكثير من المكاسب ، ثُمّ لينشب فما بعد خلافاً بين الشريف حسين وقبائل من أهل الحجاز بزعامة آل سعود ، الذين التفت حولهم الجموع واستطاعوا استعادة المُبادرة منه ، ليبسطوا سلطانهم على كل أرض الحجاز ، ويوحدوا الممالك والبلدات في مُعظم شبه الجزيرة المساحة المتعارف عليها الآن بالمملكة العربية السعودية ، وليكون الى جوارهم مملكتين للهاشميين العراق والأردن وعلى وفاق تام
وبحساب الخسارة والربح قد نجد بعض الخلل في الحسابات ، ولكنها جميعها كانت نابعة عن اجتهادات ، ومنها أن تكون الأطراف العربية لاعبة لا ملعوب فيها ، ثُمّ أننا رأينا فيما بعد ما فعله أتاتورك بعاصمة الخلافة العثمانية من التعدي على الأديان والعرقيات ، ومحاولته لتتريك الأجناس رغماً عنهم ، وحتّى الانتقام من العرب كونهم من الداعمين للخليفة العثماني ، فمنع الآذان باللغة العربية وحارب القوميات كما هو عليه الحال في السلطة الغاشمة التي تحكم سورية الآن، ولحق بالنّاس الظلم في كل أطراف الخلافة ، ولذلك نستطيع أن نقول عن تلك الفترة بأنها كانت ضبابية غير واضحة المعالم للكثير مع مأساوياتها ، ومن الطبيعي مثل هكذا أوضاع أن تشهد ثورات تتضامن في الأعراق والأديان للتخلص من الظلم ، كما جرى في سورية من قبل العرب والأكراد والدروز والعلويين والمسيحيين والأرمن ، للتخلّص من الكابوس والظُلم وحالة الاستبداد والاستعمار الفرنسي ، وليكون أوّل حاكم بعد جلاء الأتراك لأيام 1918 الأمير محمد سعيد حفيد عبد القادر الجزائري ، ويتبعه ليومين الدمشقي الكردي اللواء شكري الأيوبي الذي عُيّن حاكماً مابين ولاية الجزائري والأمير فيصل ليومين ، ومن ثمّ حاكماً على بيروت ثُمّ على حلب في حكومة علي رضا باشا الركابي ، لتؤول الأمور بعدها لقائد الجيوش العربية الأمير فيصل من أكتوبر عام 1918 إلى 8\3\1920 حين تتويجه ملكاً ، ورفض الفرنسيين لذلك ، ودخوله في صراع معهم ، انتهى بعزله في 28\6\1920 ، لتدخل سورية بعدها بعهد الانتداب الفرنسي ، الذي كافح فيه السوريين في أروع ملاحم البطولة والفداء ، حتّى أقرت فيها فرنسا باستقلال سورية بحدودها الحالية عام 1941بعهد رئاسة الشيخ تاج الدين الحسيني بعد أن قسمتها أثناء الانتداب إلى ست دول، والتي كان فيها أول رئيس سوري منتخب عام 1932 إلى نوفمبر 1936،محمد علي العابد من أكراد دمشق ، إلى نيل استقلالها الكامل الذي تخلله عدة زعماء ، وسنتحدّث عنهم لاحقاً ، وانسحاب أخر جندي فرنسي في 17\4\1947 عيد الجلاء.
وأمّا الحديث عن فترة الانتداب من عصبة الأمم للفرنسي على سورية بداعي الوصاية للمساعدة على إنشاء مؤسسات الدولة بعد سقوط الدولة العثمانية "التركية "فأوجزه بأرقام وعناوين مختصرة ، لأنّ تلك الفترة ما قبل انتخاب أول رئيس للدولة عام 1936 وما بعد معركة ميسلون شهدت سلطة المفوضين الساميين والحكّام الفرنسيين ، حكومات لدول مستقلّة بعد تقسيم سورية لست دول وهم دولة دمشق (1920) ودولة حلب (1920) ودولة العلويين (1920) ودولة لبنان الكبير (1920) ودولة جبل الدروز (1921) ولكل منها علم وعاصمة وحكومة وبرلمان وعيد وطني وطوابع مالية وبريدية خاصة. وبسبب الرفض الشعبي للتقسيم وعدم الاعتراف به قامت فرنسا في عام 1922 بإنشاء اتحاد فدرالي فضفاض بين ثلاث من هذه الدويلات (دمشق وحلب والعلويين) تحت اسم "الاتحاد السوري"، واتخذ علم لهذا الاتحاد كان عبارة عن شريط عرضي أبيض يتوسط خلفية خضراء. وفي الشهر الأخير من عام 1924 قرر الفرنسيون إلغاء الاتحاد السوري وتوحيد دولتي دمشق وحلب إلى دولة واحدة هي دولة سورية، وأما دولة العلويين فقد فصلت مجددا وعادت دولة مستقلة بعاصمتها في اللاذقية وبعد هذا بقليل في عام 1925 قامت في جبل الدروز الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش وامتدت الثورة إلى دمشق ولبنان واللاذقية وحماة وحمص . أرادت فرنسا على إثرها تأديب السوريين فأوعزت إلى بعض البرلمانيين الموالين لها في حلب بالانعقاد لإعلان الانفصال عن دمشق. ولكن الوطنيين في حلب بقيادة إبراهيم هنانو أحبطوا المشروع بعد أن أقاموا الاحتجاجات والتظاهرات وقاموا بقطع الطرق المؤدية إلى البرلمان يوم التصويت لمنع أعضائه من الوصول والتصويت على قرارهم المتوقع
وفي عام 1930 تم اتخاذ دستور جديد لسورية وإعلانها باسم "الجمهورية السورية"، واتخذ علم جديد كان عبارة عن ثلاثة أشرطة عرضية (من الأعلى للأسفل: أخضر ، أبيض ، أسود) وتتوسطه ثلاثة نجوم حمراء ترمز إلى المحافظات الثلاث (دمشق وحلب ودير الزور).
وفي عام 1936 تم توقيع معاهدة الاستقلال مع فرنسا والتي سمحت لدولتي اللاذقية وجبل الدروز بالانضمام إلى الجمهورية السورية. أما لبنان الكبير (الذي صار اسمه عندها الجمهورية اللبنانية) فلم ينضم إلى الدولة الموحدة بسبب كون الغالبية فيه من الموارنة أصدقاء فرنسا والمؤيدين بشدة للانفصال لتخوفهم من المُحيط المسلم الكبير من حولهم من توجسات زرعها الاستعمار الفرنسي. أما المسلمون في لبنان فقد كان موقفهم واضحا ضد التقسيم منذ البداية وقد قاموا بالاحتجاج والعصيان ولم يقبلوا بفكرة الدولة اللبنانية حتى الأربعينات بعد أن قبل رياض الصلح بها وصارت واقعاً اللعب فيه يؤدّي إلى الفرقة والاقتتال والانقسام والتشرذم ، ولا يخدم المصالح العربية أو الإسلامية ، إلاّ إن جاء عن رضى بالنفس ، ولكن أكيد ليس في ظل حكومات الاستبداد والقهر والطغيان ، وانتهاك حقوق الإنسان الواسعة الآن في سورية
مُلحقات
معركة ميسلون
معركة ميسلون (8 ذي القعدة 1338هـ=24 يوليو 1920م) قامت بين متطوعين سوريين بقيادة وزير الحربية يوسف العظمة من جهة ومُساندة الملك فيصل فيما بعد عندما وجد الإصرار من العظمى لدخولها مع تحفظه على الاشتباك في البداية لعدم التكافؤ في القوى والإعداد ، ولغدر الفرنسيين بوعودهم للملك فيصل بعدم دخولهم المُسلح لسورية ،وبين الجيش الفرنسي، بقيادة هنري غورو من جهة أخرى. و تعبر معركة ميسلون معركة عزة و كرامة من وجهة نظر البعض ، وتهور واندفاع من قبل الآخرين ، حيثُ خاض غمارها وزير الدفاع يوسف العظمة الذي كان يعلم أن جيشه المتواضع جدا ، وبأسلحة الخفيفة والقليلة ، والأسلحة البيضاء كالسكاكين والخناجر والعصي لمعظم جيشه في مواجهة الجيش الجرار الذي كان يقوده غورو و المزود بطائرات ودبابات ومدافع وإمدادات ، والذي لم يصمد أمامها طويلا إلا لساعات في معركة عند ميسلون ، ولذلك سُميت بها ، والتي قاوم فيها السوريين وعددهم ثلاثة ألآلاف ببسالة في معركة غلب عليها طابع الفوضوية وعدم التخطيط ، قُتل فيها ثمانمائة رجل من رجال المُقاومة ، واحتُلّت بعدها دمشق في اليوم نفسه
الثورة السورية الكبرى
ألثوره ألسوريه الكبرى انطلقت بعدما عمّت الثورات السورية في كل أنحاء البلاد ، تأكيداً على رفضهم للاحتلال والتجزئة والتقسيم الذي عملت عليه فرنسا ، ومن أجل وحدة البلد ، ، حتّى وصل الاستياء مداه من الفرنسي المحتل ، وخاصة بعد اعتقال الوطنيين الأحرار عقب توجههم للقاء المفوض السامي الذي دعاهم للتفاوض ،فاشتعلت الثورة الكبرى في سورية عام 1925 بأكملها ضد الاستعمار الفرنسي او ما يسمى دوليا بالانتداب الفرنسي ، وهي من أهم الثورات والتحركات الشعبية الثورية التي حدثت في تاريخ سورية الحديث أثناء فترة الانتداب الفرنسي .فتحركت الثورة من كل مدن سوريا بقياده عدد من الأبطال المجاهدين ، منهم سلطان باشا الأطرش ، وإبراهيم هنانو ، وحسن الخراط ، وصالح العلي واشترك فيها كافة فصائل الشعب وسمي سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية وقد ساعده ذلك على كسب محبة وثقة الدروز الذين ساعدوه في مسيرة التحرير الذي ما لبثت أن تشتعل في كافة المحافظات السورية ، لا سيّما حماة التي قصفها الفرنسيين بالطائرات كما قصفها النظام السوري الحالي مع فارق التشبية في مدى الإجرام والتخريب والدمار ، الذي أتى على المدينة بأكملها في ظلّ هذا النظام ، ثم قصفهم لدمشق .وظهر جلياً تساعد ثوار الجبل مع ثوار الغوطة في دمشق .في هذه التحركات الكبيرة والثورة العامة التي زعزعت بشكل كبير سياسة الفرنسيين في سوريا وأصبحوا على قناعة تامة بأن الشعب في سورية لن يرضخ ولا بد من تأسيس حكومة سورية وطنية والرضوخ لإرادة الشعب وثورته الكبرى وتشكيل مفاوضين من مختلف محافظات سوريا وعمل انتخابات برلمانية مستقلة ،استمر على عقبها رجال الدولة والسياسيون السوريون وقاعدة الثورة ، ولم تهدأ الأحوال في البلاد إلا بعد الانتخابات البرلمانية المستقلة في الثلاثينات ورفض الزعيم سلطان باشا الأطرش استلام الرئاسة أو تشكيل حكومة مستقلة في السويداء جبل العرب لما في ذلك من تقسيم في المنطقة وتوالت الضغوط إلى حصول الاستقلال الشامل عام 1946.
أهم الثورات الشعبية في ظل الاحتلال قبل الثورة الكبرى : ثورة حوران وثورة صالح العلي في جبال العلويين عام 1919م ، ثورة إبراهيم هنانو في جبل الزاوية عام 1920م
"3"
وجدنا في الحلقة السابقة كيف توّحد السوريين وتآلفوا حتّى صاروا جبهةً واحدة في مُقاومة متطرفي الترك القوميين ومن ثُمّ الاستعمار الفرنسي من خلال التجييش والنهوض والثورات المتتالية ، والتي كان أهمها الثورة الكبرى التي انطلقت من كل أنحاء البلاد عام 1925 بقيادة المُناضلين أمثال سلطان باشا الأطرش وإبراهيم هنانو وحسن الخرّاط وصالح العلي وغيرهم الكثير ، والتي حينها أدركت فرنسا بأنّ الشعب السوري لن يرضخ ولن يستسلم ، ولا بُد من التفاوض معه لترتيب عملية التسليم والخروج بماء الوجه ضمن جدول مُبرمج ، فتمّ على إثر تلك الأحداث تشكيل حكومات وطنية لتدريبها تمهيداً لرحيلهم
وباعتبار الاستعمار والاستبداد صوّان مُتشابهان لا ينفكّان ، وهما في النهاية لا يؤديا إلاّ إلى نتيجة واحدة من خراب البلد وظُلم النّاس وقهرهم وسلبهم واستغلالهم ، كونهما لا يؤمنان بحق الشعوب ، ويعيشان على عرق وجهد ودماء الشعوب ، وهما لأجل ذلك يُمارسان كُل أساليب الطُغيان والاستكبار ، كما رأينا ما فعله الاستعمار الفرنسي في بلدنا من التقسيم والتخريب والتجويع وإفقار النّاس وقصف المدن عند فترة الإنتداب ، وهو تماما مافعله نظام الإستبداد في بلدنا سورية منذ عقود ، ويفعله اليوم من الدمار وتخريب وإضعاف نفسية المجتمع وانهزاميته ، والتوهين من عزيمة الدولة من خلال الخوف في الدفاع عن الوطن ، حتّى صارت سورية بمن فيها سُخرية النّاس في الجبن والتردد واستباحة الأرض ، بفضل هذا النظام الذي يرفض التصالح الى شعبه والتحاور معه ، ومشاركته في اتخاذ القرار ، وتماما بما كان يجري في رومانيا -عهد تشاوشسكو- من الظلم والإضطهاد ، وفي تشيلي من قِبل بنوشيه ، ودول البلطيق والمُستقلّة في عهد الإتحاد السوفيتي والأمثلة كثيرة ، ولكن في كُل الحالات التي تخلّصت فيها تلك الشعوب من جزّاريها ، كانت تلك الشعوب تتلقّى الدعم من الدول المجاورة والمجتمع المدني والدولي والعالم أجمع
، وليس بخافياً على أحد في فترة الاستعمار الفرنسي على سورية ، كان أيضاً شعبنا العظيم يتلّفى دعم أشقائه العرب في توراته وانتفاضاته لا سيّما الثورة وبشكل سرّي من الملك فيصل بن الشريف الحسين في العراق وغيره من الدول العربية ، هذا عدا من تسخير علاقاته الملك مع الإنكليز لدعم تفاوض السوريين مع الفرنسيين لنيل حقوقهم في ظُلّ التنافس والاستقطاب السائد في ذلك الوقت من كلا الدولتين العُظميين ، وفي عصرنا هذا ونقولها بصراحة بأننا بحاجة الى مثل هذا الدعم من الأشقّاء العرب والمجتمع المدني ومُنظمات حقوق الإنسان للتخلص من حالة الظلم والاستبداد التي يعيشها أهلنا في سورية ، والتي يُعاني منها ايضاً مئات الألاف من أبناء شعبنا الذين لايستطيعون العودة الى بيوتهم واهليهم ومزارعهم وأرضهم وذويهم واصدقائهم ، وإلى رائحة وعبق الوطن الحبيب
وسورية التي كانت بلد الحرّية والنور ، بلد العطاء والدعم والمُساندة للأشقاء ، والبلد الآمن الذي يطمئن إلية كل العرب والمسلمين ، والبلد الذي كان يُسابق دول النمور الأسيوية وصار كالرماد ، وحتّى أجواءه صارت مُلوثة بفعل الإهمال ونهب الدولة ، فلا طُرقات مُلائمة ولا أنفاق ولا بُنية تحتية ، والموت بسبب الإهمال يحصد يومياً عشرات الأرواح ، والبلد الذي كان يهابه الأعداء ويُحسب له ألف حساب قبل مجيء هذه السلطة العسكرية المُستبدّة الحاكمة ، والذي صار اليوم معزولاً بفعل سياسات هذا النظام ، وارتباطاته بحلف طهران الفارسي التوسعي وبُعده عن إخوانه العرب، ولذلك نحن أحوج ما نكون إلى الدعم العربي ، ودعم الجار الكردي في كردستان العراق ، واللبنانيين الذين لن يستطيعوا التخلص من هذا الكابوس إلاّ بمُساعدة الشعب السوري وقواه الحيّة من المنظمات والهيئات الشعبية التي قالت رأيها عن العلاقات اللبنانية السورية ، فزُجّ من أجل ذلك رموزاً وطنية في السجون ، وعلى الجميع أن يجدوا الطرق لدعم الشعب السوري للتخلص من هذه الحالة الاستبدادية المزمنة والمستعصية بأي طريقة يراها العرب للتعاون والتنسيق ، ولتخليص بلدنا من الوقوع في براثن الفارسية الشيعية ، التي سخّرت الإمكانيات الهائلة لتغيير وجه سورية العروبي والإسلامي السُنّي وبكل أسف ، والكثير من قادة الدول العربية نائمة ، وهم لا يأخذون التحذيرات بكل أسف محمل الجد ، وإنما لازالوا يتفرجون ، ويأملون من تغير سلوك النظام من تلقاء نفسه وخطره يستفحل، ولذلك نُهيب بتلك الدول مدّ يد العون لهذا الشعب المذبوح ، وخاصة وانّ سورية اليوم تشهد حالة وطنية وتلاحم بين شرائح المجتمع مالم تعرفه سورية منذ وجود الاستعمار الفرنسي والتخلص منه ، ونحن لا نُطالبهم بالاقتتال والحرب ، بل بالضغط الدبلوماسي وما فعله الغرب مع جيرانه رومانيا وهنغاريا وبولندا وغيرهم في عمليات التغيير دون أن تُراق قطرة دم ، فبعض الأنظمة أُزيلت بثورة شعبية مدعومة من الجيران بالتأييد والمُساندة ، وبعض الأنظمة انقلبت على نفسها وارتضت بالأمر الواقع وسلطة الجماهير ، ونحن لا نُريد أكثر من ذلك الدعم ، لمساعدتنا بالتغيير السلمي ونشر السلام
وأخيراً : وما دمت أتحدّث عن تاريخ سورية سأكتفي في الختام بإشارات عن تلك المرحلة ، لأدخل فيما بعد في مرحلة الاستقلال
حيث أشرتُ في مقالة تاريخ سورية 2 "الملحمة الوطنية في فترة اندحار الأتراك والاستعمار الفرنسي" بأنّ مرحلة الانتداب شهدت سلطة المفوضين الساميين والحكّام الفرنسيين وحكومات لدول مستقلّة بعد تقسيم سورية ، وشهدت وجود رؤساء وزراء لحكومات مركزية في دمشق تحت سلطة المفوضين الساميين الفرنسيين ، وهم على التوالي
1- جميل الألشي ... من 691920 إلى 30111920تغيرت في أيامه شكل الوزارات واستبدلت باسم المديريات
2- حقّي العظم ... من 1121920 إلى 2861922من أصل تركي وفي أيّامه تصاعدت مطالب الوطنيين بإعادة وحدة الأراضي السورية ، وتمّ الإعلان عن انشاء الإتحاد السوري ، ومقرّه في حلب
3- صبحي بركات الخالدي ... من 2861922 إلى 1925من مواليد 1889انطاكية وكان مُتعجرفاً ، وكان مُسايراً للفرنسيين ، شكّل حكومتين ، وهو أول رئيس لسورية بعد توحيدها باتحاد فدرالي فضفاض بين حلب ودمشق والعلويين ، ثُمّ تم توحيد دمشق وحلب وفصل العلويين عن ذلك الإتحاد ، وعلى عهده قامت الثورة السورية الكبرى وقُصفت دمشق من قبل الفرنسيين
4- الدامادا أحمد نامي بيك ...كردي صهر السلطان العثماني من 451926 إلى 821928 شكّل ثلاث حكومات في تلك الفترة ، وعُين لإسترضاء السوريين وزُعماء الثورة ، وقد قبل بهذا المنصب في الوقت العصيب والثورة قائمة في جميع أنحاء البلد ، وقال في بيانه إنه يهدف الى اخراج البلاد من الكارثة والمصائب المفجعة التي تمثلت بالإحتلال الفرنسي ، وقدّم استقالته اثر الخلاف الكبير مع الفرنسيين
5- الشيخ تاج الدين الحسيني ... من 1521928 إلى 19111931 على عهده صدر العفو العام على جميع السياسين الذين اعلنوا الحرب على فرنسا إلا سبعين منهم ، وتميزت فترته بتشكيل الأحزاب التي فاق عددها ال 25 حزبا سياسياً
6- حقّي العظم ... من أصل تركي من 1561932 إلى 1731934 أول رئيس حكومة اثر فوز كتلته بثلاثين صوت من خمسين في ظل تحت الانتداب الفرنسي وهو محمد علي العابد أول رئيس دولة حيادي "غير منتمي " تمّ الإتفاق عليه لإسقاط صبحي بركات الذي قُصفت دمشق على عهده عام 1925، والذي – العابد - كانت ولايته من 1932 إلى 1936 ، وهي نفس السنة التي تم توقيع معاهدة الاستقلال مع فرنسا والتي سمحت لدولتي اللاذقية وجبل الدروز بالانضمام إلى الجمهورية السورية.
"4"
فترة الهدوء التي جاءت بالعاصفة ورئاسة العابد
محمد علي العابد
محمد علي بن احمد عزت العابد : (1867-1939): هو أول رئيس جمهورية سوري بعد الاستقلال عن فرنسا ، . ولد في دمشق ودرس الابتدائية في دمشق والإعدادية في بيروت ، وأكمل تعليمه في اسطنبول وأكمل الحقوق في باريس.تُمّ عاد إلى الآستانة وعُين مستشار قضائي ودرس أصول الفقه الإسلامي والفقه الروماني والتشريع الأوربي إضافة إلى إجادته للغة العربية والتركية والفرنسية والإنكليزية والفارسية ثُمّ عمل في وزارة الخارجية العثمانية وعيّن سفيراً للحكومة العثمانية في واشنطن ، 1905. ووزيراً مفوضاً للدولة العثمانية عام 1908 في واشنطن وهو نفس العام الذي حصل فيه الانقلاب التركي على العثماني ليلحق به أباه إلى كاليفورنيا ، ثُمّ لينتقلا إلى سويسرا وفرنسا وانجلترا ومصر حتى وفاة والده الذي كان مستشارا للسلطان عبدالحميد الثاني في الاستانه بتركيا قبل الانقلاب.
وفيما بعد عاد محمد العابد إلى دمشق عام 1920 وكانت فرنسا تسيطر على البلاد السورية ، عين وزيرا للمالية في حكومة الملك فيصل السورية وفي حكومة الاتحاد السوري عام 1922 بعهد الجنرال الفرنسي غورو وذلك بعد الحرب العالمية الأولى. وانتُخب رئيسا للجمهورية السورية من - 11 حزيران 1932 إلى 21 كانون أول 1936 م - ، وغادر إلى باريس عام 1936 وتوفى هناك عام 1939 ونقل جثمانه ودفن في دمشق . في دمشق ثمة شارع راقٍ باسمه بقرب شارع الحمراء يمتاز بوجود بعض الأبنية ذات الطراز المعماري الفرنسي من مخلفات الانتداب .
والده أحمد عزت العابد، ولد في دمشق وتلقى علومه فيها ثم تابع في بيروت، وأتقن الفرنسية والتركية بالإضافة إلى لغته العربية. عُين مفتشاً للعدلية في سورية واعتبر واحداً من أشهر سياسي عهد انهيار السلطة العثمانية عدّ في بدء أمره من أنصار الإصلاح، وأصدر جريدة أسبوعية بالعربية والتركية أسماها (دمشق). ثم سافر إلى الأستانة وخدم السلطان عبد الحميد الثاني فأصبح مستشاره الأقرب خصوصاً فيما يتعلق بسياسة السلطان الأوروبية، حيث أعانه عزت العابد على انتهاج سياسة تحول دون اتفاق الدول الأوروبية على البلاد. من أهم ما هو معروف عن عزت العابد مسعاه الدؤوب لإنشاء سكة الحديد الحجازية، غادر البلاد العثمانية بعد انقلاب 1908، فذهب إلى لندن ثم أخذ يتنقل بين إنكلترا وسويسرا وفرنسا إلى أن استقر في مصر وتوفي فيها عام 1924 فنقل جثمانه إلى دمشق.
"5"
فترة الانتكاسة الوطنية وإعادة الصحوة وضياع اسكندرون
بعد أن استطاعت الكتلة الوطنية عام 1936 من تحقيق الكثير من المكاسب في المُعاهدة التي أُبرمت في باريس ، وأرغمت فرنسا القبول بالكثير من شروطها ، جرت انتخابات بعد أسابيع حققت فيها الكتلة الوطنية الفوز الكاسح ، ونالت من التأييد الشعبي بما يُقارب نسبته 90% ، فقدّمت حكومة عطا الأيوبي المستقل على إثر ذلك استقالتها ، ليجتمع مجلس النواب الجديد وينتخب فارس الخوري رئيساً له ،وهاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية ، الذي كلّف جميل مردم بتشكيل الحكومة في كانون الأول 1936، وكذلك قدّم رئيس الجمهورية بحينها السيد علي محمّد العابد استقالته ، لتجري الرياح فيما بعد بما لا تشتهيه السفن، ويحصل شيء لم يكن بالحسبان ، وهو بداية تراجع شعبية الكتلة التدريجي بسبب ما أصابها من غرور النصر والتفرّد والغطرسة ، فلم تعد ترى أحداً وطنياً سواها أو من يؤيدها ، وصارت تنعت من يُخالفها بالخيانة والرجعية والاتهامات الممجوجة لتكميم الأفواه، مما أدّى إلى اشتعال الحرب الكلامية الطاحنة على إثر ذلك بين المُعارضة والسلطة، التي قامت باعتقالات واسعة شملت لرموز في المُعارضة ، مما أسعد ذلك الفرنسيين ، الذين قاموا على تعميق الخلاف لتعزيز مكانتهم والانسحاب من التعهدات التي أبرموها ، فشاركوا في شن الهجوم على العهد الوطني الجديد ، الذي أرغم فرنسا على الخضوع لشروطه ، التي ضاعت مع هذا الخلاف ، بعدما تنصل منها المُحتل ، لأنها فقدت لسندها الشعبي عندما اضمحلت شعبية الكتلة الوطنية ، لتعود زمام الأمور إلى المُحتل ليعبث في الساحة السياسية السورية من جديد
هذه الساحة الذي خسرت فيها الكتلة الوطنية الكثير من تأييدها عندما أصابها الغرور والتزمت بالتفرد وتقزيم الآخرين ، وصارت محطّ سهام الجميع ، وحتّى ممن التزم الحياد في الصراع السياسي بين الأطراف على الرغم مما قدمته من تضحيات ، وحتّى الانتقاد وُجه من زعماء داخل الكتلة نفسها ، لأن هذه الكتلة بالأساس هي عبارة عن تكتل يضم مُعظم الطيف السياسي والنسيج الاجتماعي ، والتي ازدادت الضغوط عليها وعلى حكومتها مما أدّى إلى استقالة حكومة جميل مردم في 18\2\1938 ، لتتشكل حكومة بقيادة لطفي الحفّار من الكتلة الوطنية التي تضطر للاستقالة بعد ثلاثة أسابيع بضغط من الفرنسيين ، لتعهد إلى الرجل المستقل نصّوح البخاري الذي يستقيل بعد فترة وجيزة ، ليأتي دور الرئيس هاشم الأتاسي الذي يضطر إلى تقديم استقالته المُعرقلة إلى البرلمان في تموز 1939، بعدما اشتدت الضغوط من المُعارضة على كتلته بقيادة زعيم حزب الشعب العائد من مصر الدكتور عبد الرحمن الشهبندر ومن الفرنسيين أنفسهم ،الذين عرقلوا وصول الاستقالة الى البرلمان ليتسنّى لهم وقف العمل بالدستور وحل المجلس النيابي
، ليستغلّوا هذا الوضع المتدهور وينقضّوا من جديد لإعادة زمام الأمور إليهم مُستفيدين من الخلاف والتناحر
وليعهدوا بالسلطة التنفيذية فيما بعد إلى مجلس مؤلف من مُديري الوزارات برئاسة مُدير الداخلية بهيج الخطيب ، الذي أدار سورية بالأوامر الفرنسية إلى منتصف عام 1941 ، ودون أي ردود فعل عنيفة لهذه القرارات التي تُشابه عودة السلطة الفرنسية أول احتلالها للبلاد ، بزخمها وإرهابها بسبب التصدّع بالصف الوطني ، لتعطي فيما بعد فرنسا لواء الإسكندرون لتركيا كرشوة طمعاً لتحالفات معها ، أو لعدم انضمام تركيا لدول المحور لضمان حيادها في الحرب الدولية القادمة، والتي سمحت للأتراك بموجب هذا الاتفاق الذي عُقد بينهما في حزيران 1939 بدخول الجيش التركي للواء اسكندر ون جنباً الى جنب مع الجنود الفرنسيين ، الذين انسحبوا فيما بعد ليبقى الإسكندرون تركياً وتحت سيطرتهم مُنسلخاً عن سورية ، ولتنهار الحياة الاجتماعية والاقتصادية إلى أدنى مستوى ، وتعم المجاعة وارتفاع الأسعار ، وشُحة المواد ونقص الحبوب ، مما فجّر ثورة عارمة جديدة ضد الفرنسي ، وهيأ لبروز صحوة وطنية جديدة تتجاوز أخطاء الماضي بقيادة زعيم الكتلة الوطنية شكري القوتلي ، والذي حاول الاستفادة من وضع فرنسا الجديد ، ومن اختلافاتها العميقة بعد احتلال الألمان في بداية الحرب العالمية الثانية لنصفها ، ومن ثمّ الاستفادة من الصراع الذي نجم بين الديغوليين في المنفى ، والفيشيين الموالين للألمان ، ومن ظروف التنافس بين البريطانيين والفرنسيين.
مواضيع متعلقة
بهيج الخطيب : حكم سورية بسلطة تنفيذية من الفترة 1939 إلى 1941 كرئيس لمجلس مؤلف من مُديري الوزارات في ظل الإنتداب الفرنسي على سورية وتميز حكمه بعدم الاستقرار فيما اتهمه البعض بأنه احد الموظفين الأكفاء الموالين لفرنسا ، ووقعت في عهده من الحوادث الجسام ، ومنها اغتيال عبد الرحمن الشهبندر في 7 تموز 1940 ،وحاول بهيج بدفع من الفرنسيين إلصاق التهمة بالكتلة الوطنية ، فاعتقل منهم قرابة الثمانين ، واستطاع العديد من قادتهم الفرار ومنهم القوتلي والحفّار ومردم والجابري ولجوء القوتلي للسفارة السعودية وعند انتهاء حكم سلطة المديرين عام 1941 أُعيد إلى وظيفته الأولى مديراً عاماً لوزارة الداخلية ، وتولّى وزارة الداخلية بالوكالة ، بعد عامين عُيّن مُحافظاً للواء دمشق ، ثُمّ سُرّح من منصبه فهاد غلى لبنان مسقط رأسه
الفيشيين والديغوليين
مع بداية الحرب العالمية الأولى اجتاحت ألمانيا الهتلرية العديد من الدول الأوربية ، ومنها نصف مساحة فرنسا بما فيها باريس ، والتي على إثر هذا الغزو عُقدت معاهدة فرنسية ألمانية عام 1940 ، نُصّب فيها بيتان رئيساً لفرنسا الذي نقل مقر حكومته المتعاونة مع الألمان من باريس الى فيشي ، ولذا عُرف أنصاره بالفيشيين ، بينما الجنرال ديغول وأنصار حركة تحرير فرنسا رفضوا الهدنة مع ألمانيا وشكلوا حكومة في المنفى البريطاني ، ثم نقلها إلى الجزائر ، وعُرف أنصاره بالديغوليين ، ليبدأ الصراع من حينها في المُستعمرات الفرنسية والتي من بينها سورية ، التي جرى فيها اقتتال عنيف ما بين قوات فيشي المُتمركزة في أجزاء كبيرة من سورية والتي سمحت لألمانيا باستخدام الأراضي والموانئ السورية والمطارات من أجل عبور القوات الألمانية للعراق وبين القوات الديغولية المدعومة والمتحالفة من بريطانيا ، انتهت بانتصار الديغوليين الساحق على الفيشيين في سورية
هاشم الأتاسي عن مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية مقتطفات
هو هاشم بن خالد بن محمد بن عبد الستار الأتاسي، ولد في حمص عام 1875 في بيئة دينية علمية،وجده إبراهيم ثم والده كانا بمنصب المفتي في حمص وتلقى علومه الابتدائية والثانوية فيها، ثم انتقل إلى المدرسة الملكية بالآستانة ونال إجازة في الإدارة، وتدرج في مناصب الإدارة في العهد العثماني ،عُرف عنه النزاهة وأخلاقه الرفيعة. و كان منتسباً للجمعية العربية الفتاة لمناهضة أعمال التتريك للعرب. وفي العهد الفيصلي اختير عضواً في المؤتمر السوري الأول عام 1919، ثم انتخب رئيساً له عام 1920. تولى رئاسة الوزراء مدة قصيرة أواخر أيام فيصل 30/5/1920 فكانت في أيامه معركة ميسلون حيث دخل الفرنسيون دمشق، فاستقال هاشم الأتاسي وعاد إلى حمص. وفي 25 أيار من العام نفسه اعتقله الفرنسيون لمدة أربعة أشهر في جزيرة أرواد ثم أطلقوا سراحه. واختير هاشم الأتاسي رئيساً للكتلة الوطنية لدى تشكيلها عام 1927، وظل رئيساً لها حتى انشقاقها، والتي لعبت دوراً بارزاً في الحياة السياسية في ذلك الوقت. وفي نيسان 1928 انتخب نائباً عن حمص في الجمعية التأسيسية ثم رئيساً لها، وهي التي صاغت دستوراً عطل الانتداب الفرنسي أهم مواده . أُعيد انتخاب الأتاسي في مجلس النواب عام 1932 بالتزكية عن حمص، فقاد مجموعة النواب الوطنيين لإحباط التصديق على معاهدة رئيس الوزراء حقي العظم والمفوض الفرنسي والتي وصفت بأنها: (معاهدة سلم وصداقة بين فرنسا وسوريا المستقلة ذات السيادة). وفي 22 كانون الثاني عام 1936 بدأ المفوض السامي الفرنسي مفاوضاته مع هاشم الأتاسي بصفته أبرز الزعماء. وفي عام 1936 ترأس هاشم الأتاسي الوفد السوري إلى المفاوضة في باريس، وخرج بمعاهدة تضمنت تسع مواد تنص على مختلف أوجه التعاون بين دولتين حليفتين وعلى إسقاط المسؤوليات المترتبة على الحكومة الفرنسية، وانتقالها إلى الحكومة السورية فور وضع المعاهدة موضع التنفيذ... لكنها لم تأت على ذكر الانتداب ولا على موعد انتهائه وانسحاب الجيش الفرنسي من البلاد والاستقلال الناجز، وتضمنت المعاهدة أيضاً ثماني مواد تدور جميعها حول التعاون العسكري
انتخب المجلس النيابي هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية في كانون الأول عام 1936 وذلك بعد استقالت محمد علي العابد، وبقي في منصبه حتى استقالته في تموز عام 1939
وفيما بعد تولى هاشم الأتاسي حكومة انتقالية لإعادة الأوضاع الدستورية والاستقرار في البلاد بعد الانقلاب الثاني الذي قام به الزعيم سامي الحناوي في 14 آب 1949، إلى ما بعد انتخاب الجمعية التأسيسية. وبعد انتخاب الجمعية التأسيسية أعيد انتخاب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية عام 1950.
إلا أنه استقال احتجاجا على تدخل أديب الشيشكلي في شؤون الدولة، وعارض حكمه ورعى مؤتمراً من الأحزاب في حمص لمناهضته ونشر بيان باسمه، وبعد الإطاحة بحكم الشيشكلي أُسندت رئاسة الجمهورية إلى هاشم الأتاسي لاستكمال مدته الدستورية فاستمر حتى انتهت مدة ولايته في أيلول/1955، فاعتكف في داره بحمص إلى أن توفي في 6/12/1960، ودفن في حمص.
عبد الرحمن الشهبندر نقلا عن مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية
سياسيّ سوريّ من دمشق ( 6 تشرين ثاني 1879 - اغتيل في 6 تمّوز 1940 ) درس الطب في الجامعة الأمريكية ليتخرّج منها عام 1906. إتّصل ببعض معارضي الحكم التركي مثل عبد الحميد الزهراوي في بداية شبابه بدأ محاربًا لتصرّفات جمال باشا السفّاح،ثمّ فرّ هاربا الى العراق ومنها إلى الهند مستقرا في مصر التي توّلى فيها رئاسة تحرير جريدة الكوكب ليتركها بعد أن تبيّنت له تبعيّتها للسياسة الإنكليزيّة، ومن ثمّ ساند ثورة الشريف الحسين ضد الأتراك.ثمّ عاد إلى سورية ليتسلّم في الحكومة السورية التي ترأسها هاشم الأتاسي في أيار 1920الشهبندر وزارة الخارجيّة السورية التي سقطت بدخول الفرنسيّين وفرضهم الانتداب على سوريّا ومن ثم سجنه ونفيه ، تزوج عام 1924 من سارة المؤيّد العظم
في تموز/1924، عاد الشهبندر إلى دمشق، ألّف حزباً سياسياً سماه (حزب الشعب) حيث تولى رئاسته، وأطلق على نفسه لقب الزعيم. وأخذ الشهبندر يعمل من جديد في تنظيم العمل السياسي، ويدعو إلى الوحدة العربية، ويطالب بإلغاء الانتداب، وإقامة جمهورية سورية في نطاق الاتحاد مع جميع البلدان العربية المستقلة.
إنضمّ عام 1925 للثورة السوريّة في جبل العرب، ليضطرّ بعدها للهرب خارج سوريا حيث صدر بحقه غيابيًّا حكم بالإعدام. ألغي الحكم لاحقًا ليعود إلى دمشق في أيّار عام 1937 ويبدأ بمعارضة المعاهدة السورية الفرنسية 1936من خلال خطبه الحماسية التي قسمت المجتمع إلى قسمين ما بين مؤيد ومعارض. في عام 1940 قامت مجموعة باغتياله في عيادته وألصقت التهمة بزعماء الكتلة الوطنيّة: سعد الله الجابريّ وجميل مردم بك و لطفي الحفار.
لاحقًا تمّ القبض على الفاعلين واعترفوا بفعلتهم، وأن الدافع إليها كان دافعًا دينيًّا، وزعموا أن الشهبندر تعرّض للإسلام في إحدى خطبه، وأنّهم فعلوا فعلتهم انتقاماً وثأرًا للدين الحنيف. فحكمت المحكمة عليهم بالإعدام، ونفّذ فيهم الحكم شنقًا يوم الثالث من شهر شباط سنة 1941.
الفيشيين والديغوليين
مع بداية الحرب العالمية الأولى اجتاحت ألمانيا الهتلرية العديد من الدول الأوربية ، ومنها نصف مساحة فرنسا بما فيها باريس ، والتي على إثر هذا الغزو عُقدت معاهدة فرنسية ألمانية عام 1940 ، نُصّب فيها بيتان رئيساً لفرنسا الذي نقل مقر حكومته المتعاونة مع الألمان من باريس الى فيشي ، ولذا عُرف أنصاره بالفيشيين ، بينما الجنرال ديغول وأنصار حركة تحرير فرنسا رفضوا الهدنة مع ألمانيا وشكلوا حكومة في المنفى البريطاني ، ثم نقلها إلى الجزائر ، وعُرف أنصاره بالديغوليين ، ليبدأ الصراع من حينها في المُستعمرات الفرنسية والتي من بينها سورية ، التي جرى فيها اقتتال عنيف ما بين قوات فيشي المُتمركزة في أجزاء كبيرة من سورية والتي سمحت لألمانيا باستخدام الأراضي والموانئ السورية والمطارات من أجل عبور القوات الألمانية للعراق وبين القوات الديغولية المدعومة والمتحالفة من بريطانيا ، انتهت بانتصار الديغوليين الساحق على الفيشيين في سورية.