الإدمان الالكتروني
هايل عبد المولى طشطوش
تعيش البشرية اليوم ثورة تكنولوجية لم تشهدها من قبل ،حيث أصبحت مظاهرها تتجلى في كل مناحي الحياة اليومية ، فقد أصبحت جزءا من حياته التي لا يستطيع الاستغناء عنها مهما كانت الظروف والأحوال ، فهو يعيشها منذ أن يصحو من نومه إلى أن يخلد إلى فراشة في آخر الليل ، حيث يستيقظ على رنين الهاتف الخلوي لينبهه أن وقت دوامه قد قارب وما علية سوى الاستعداد ،ثم يعمد إلى آلة الحلاقة الكهربائية فيحلق ذقنه .......،..او تذهب هي إلى مجفف الشعر واله التسريح الكهربائية ....، ثم ينطلق إلى سيارته التي أصبحت تمتلئ بالمجسات والكمبيوترات وأصبحت تحظى بأعلى التقنيات التي عرفتها البشرية حتى وصل الأمر إلى أنها تقوده هي لا هو الذي يقودها ففيها من الخرائط الالكترونية ما يدلها على الطريق الصحيح وفيها من المجسات ما ينبهه إلى الخطر الذي قد يواجه أثناء طريقة..... ، وفي أثناء حركته إلى عملة ينجز بعض الأعمال المستعجلة من خلال هاتفه النقال او حاسوبه المحمول فيرسل الرسائل ويتلقى غيرها عبر البريد الالكتروني ويدير صفقاته ويحركه أمواله بكبسة زر واحدة ، وما أن يصل إلى مكتبة حتى لتراه أول عمل يقوم بة هو تشغيل حاسوبه المكتبي وإدارة جهاز التلفاز ليشاهد العالم كله بين يديه من خلال المحطات الفضائية التي أصبح يستطيع الحصول عليها بطبق لا يتعدى قطره 10 او 15 سم فيتابع أخبار السياسة والاقتصاد والرياضة والثقافة والعلوم والمجتمعات والكوارث والانتخابات ...... الخ ويستطيع أن يشارك ويتفاعل مع كل ما يشاهد من خلال تقنيات سهلة وميسرة دون أن يتحرك من على طاولة مكتبة .
لقد غزت التكنولوجيا الحديثة كل مجالات الحياة فدخلت في التعليم والصحة وإدارة المنزل والطيران والتجارة والمال والأسلحة والفضاء وعالم البحار واستخراج المعادن وحفظ الوثائق وترميم المخطوطات وانتقاء الملابس وتخطيط المباني وهندسة الطرق والموانئ والأنفاق والجسور والقطارات والسكك الحديدية وأسرار الدول وإدارة المصالح السياسية والاقتصادية للدول ورجال الأعمال والبنوك والمصارف .....الخ فلم يبقى مجال من مجالات الحياة قاطبة لم تدخل التكنولوجيا إليه ، في هذه المرحلة وصلت البشرية إلى حالة من الإدمان شديد القوة الذي يصعب الانسحاب منه ، والدليل على ذلك أن الفرد العادي أصبح لا يستطيع الاستغناء عن هاتفه الجوال او عن حاسوبه المحمول ولو لبضع دقائق فقط ، حتى أن الأطفال في البيوت أصبحوا في حالة من الإدمان على استخدام التقنيات الحديثة كالحاسوب أو التلفاز او اله (البلاي ستيشن ) التي توفر لهم من الألعاب ما يستطيع أن يحاكي الواقع الحقيقي ، وأصبح الطالب من العسير علية أن يتلقى الدروس بغير الحاسوب فقد تحوسبت المناهج وأصبحت في متناول يده يستطيع أن يؤدي امتحاناته حتى لو لم يذهب إلى مكان التعلم ،بل أصبح التعلم يتم عن بعد تفصل بين المدرس والطالب قارات ومسافات تقاس بآلاف الكيلو مترات ويتخرج الطالب ويحصل على شهادته دون أن يرى الأستاذ او يشاهد مباني الجامعة ... !!! ، بل حتى ربة المنزل العادية أصبح من العسير عليها إدارة شؤون منزلها دون استخدام التقنيات الحديثة كالمكنسة والخلاط والبراد والميكروويف وغسالة الملابس وغسالة الأطباق والتلفاز ...الخ من الأدوات التي أصبح غيابها يعني تعطل الحياة ؟؟؟ .
ولكن يبدو أن ما قذفت بة الحضارة الحديثة والمدنية المعاصرة كان له من السلبيات ما يوازيها من الايجابيات ، فان أحسن استخدامها بغية تحقيق الغرض الذي صنعت لآجلة فهي تقدم ورقي وحضارة ومدنية ، وان أسي استخدامها فهي بلا شك سيف مسلط على رقبة مستخدمها تعود علية بالهلاك والدمار ، ولعل ابرز مثال على ذلك هو شبكة الانترنت ،فهي عالم من العلوم وبحر من المعارف ومحيط ليس له حدود من الثقافة والمعرفة ، فهي وسيلة من وسائل تقدم الإنسان وزيادة معارفه وعلومه وتطوير قدراته ووسيلة لتقريب العالم له ووضعه بين يديه ،وهي إحدى وسائل تحقيق الرفاهية لبني البشر شريطة أن يحسن الإنسان استخدامها ويوظفها لخدمته وتحقيق غاياته النبيلة ومقاصده الشريفة ، ولكنها في الجانب الآخر عدو لدود وسيف مسلط على رقبة من يسيء استخدامها ....!!! لقد أثبتت الدراسات إن كثيرا من أبناء هذا الجيل هم من المدمنون الكترونيا وخصوصا على شبكة الانترنت حيث أشارت الدراسات إلى أن حوالي 6% من مستخدمي الانترنت في العالم هم من المدمنون عليها ، ولا شك في أن إدمان استخدام هذه التقنية له من المضار الشيء الكثير.... ، فمن ابرز أعراضه السلبية هو الخلل والاضطراب النفسي الذي يصيب المدمن لما يشاهد ويسمع !! أضافه إلى الآثار الاجتماعية على الفرد المدمن وعلى أسرته.... حيث يصبح الفرد عديم التفاعل قليل القدرة على حل المشاكل يمتاز بالعزلة والانطوائية وعدم الرغبة في الاختلاط بالآخرين إضافة إلى القلق والاكتئاب..... ، أما على الصعيد الأسري فان المدمن يصبح شخصا نزقا عصبي المزاج يكثر من الخلاف مع شريك حياته مما يؤدي إلى حالات الطلاق والانفصال ودمار كثير من الأسر وضياعها ، إضافة إلى أصابه المدمن بالخمول والكسل والأرق وضعف البصر والعزوف عن المطالعة وقراءة الكتب التي لا غنى عنها للإنسان ، أضف إلى ذلك أن استخدام الانترنت من قبل غير البالغين يؤدي إلى دمار نفسية الطفل وتقصيره دراسيا إضافة إلى الخلل البيولوجي في جسده ، أضف إلى ذلك ما قد ينجم عن (الإدمان الانترنتي) من مشاكل اجتماعية قد تطال الأخلاق المجتمعية في حال الإدمان على مشاهدة مواقع العنف والقتل والمواقع الإباحية ...!! .وفي هذا الصدد أشارت التقارير العلمية إلى أن جمعية الأطباء النفسيين الأميركية نشرت دراسة أجريت على 500 شخص من المدمنين على استعمال الانترنت بينت أن الأعراض التي تصيب مدمن الانترنت هي ذات الأعراض التي تصيب الأشخاص المدمنين على المقامرة وقالت الجمعية بالحرف الواحد:" أن استعمال الانترنت بإفراط يؤدي بصورة مؤكدة إلى تدمير الحياة الأكاديمية والاجتماعية والمهنية والمالية بنفس الطريقة التي تقوم بها أشكال الإدمان الأخرى مثل المقامرة والكحول والمخدرات ... " !!!!
ولا يقل التلفاز خطورة عن شبكة الانترنت حيث أشارت الدراسات إلى أن معدل مشاهدة التلفاز من قبل الأطفال في عمر الخامسة في بريطانيا هو أربع ساعات يوميا ، وفي أميركا يشاهد المراهق 16 ألف جريمة على شاشة التلفاز قبل أن يبلغ سن الرشد ، وقد أثبتت الدراسات الحديثة التي أجريت في الولايات المتحدة وتشيلي إلى أن 15% من الناس يتأثرون من مشاهدة أفلام العنف على شاشه التلفاز او في العاب الكمبيوتر واغلب المشاهدين هم من الأطفال..... ، لا شك إن لمثل هذه الأمور تأثير مباشر على نشأة الطفل وعلى نفسيته حيث تزرع في نفسه الميل نحو العنف والإجرام ناهيك عن المشاكل النفسية والبيولوجية التي تنتج عن مثل هذه الأمور ، وهنا يبرز دور الأهل والأسرة في تحديد ساعات المشاهدة إضافة إلى الرقابة على المواد المشاهدة من قبل الأطفال ..!
إن هذه التقنيات تحتاج إلى إنسان واع ليدرك قيمتها ويعرف أهميتها ويستخدمها لما يعود بالنفع علية وعلى مجتمعه لأنها سيف ذو حدين ، لذا فالنصيحة في هذا المجال هي التوعية ثم التوعية ثم التوعية والتثقيف والتعريف بكل هذه التقنيات بمضارها وبفوائدها وتعويد النشء على الثقة وعلى أن هذه الثورة العلمية إنما هي لخدمته وتوفير الحياة الكريمة السليمة له .