اقتضاء الصلاح الإصلاح
لبنى شرف / الأردن
من الأقوال الدارجة و الشائعة على ألسنة المسلمين أن " الإسلام صالح لكل زمان و مكان " ، و لكن أحد الأساتذة و الدعاة الأفاضل عدّل هذه المقولة و قال أن " الإسلام مصلح في كل زمان و مكان " ، فلما تأملت في مقولته وجدت أنها أصح و أدق من الأولى ، ذلك أن عبارة " الإسلام صالح .. " مطاطة ، و ربما يقوم البعض بناءً على فهمه لها بالتساهل في بعض القضايا باسم الدين أو بِلَيّ بعض النصوص حتى تنسجم مع روح العصر كما يقولون ، فيفسد أكثر مما يصلح !! .
ولكن عبارة " الإسلام مصلح .. " توحي بوضوح أن طبيعة هذا الدين واضحة لا تحتمل التلبيس ، صلبة لا تقبل التمييع ، و أن هناك ثوابت و ركائز لا تتغير و لا ينبغي المساس بها ، و أن هناك ميزان دقيق تنضبط به العقول و المدارك ، و توزن به الاتجاهات و الحركات و التصورات ، فما قبله هذا الميزان كان صحيحاً ، و ما رفضه كان خاطئاً يجب الإقلاع عنه . هكذا تنضبط الأمور ، و إلا فستشيع الفوضى .
كما و أن عبارة " الإسلام صالح .. " تعني أن الصلاح مقتصر على المنهج ، و لكنها لا تعني بالضرورة أن يتعدى هذا الصلاح للحركة الحياتية لإصلاح ما فيها من أنظمة معوجة و سلوكيات خارجة عن حد الفطرة و منهج الله ، و كذلك العبارة لا تنفي وجود مناهج أخرى صالحة للبشر و حركة الحياة على الأرض ، و هذا يتنافى مع كون الإسلام الدين الخاتم ! .
بينما قولنا أن " الإسلام مصلح .. " فهذا يعني بالضرورة أنه الدين الذي يقوم على تصحيح الاعوجاج الحاصل من الدينونة لغير شرع الله ، و إنقاذ البشر من قصور مناهجهم و أخطائها ، ليرفع الحياة الإنسانية إلى الأفق الكريم الذي أراده الله للإنسان ، فالإسلام ليس مجرد كلمات و شعارات ، و لا مجرد شعائر تعبدية و صلوات ، و الإيمان ليس مجرد مشاعر و تصورات ، و هذا يجب أن يعيه كل من ينتسب لهذا الدين ، (( فالعقيدة الإسلامية عقيدة دافعة مُحْيِية موقظة رافعة مستعلية ؛ تدفع إلى الحركة لتحقيق مدلولها العملي فور استقرارها في القلب و العقل ... )) ، فما أن تستقر حقيقة الإيمان في قلب المسلم إلا و يتحرك و يعمل من أجل هذا الدين ، و لا يقف عند حد صلاح ذاته ، فالصلاح يقتضي الإصلاح ، و هذا ما فعله المسلمون الأوائل ، فصنع الله بهم أدواراً عميقة الآثار في الوجود الإنساني و في التاريخ الإنساني .
قال تعالى : ﴿ و مِمَّنْ خَلَقْنآ أُمَّةٌ يَهْدونَ بِالحَقِّ و بِهِ يَعْدِلونَ ﴾..{ الأعراف : 181 } ، يقول سيد قطب : (( إن صفة هذه الأمة – التي لا ينقطع وجودها من الأرض أيّاً كان عددها – أنهم " يهدون بالحق " .. فهم دعاة إلى الحق ، لا يسكتون عن الدعوة به ، و إليه ، و لا يتقوقعون على أنفسهم ، و لا ينزوون بالحق الذي يعرفونه ، و لكنهم يهدون به غيرهم ، فلهم قيادة فيمن حولهم من الضالين .. و لهم عمل إيجابي لا يقتصر على معرفة الحق ، إنما يتجاوزه إلى الهداية به ، و الدعوة إليه و القيادة باسمه )) .
و قال تعالى : ﴿ و ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرىٰ بِظُلْمٍ و أَهْلُها مُصْلِحونَ ﴾..{ هود :117 } . يقول سيد قطب : (( و هذه الإشارة تكشف عن سنة من سنن الله في الأمم ، فالأمة التي يقع فيها الفساد بتعبيد الناس لغير الله ، في صورة من صوره ، فيجد من ينهض لدفعه هي أمم ناجية ، لا يأخذها الله بالعذاب و التدمير . فأما الأمم التي يظلم فيها الظالمون ، و يفسد فيها المفسدون ، فلا ينهض من يدفع الظلم و الفساد ، أو يكون فيها من يستنكر ، و لكنه لا يبلغ أن يؤثر في الواقع الفاسد ، فإن سنة الله تحق عليها ، إما بهلاك الاستئصال ، و إما بهلاك الانحلال .. و الاختلال ! .
فأصحاب الدعوة إلى ربوبية الله وحده ، و تطهير الأرض من الفساد الذي يصيبها بالدينونة لغيره ، هم صمام الأمان للأمم و الشعوب .. و هذا يبرز قيمة كفاح المكافحين لإقرار ربوبية الله وحده ، الواقفين للظلم و الفساد بكل صوره .. إنهم لا يؤدون واجبهم لربهم و لدينهم فحسب ، إنما هم يحولون بهذا دون أممهم و غضب الله ، و استحقاق النكال و الضياع )) .
اللهم إنا نعوذ بك من أن يحل بنا غضبك ، أو أن ينزل بنا سخطك ، و اجعلنا هداة مهتدين ... اللهم آمين ، و الحمد لله رب العالمين .