الظلم والجور والتجني

محمد علي الحلبي

من يطلع على الأحداث التاريخية منذ أوائل القرن الماضي وحتى أيامنا الحالية،بل ويطالع صفحات ما كتب عنها يجد أن السياسات الأمريكية استحقت وما زالت تستحق عن جدارة الصفات الثلاث...الظلم والجور والتجني.

 هي السمات البارزة لها على امتداد الكرة الأرضية فلم تخل بقعة من بقاعها إلا وحظيت بالكثير...الكثير من بصماتها المتجنية الآثمة،ومن النادر جداً،بل من المستحيل أن يجد واحدنا بصمة خير لها فقد اعتادت بل أدمنت على الشر تقدمه لكل العالم من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه بلا استثناء حفاظاً على مصالحها الجشعة غير الإنسانية.

ولغتنا العربية تتبدى جماليتها بالربط أحياناً بين الاشتقاق اللغوي والصور الحسية المرافقة له ، فالظلم والظلمة يقتربان من الاشتقاق الواحد تجمع بينهما العتمة الكئيبة،ولذا قيل العدل نور والظلم ظلمة،والظلم لا ينتهي إلا إلى شر لأن مرتعه وخيم ، وعن الجور وقد عرّفه علماء اللغة بأنه نقيض العدل ، وهو الميل عن الحق والتمادي في الضلال ، أما التجني فهو التعتب وفي رأي عالم اللغة " الأزهري " مخاطبة الإذلال.

 بذا تكون عبقرية التعبير العربي قد لخصت وجمعت في هذه الو صوف والعناوين الكبيرة كل الأحداث الماضية للتسلط الأمريكي حيث كان في مناهجه معتمدا إياها وسالكا سبلها لتحقيق غاياته0000 بكل الوسائل الاقتصادية والعسكرية والسياسية , فغدا أغلب العالم يعيش في غياهب الظلمة التي لفت حياة العديد من شعوبه , كثرت أعداد القتلى والجرحى ، كانت جثث ضحايا القنبلة النووية في اليابان والتشوهات الجسدية التي أصيب بها بعضهم ، والحروب في فيتنام وكوريا وكمبوديا،ومآسي شعوبها طال زمنها وطال عمرها ، والجور والتمادي في الضلال كان سائداً وبشكل عام إلا أنه كان أوضح بجلاء في أمريكا اللاتينية بدعمها لحكامها الديكتاتوريين حفاظاً على مصالح شركات تجارة الموز الأمريكية حيث كان هؤلاء العملاء ييسرون لها نهبها لثروات بلادهم على حساب الفلاحين البؤساء،والأمثلة عديدة وعلى سبيل العدّ لا الحصر كانت الإطاحة بنظام محمد مصدق في إيران المقعد على كرسيه المتحرك المتشدد من أجل استعادة ثروات بلاده من الاحتكارات وإعادة الشاه حتى لا تتأثر مصالح الشركات النفطية.

 وعن المنطقة العربية أولا ًوالشرق الأوسط ثانياً فالوقائع الإجرامية أكثر من أن تعد وتحصى:

 1-الدعم اللا متناهي للحليف الاستراتيجي"إسرائيل"والعداء المتمادي للأمة العربية.

2- التدخل في ركن من أركان الوطن العربي الكبير....لبنان الذي دخلته قوات أمريكية وطردتها المقاومة.

3- قامت بحربين ضد العراق واحتلت أراضيه بكاملها،وأثارت كل نزعات السوء فيه...التفتيت،التقسيم،والحروب الأهلية.

4- في السودان وبعد اكتشاف ثرواته النفطية الهائلة عمدت كعادتها إلى خلق الفتن فيه وإضعافه ليسهل عليها استغلال ثرواته.

5- في الصومال الفقير المعدم ، دخلت قواتها الأرض الصومالية , لكن المقاومة قتلت العديد منهم وسحلت بعض جثثهم في شوارعها فأسرعت بانسحابها ، لكنها عادت ثانية بعد أن نجحت المحاكم الإسلامية في السيطرة على أغلب أرض الصومال وذلك يتنافى مع عدائها الدائم لأي نظام يتبنى الشريعة الإسلامية لأن الإسلام محارب من قبل القيادة الحالية والمحافظين الجدد المحيطين بها،لكن وفي هذه المرة أوكلت الى إثيوبيا أن تقوم عنها بالوكالة في تدمير ما بقي من الصومال،والقيادة الإثيوبية يبدو أن لديها مخزوناً واحتياطياً من العمالة يتزايدان , فرغم أن الجوع يفتك بشعبها إلا أنها لبت وبعبودية مطلقة أوامر"الأسياد".

6- والقضية الفلسطينية وعمرها طويل ومتشعبة الجوانب والأحداث،لكن ما أكدته الأيام أن السياسة الأمريكية داعمة للكيان الغاصب كل الدعم في جميع تمادياته وبكل السبل،ومخادعه كل المخادعة في تبنيها للحل السلمي ودعمها له بالكثير من الدجل في كل مباحثات تشرف عليها فعلى مر العقود لم يتحقق الحد الأدنى من أي أمل للمفاوضين الفلسطينيين.

أما عن التجني فلا مبالغة بأنه لا يمر أسبوع إلا ودبلوماسيها على اختلاف درجات مواقعهم يملون الأوامر على بعض قادة البلدان وخاصة " الأصدقاء " منهم بشكل مخاطبة إذلالية كلماتها لا تراعي الحدود الدنيا من اللياقة والدبلوماسية.

 ورغم واقعية وصدق الأحداث المذكورة وإشاراتها غير الإنسانية فإن حصائدها على الأرض الأمريكية تؤكد وتظهر التباين الكبير بين أدعياء الحرية والديموقراطية والإنسانية ، والمعذبين في الأرض،فالكاتب الأمريكي "تاليف دين" يروي لنا عن مشهد لحياة البذخ والإهمال والضياع في مقال له تحت عنوان(أمريكا تلقي ثلث الطعام في القمامة) يقول فيه:"تلقي العائلات الأمريكية في صناديق القمامة30% من الطعام أي ما يعادل تبديد48.3مليار دولار سنوياً،والكثرة اعتادوا الإفراط في الطعام مما يفاقم في أزمتي الغذاء والماء في العالم إذ يستهلك إنتاج"هامبورغر"واحدة 3.4ليتراً من الماء" ومؤتمر المياه العالمي الذي انعقد في ستوكهولم مؤخراً يؤكد أن تبديد الطعام والإفراط في استهلاكه يقعان ضمن أسباب تفاقم أزمتي الغذاء والماء في العالم،وذكر المتخصصون من بين2400مشاركاً في المؤتمر أن مرض السمنة الناتج عن المغالاة في الأكل تجاوز في خطورته مشاكل سوء التغذية إلى الحد الذي بلغ فيه عدد المصابين بهذا المرض1.2مليار نسمة مقابل850مليون فرد يعانون من سوء التغذية،ويشرح الكاتب ومن خلال آراء المختصين الاحتياجات المائية لكل نوع غذائي فالهامبورغر الواحدة تستهلك2400ليتراً من الماء في جميع مراحل زراعتها وتصنيعها وإنتاجها وذلك يوضح مدى الكميات الكبيرة المرمية في صناديق القمامة.

وعن الطرف النقيض لهذا المشهد يكتب أيضاً الكاتب الأمريكي"نيكولاس بينداستا"عن أزمة الغذاء التي أصيب بها أهالي إثيوبيا فيحكي حكاية (مولو بابوش) التي سافرت من أديس أبابا إلى ريف الجنوب المتضرر من الجفاف فرأت شقيقها هزيلا ًضعيفاً وحيواناته محتضرة وأبناؤه التسعة يتألمون من الجوع فرأت أن بوسعها أن تحمل معها طفلا ًواحداً إلى أديس أبابا لإطعامه ورعايته لكن السؤال الملح أي منهم تختار،ويكمل الكاتب قصته:"وبعد أن ارتفعت أسعار الأغذية المدعومة في المدن مؤخراً وأصبحت طوابير الأهالي لشراء ما تبقي من طعام ظاهرة منتشرة مما قد يضطر(مولو بابوش)إلى إعادة طفلة شقيقها التي حملتها معها إلى العاصمة"والإحصائيات تشير إلى أن أكثر من13مليون إثيوبي يحتاجون إلى معونات الطوارىء.

 ومما يزيد الطين بلة والواقع الماثل أمامنا في انهيار أسواق المال الأمريكية وإفلاس بعض من شركاتها وبنوكها،بل ما أصاب العالم برمته من ويلاتها وخاصة العالم الغني حيث أعلنت"أيسلندا"عن إفلاسها،وبقية الدول تكرر اجتماعاتها وتضخ الأموال دعماً ووقفاً للتدهور،وفي مقال للكاتب"ستيفان ليهي" يبرهن على أن الفساد القائم في السياسة واضح وأوضح برهان عليه سؤاله وهو عنوان ما كتب(لماذا تدعم أمريكا شركات النفط بــ40مليار دولار؟!....)يقول فيه:"لماذا تدعم واشنطن شركات النفط الأمريكية التي تعتبر ضمن أكثر الشركات تحقيقاً للربح في العالم بمبالغ تتراوح بين20-40مليار دولار سنوياً؟!....ولماذا اعتمد الرئيس بوش في عام2005قانون سياسة الطاقة الذي يسمح بتقديم32.5مليار دولار إضافية , على صورة دعم ضريبي وخفض رسوم البراءات على مدى خمس سنوات ،والهيئات الحكومية والوزارات تعتمد مئات من البرامج بمخصصات غايتها دعم قطاع الطاقة دون أن تحاسب الحكومة عليها،وفي نفس الوقت غالباً ما تخفى عمليات دعم الطاقة عن الرقابة العامة،وعلم مؤخراً أن40شركة حصلت على امتيازات تقدر بنحو مليار دولار سنوياً وبمجموع قد يصل في النهاية إلى50مليار دولار بين1996و2000 مثل خسارة لدخل الخزينة العامة وفقاً لدراسة أجرتها منظمة"أصدقاء الأرض".

 وفي كشفه لفضائح الإنفاق على حساب دافع الضرائب يقول:"أن خمس شركات نفط كبرى حققت أرباحاً بلغت123مليار دولار العام الماضي تلقت دعماً من أموال الشعب"ويصل في النتيجة إلى أن تلك الإجراءات تمثل أكبر برهان على أن القطاع الخاص يتلاعب بالحكومة في خدمة أغراضه.

 وبهذه النتيجة يثبت حقيقة أقرها كل المفكرين والباحثين أن احتكارات النفط والسلاح وأسواق المال هي التي تسيّر السياسات الأمريكية وتدعم ممثلين لها ليصلوا إلى قمم المسؤولية فنائب الرئيس"ديك تشيني"واحد من كثرة يسخّرون جلّ جهودهم لخدمة الشركات النفطية التي كانوا يعملون فيها قبل وصولهم لمناصبهم،وأمام هذا المشهد التعيس يقول رئيس وزراء فرنسا "فرنسوا فيون" "العالم يقف على حافة هاوية بسبب نظام غير مسؤول"ملمحاً إلى الغضب الشائع بسبب القواعد المترهلة في الماضي لأسواق المال والإفراط في الإقراض،وعن النتائج والتداعيات يكتب فرنسوا ميرفي ورالف بولتون ليبيّنا حتمية أن تظهر مستقبلا ًبيانات أمريكية تتوقع قيام الأعمال بخفض وظائف للشهر التاسع على التوالي إذ يتوقع خفض100ألف وظيفة غير زراعية مقارنة مع84ألف وظيفة في أغسطس -آب- وذلك بحسب آراء خبراء اقتصاديين،ورسمت بيانات اقتصادية توضح تراجع طلبيات المصانع الأمريكية بينما زاد عدد العمال الذين قدموا طلبات للحصول على إعانات بطالة إلى أعلى مستوى في سبع سنوات،وعن الخلل في السياسات المصرفية خاصة في مجال الإقراض العقاري كتب (بول كيندي) قائلا :"بينما كنت أمشي عبر أروقة مطار"هيثرو"خلال أيام الصيف في انتظار الطائرة التي ستقلني وقعت عيناي على عنوان لافت في الصفحة الأولى لصحيفة "انتهاء عهد رهونات105%" عرفت بعدها أن الاستهتار المالي كان متفشياً في أكبر اقتصاديات العالم وأن سياسة"اشتر الآن وادفع فيما بعد "وسرطان" احصل على قروض عقارية دون أية مسؤولية" يضاف إليها 5% على قيمة الإقراض لإجراء تحسينات على العقار الجديد،هذا الخلل وعشرات الآلاف من العاملين في البورصات والبنوك ممن يتقاضون رواتب ضخمة سوف يفقدون وظائفهم إضافة إلى إلغاء مزيد من الوظائف في الطبقات الدنيا وصولا ًإلى نهاية السلم،ويتوقع أمام الاضطرابات الحالية أن تتم إعادة النظر في خطط استكشاف البترول كما تشهد شركات تصنيع المعدات والمكاتب وأجهزة الكومبيوتر العملاقة انخفاضاً في طلبات الشراء،ويخلص إلى أن أكبر الخاسرين ستكون الولايات المتحدة ولست أعني بذلك فقط معيشة عشرات ملايين الأمريكيين ولكن أيضاً "ثقلها" العسكري الاستراتيجي الدبلوماسي في الشؤون العالمية ".

 وعن المشاكل المالية الكبرى التي راحت تودي بالاقتصاد الأمريكي التعب وتحت عنوان (المشكلة الأمريكية وجذورها المتعمقة ) كتب أستاذ علوم الاقتصاد في جامعة هارفارد - كمبريدج - مارتن فيلد شتاين ملتقياً في تحليله مع بول كنيدي في موضوع القروض العقارية مفصلا ًفي نتائجها بشكل اشمل مضيفاً إلى أن الرئيس المقبل سيواجه مشكلتين:

 1- استيلاء البنك الفيدرالي على مؤسستي تقديم قروض الرهن العقاري.

2- أسعار الإسكان المنحدرة وشراء المؤسسات المالية أصولها بأموال مقترضة كارثة كبرى.

 ويبيّن في شروحه أن الديون العقارية إن تأخر أصحابها بالسداد فلا تطال إلا العقار المرهون ولاتمس أية ملكية أخرى للمقترض،ذلك دفع بالكثيرين الذين تجاوزت أقساط رهنهم العقاري قيمة مساكنهم في السوق نتيجة العرض الكبير بالإحجام عن دفع ما يترتب عليهم وبالتالي ستصادر عقاراتهم وتباع في السوق،وهكذا فالسلسلة تتوسع وأسعار العقارات تهبط ذلك يدفع بمن استنكفوا عن التزامهم إلى استئجار بيوت لفترة أملا ًبشراء بيوت اقل بكثير من ديونهم السابقة.

وحول النتائج المترتبة عن الاضطرابات الحالية على كل الأصعدة يلتقي الكاتب"ماكس بوت"مع أغلب المحللين في مقال له تحت عنوان (الأزمة المالية وخطر البيع على المكشوف) نشر في"الواشنطن بوست"ينقل عن " وزير إسرائيلي " زائر لأمريكا أنه أثار نقطتين مثيرتين للاهتمام في مؤتمر عقد في واشنطن قائلا ً: "إن الأزمة المالية الحالية تقوض الطريقة التي يتم بها إدراك القوة الأمريكية وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع مشكلات البرنامج النووي الإيراني،والنزعة المغامراتية الروسية،والتهديدات المتزايدة التي تمثلها كل من حماس وحزب الله،إن الكثيرين ينظرون إلى الولايات المتحدة في الوقت الراهن على أنها عملاق كسيح وهو تصور يؤدي إلى تقليل البعض في تقديم التنازلات لها".

 والواقع المهلهل للأسواق المال والاقتصاد المهزوز الذي يعيش على آلام الشعوب راح العديد من المفكرين والباحثين وقبل عدة سنوات ينقبون ويبحثون عن مواطن الخلل في البنية الاقتصادية الأمريكية، وكانت كثيرة وتحمل توقعات سلبية ستنعكس عليها فالبداية كانت في كتاب المستشار السابق لرئيس الوزراء الماليزي السابق محاضر محمد المفكر"ماثياس فيانغ"في كتابه(تفكك وانهيار الإمبراطورية الصهيونية الأنغلو أمريكية)القائمة على اقتصاد الحروب ونهب الشعوب،والكتاب يتحدث عن الانهيار الاقتصادي الذي تعاني منه الولايات المتحدة الأمريكية معتمداً في دراسته على آراء كبار الاقتصاديين الأمريكيين فيورد أن الخبير الاقتصادي"آلان فرام"وفي يوم18تشرين الثاني-نوفمبر-2004قال في تصريح له:"إن الدين الأمريكي المتزايد دائماً عما كان عليه حين تسلم الرئيس بوش زمام الرئاسة عام2001إلا في فترة ولاية الرئيس كلينتون تحقق فائض قدر بمبلغ223مليار دولار أواخر عهده"وبتفصيل دقيق يوضح الباحث علي حسن باكير في مجلة(البيان)الصورة القاتمة للاقتصاد الأمريكي متحدثاً عن الدين الإجمالي والدين الفيدرالي (الاتحادي) والعجوز التجارية المتنامية ومن ثم التبعات المالية المتزايدة والضغوط على الناتج القومي من خلال تصاعد خدمات القروض،ويصل إلى نتيجة أن الانهيار والإفلاس الأمريكيين قادمان والمسالة مسألة وقت،وينتقل الكاتب إلى التفاصيل الداعمة لرأيه وتنبؤاته قائلا ً:"إن الدين الأمريكي يقترب من65ترليون دولار بينما الدين الفيدرالي ارتفع في عقد الثمانينات بشكل كبير وذلك بسبب العجز في الموازنات السنوية الفيدرالية.،وفي تسعينات القرن الماضي تباطأ خاصة زمن الرئيس كلينتون حيث توفر في الموازنة فائض مالي قدره236مليار دولار عام2000ومنذ عام2001بدأ الدين العام الفيدرالي يرتفع بشكل حاد زمن الرئيس بوش فأصبح العجز في الميزانية412مليار دولار عام2004،وفي عام2005بلغ مجموع الدين7.9تريليون دولار،وفي عام2006ارتفع إلى8تريليون و168مليار دولار،وبذا تصبح حصة المواطن الأمريكي من الدين27.475دولار،وارتفعت الفوائد على مبالغ الدين من214مليار دولار في سنة1988إلى318مليار دولار عام2003،وبلغ مجموع الفوائد المترتبة على هذه الديون5تريليون دولار وهي تكفي لتغطية الضمان الاجتماعي لمدة10سنوات والصحي لمدة20سنة.

 والتجارة الخارجية إحدى المؤثرات الرئيسية على سلامة البنية الاقتصادية، فقد ظهرت العيوب الكبيرة البينة الواضحة فأمريكا تستورد أكثر مما تصدر مما جعلها تقع تحت عجز ميزانها التجاري، والعجز بدأ من عام1971ووصل في عام2005ووفق إحصاءات رسمية أمريكية723.616مليار دولار بزيادة25% عن العجز المتحقق في عام2004،وكانت الجهات الرسمية المسئولة ومنذ عام1971بدأت بطبع الدولار الورقي الذي لا غطاء له وشراء ما يتم استيراده بأوراق لا يغطيها الذهب أو الإنتاج المتطور، معوضة ذلك كما تعمد حالياً الى بيع الدول الأجنبية سندات على الخزينة مستخدمة ضغوطها السياسية ً على بعضها.

 وأستاذ الأنثروبولوجيا في مركز الدراسات العليا لجامعة نيويورك"ديفيد هارفي"يقول:"إن الأوضاع الداخلية خلال عام2002كانت في مجالات كثيرة أكثر خطورة مما كانت عليه لعدة سنوات فالركود الاقتصادي الذي بدأ مطلع2001زاد من حدته ما حصل في11سبتمبر-أيلول-.

 لقد زادت فضائح الشركات وما كان يبدو إمبراطوريات الشركات الراسخة أخذت بالانحلال والتفكك بين عشية وضحاها،وظهر فساد وإخفاق في الأعمال المحاسبية،وإخفاق في الأنظمة أفقد وول ستريت وسوق الأوراق المالية سمعتها حيث كانت قيم السهم والسندات في انخفاض".

 كل هذه الحقائق كانت قبل الزلزال الأخير في أسواق المال والبنوك الذي تعيشه أمريكا وينعكس على العديد من دول العالم،والكاتب وفي تنبؤاته الواقعية والتي تحققت يقول:"إن رأس المال التمويلي رأسمال وهمي وليس له تغطية وتقف وراءه فضائح محاسبية وأصول جوفاء،وكان واضحاً وقبل أحداث11سبتمبر-أيلول-أن إمبريالية الليبرالية الجديدة بدأت تضعف من الداخل وأن قيمة الأصول في وول ستريت لا يمكن حمايتها،وأن أيام الليبرالية وشكلها الإمبريالي المعروف باتت محدودة،وبالفعل فما جرى وما يجري كل يوم في البنى المادية الأمريكية يؤكد أن النهاية راحت تقترب أكثر،ومراسم التشييع بدأت تحضر في كل العالم.

 وبالعودة إلى ما قيل نجد أن الملامح الرئيسية للظلم والجور تجلت:

 1-في حروب دخلتها أمريكا،أو في حروب إقليمية حرضت عليها لتسوق إنتاجها من الأسلحة.

2-استغلت الأنظمة الضعيفة والعميلة في اتجاهين،أولهما منعها وبكل الوسائل عن تنمية اقتصاد بلدانها،وثانيهما ونتيجة لذلك جعلتها سوقاً دائماً لإنتاجها المرتفع الأكلاف.

3-ممارسة كل الأساليب للاستيلاء على النفط إنتاجاً وتسويقاً وجني الأرباح العالية من وراء ذلك لمصلحة الاحتكارات النفطية،وأكثر وكما بدا أن دعماً مالياً من الموازنة الاتحادية كان يقدم لهذه الشركات زيادة على أرباحها المتنامية بفعل ارتفاع أسعار النفط وكان ذلك على حساب المواطن الأمريكي.

4-بذخ وإنفاق غير عاديين وعجوز متنامية في كل الأركان الاقتصادية وخدمات القروض تتزايد،وعملة تطبع بلا غطاء وإنما هي أوراق قيمتها تتركز في"قوة وجبروت زعماء العصابات والمافيات".

5-فساد طال كل المؤسسات الضخمة ورواتب كبيرة،وضياع في أغلب أساليب العمل دونما حساب للنتائج التي قد تترتب على ذلك.

 وعلى الجانب السياسي والحال فيه ليس أحسن من الوضع الاقتصادي فالتراجعات الأمريكية كثيرة وكبيرة:

 1-التحدي المتنامي في أمريكا الجنوبية.

2-بدايات الابتعاد في الاتحاد الأوروبي عن تنفيذ الاستراتيجيات الأمريكية.

3-القدرات العسكرية الفاشلة لحلف الناتو في أفغانستان والمحاولة لمفاوضة طالبان.

4- الصعوبات التي تواجه السياسات الأمريكية العسكرية والسياسية نتيجة نضال أبناء الشعب العربي العراقي.

5- انتكاس أحلامها في الصومال وبدايات الهزائم في السودان.

6- بروز القوة الروسية وتحدياتها المتزايدة.

7- الإطاحة برجلها في باكستان (برويز مشرف) بدون أن يترحم عليه أحد رغم أن القائد الجديد سار على نهج سابقه.

8- الفشل الذر يع لأمانيها في جورجيا والنجاحات الروسية التي تحققت على هذا الصعيد.

9- المشاريع القديمة التي رسمتها للمنطقة العربية (الشرق الأوسط الكبير) ولمناطق العالم في طور الاحتضار،ولن تفيدها كل مراكز الإنعاش والحمايات المركزة. وبخاصة بعد الانتصارات الرائعة للمقاومة اللبنانية والفلسطينية .

  وهكذا تكون عوامل الضعف السياسي والاقتصادي وحتى نسبياً العسكري قد دبت جميعها في الجسد الأمريكي , فلم يعد لديها من قوات ترسلها إلى أي بلد فما لديها موزع قي أرجاء عدة عالمياً،وكل المفكرين ورجال السياسة والاقتصاد يؤكدون أن التجني والإملاءات راحت تضعف،بل ربما دخلت في غياهب التخيلات والأحلام.

 التاريخ مدرسة وفي فلسفته بيّن أن الإمبراطوريات زائلة حتماً وما يعجل في زوالها وسرعة تفككها واضمحلالها خروجها عن القيم والمنطق الإنسانيين واعتمادها بدلا عن ذلك الظلم والجور والتجني في جميع سياساتها.