التربية السياسية-1
التربية السياسية
(4/1)
د. خالد احمد الشنتوت
تعريف :
التربية السياسية هي إعداد الفرد المسلم ليكون مواطناً صالحاً في المجتمع المسلم ، يعرف واجباته فيؤديها من تلقاء نفسه ، طمعاً في ثواب الله عز وجل ، قبل المطالبة بحقوقه ، كما يعرف حقوقه فيسعى إلى اكتسابها بالطرق المشروعة .
والتربية السياسية جزء أساس من التربية الإسلامية ، لأن التربية الإسلامية تربية شاملة للفرد والمجتمع ، وهذه التربية السياسية واجب اليوم ؛ من أجل إعداد اللبنات المسلمة الصالحة لتكوين المجتمع المسلم ، وهي ركن أساس من أركان التربية الإسلامية لأن التربية الإسلامية تشمل التربية الروحية ، والتربية العقلية ، والتربية الجسدية ، والتربية الوجدانية ، والتربية الاجتماعية ( ومنها التربية السياسية ) ، والتربية العسكرية ، والتربية الاقتصادية ...إلخ ، فالإسلام دين للفرد وللمجتمع ، ولايقوم مجتمع مسلم بدون سياسة مسلمة ، فالتربية السياسية ( تعد المواطنين لممارسة الشئون العامة في ميدان الحياة ، عن طريق الوعي والمشاركة ، وعن طريق إعدادهم لتحمل المسؤولية ، وتمكينهم من القيام بواجباتهم، والتمسك بحقوقهم ، وتبدأ التربية السياسية في مرحلة مبكرة من العمر ، وتستمر خلال سنوات العمر كله) ( عثمان عبد المعز ، 13 ) .
ولا بد أن تسهم جميع المؤسسات التربوية في المجتمع كالبيت والمدرسة والأندية ووسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزة ، والجامعات والمكتبات العامة ؛ في إعداد المواطنين المسلمين إعداداً سياسياً ، كي يقوم المجتمع المسلم .
ومما ابتلي به المسلمون خوفهم من السياسة ، وابتعاد العلماء والدعاة المسلمين عنها ، بعد أن شوّه مكيافللي مفهومها ، وبعد أن سبق إليها العلمانيون والملحدون وأعداء المسلمين ، وصاروا ينظرون إلى البلدان التي خربها تصارع الأحزاب السياسية فيها ؛ كما حصل في لبنان خلال العقدين السابع والثامن من القرن العشرين ، ويظنون أن كل بلد سوف يشجع العمل السياسي سوف يحصل له ما حصل في لبنان ، وهذا مجانب للصواب ، لقد حصل في لبنان ماحصل ؛ لأن الشعب يجهل السياسة ، ولم يرب َ ذلك الشعب ولاغيره التربية السياسية التي تعد المواطن المسلم كي يقدم واجباته نحو المجتمع طاعة لله عزوجل وطمعاً في ثوابه ، كما أنه يطالب بحقوقه بالطرق المشروعة .
إن تصارع الأحزاب بالبندقية دليل مؤكد على جهل أهل ذلك البلد بالعمل السياسي، فالعمل السياسي ليس عملاً عسكرياً ، بل يبدأ العمل العسكري عندما يفشل العمل السياسي ، وعندما نجد صراعاً مسلحاً في بلد ما ، هذا دليل واضح ومؤكد على تخلف أهل هذا البلد في العمل السياسي، وحاجتهم الماسة إلى التربية السياسية .
ومما لاريب فيه أن بلدان أوربا الغربية ، وأميركا الشمالية متقدمة في العمل السياسي ، لذلك لم نسمع عن صراع مسلح ذي بال في أوربا الغربية أو أميركا الشمالية ، فالانتخابات والتعددية السياسية وتداول السلطة وحرية الرأي والعقيدة ، من البدهيات الراسخة فيها .
الأسرة من وسائل التربية السياسية
حيث تدرب الأسرة أولادها على طاعة الأب والأم وربطها بطاعة الله عزوجل ، وهذا تمهيد لغرس مفهوم البيعة عند الناشئة :
الطاعة هي البيعة
البيعة اصطلاح سياسي إسلامي خلاصته : أنه يجب على كل مسلم ديانة أن يبايع أميراً يطبق شرع الله عزوجل في المجتمع ، لأن الدين لايقوم بدون ذلك ، ( ولا يجوز للمسلمين أن يبيتوا ليلة واحدة بغير إمام يقودهم بكتاب الله عزوجل وسنة رسوله r ؛ وإلا كانوا آثمين ([1]) . وقد شغل صحابة رسول الله r وفيهم العشرة المبشرون بالجنة شغلوا باختيار خليفة للمسلمين قبل دفن رسول الله r ؛ لما يعرفونه من أهمية الأمر وخطورته ، والبيعة في مصطلحها الأصلي هي مبايعة إمام المسلمين ذي الشوكة ، وتسمى البيعة العامة ، حيث يُبايع الإمام من أهل الشورى أولاً ، وعندئذ يصير إماماً ، ويجب عندئذ على كافة المسلمين مبايعت .
1-ومضمون البيعة سواءً كانت عامة أو خاصة هو الطاعة ، فمن يبايع الخليفة يتعهد بطاعته في المنشط والمكره ، مالم يؤمر بمعصية . ومن يبايع أميراً ما فإنه يعاهده على الطاعة في غير معصية الله ، والطاعة هي البيعة عندماتصدر من المطيع تلقائياً بدون إكراه . ويقصد بها المطيع رضا الله عزوجل . وأن يكون المُطاع مسلماً .
فالشاب المسلم يطيع والديه رغبة في ثواب الله عزوجل ، بدون قسر من أحد ، وتجده يبالغ في طاعتهما ، ويحذر مخالفتهما ، طمعاً في ثواب الله عزوجل ، وهكذا تكون الطاعة بيعة .
من الطاعة إلى البيعة
ينشأ الطفل في البيت ، وينغرس فيه أن طاعة الوالدين من طاعة الله عزوجل ، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله r : قال (( رضا الرب في رضا الوالد ، وسخط الرب في سخط الوالد )) ([2]) .
ثم يدخل الطفل المدرسة بعد أن غرس البيت في ذهنه أن طاعة المدرس مثل طاعة الأب ، لأن المدرس هو الأب الروحي للطالب فعليه طاعته . وفي المدرسة يتعلم الطالب أن طاعة ولي الأمر من طاعة الله عزوجل ، وقد أمر بها الله سبحانه وتعالى فقال عزوجل : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ... } ، فقد أخرج البخاري يرحمه الله عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال : (( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني )) ([3]) . ويقول سبحانه وتعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله ... } [ النساء 80 ] .
وهكذا ننتقل منطقياً وتربوياً مع نشأة الطفل ، من طاعته لوالديه بعد ربطها بطاعة الله عزوجل ، إلى طاعته لولي أمره مع ربطها بطاعة الله عزوجل ، وبذلك نصل إلى مجتمع مسلم ، ينفذ أفراده واجباتهم طمعاً في ثواب الله عزوجل ، ويمتنعون عن مخالفة الشرع وما أمر به ولي الأمر مخافة عقاب الله سبحانه وتعالى الذي يراهم ، حتى لو غفل ولي الأمر عنهم ، كما هو حال الفتاة التي امتنعت عن خلط اللبن بالماء ، لأن أمير المؤمنين نهى عن ذلك ، ولأن الله يراها
([1])&) عبد الرحمن عبد الخالق ، ص 9 .
([2]) الترمذي ( 1900 ) في البروالصلة ، والبخاري في الأدب المفرد ، وإسناده صحيح ، وصححه ابن حبان والحاكم . ( جامع الأصول 1/401 ) .
([3]) البخاري ( 13/99 ) في الأحكام ، ومسلم في الإمارة ، وفي جامع الأصول ( 4/64 ) ، والنسائي ( 7 / 154 ) .