كيف نواجه التمرد الطائفى؟
كيف نواجه التمرد الطائفى؟
(2 -2)
أ.د. حلمي محمد القاعود
إذا عرفنا أهم معالم التمرد الطائفى وتجلياته فماذا نفعل ؟
الحقيقة أن السلطة لا يُعوّل عليها فى هذا المضمار ، فكل ما يعنيها ، أن يرضى المتمردون الطائفيون ، ولو جاء ذلك على حساب الإسلام والأغلبية والدستور والقانون .. ومن ثم ، فإن الأمل معقود على الشعب من مسلمين وغيرهم ، للتصدّى للمتمردين ومواجهتهم ، ويستطيع الشعب أن يفعل الكثير فى هذا السياق ، حين يفرض مقاطعته على المتمردين ، ويتعامل معهم بما يستحقون .
إن أول خطوة فى المواجهة هى رفض العزلة ( الجيتو ) ، والعمل على تشجيع أبناء الطائفة للمشاركة العامة فى قضايا المجتمع والوطن . صحيح أن هناك انسداداً فى ميدان العمل العام ، والسياسى منه على الخصوص ، ولكن الفرصة مواتية فى مجال المشاركة الاجتماعية والإنسانية .
وإذا كان هناك من المتمردين من يرفعون شعار مقاطعة المسلمين اقتصادياً واجتماعياً ، فينبغى على أبناء الشعب ( مسلمين وغيرهم ) أن يعاملوهم بالمثل ، حتى يرتدعوا عن غيّهم ، ويتخلوا عن فلسفتهم الانعزالية العنصرية الطائفية .
ولا شك أن هناك من أبناء الطائفة من يستنكرون التشهير بالإسلام والمسلمين ، ويرفضون سلوك الأقلية المتمردة المشين ، ويجب تشجيع هؤلاء على احترام عقيدة الأغلبية وحق المسلمين فى تطبيق شريعتهم ، مثلما يسمح لهم بتطبيق تعاليمهم فى أحوالهم الشخصية .. ولا بأس من عقد المؤتمرات فى الداخل والخارج لتحرير الأغلبية من أسر الأقلية المتمردة وهيمنتها التى يدعمها الأمريكان والغرب وتخاذل السلطة ورخاوتها .
لقد دعت ما تسمى المنظمات والهيئات القبطية فى أوروبا إلى عقد مؤتمر موسّع فى باريس يوم 8/11/2008 لتدشين ما يُسمى " اتحاد المنظمات القبطية فى أوروبا " وقال بيان نشرته عشرات المواقع الخاصة بالمتمردين : " ساهم عمل المنظمات القبطية فى نشر القضية القبطية عالميا ، وأصبح اضطهاد الأقباط ظاهراً للأفراد والمجتمع الدولى بفضل مجهودكم ، وفى الوقت الراهن يومياً انتشرت فى جميع بقاع مصر عمليات اضطهاد الأقباط ، فوضعتنا الظروف الحالية فى تحد كبير للوقوف ضد الاضطهاد المنظم لإخوتنا فى مصر " ( البديل 26/10/2008 ) .
وأعتقد أنه فى المقابل يجب إنشاء منظمات للدفاع عن الإسلام والوطن يشارك فيها المنصفون من أصحاب العقائد ذوى الضمير لكشف عمالة الخونة ومزاعمهم ، والتعريف بواقع الشعب فى مصر ، وسلوك المتمردين وأكاذيبهم ، واستغلالهم للأوضاع المتردية فى الوطن لممارسة نشاطهم الهدام .
ما الذى يمنع من قيام مبادرات مشابهة لما يقوم به المتمردون من أجل كشفهم بالعلم وفضحهم بالأدلة الدامغة ؟
لدينا فى كل مكان فى العالم متخصصون وباحثون ودارسون يمكنهم تقديم الحقائق للعالم وليس للمصريين وحدهم ، وسيكون لما يقدمونه قيمته المعرفية والتوثيقية ، لابتعاده عن السلطة وتدخلها ..
بالطبع لست مع من يقولون بالتظاهر ضد الأنبا شنودة فى العواصم الغربية وأمريكا بوصفه فقد صفته الدينية وانشغل بالسياسة التى تحرمها الحكومة المصرية على علماء الإسلام ودعاتهم وناشطيهم ، لأن أسلوب التظاهر فى الخارج مهما كان مسوّغاً ومسببا ، فإنى لا أستريح له ، وأرى فى المؤتمرات والندوات والإعلام مجالاً حيوياً وطبيعياً لشرح الحقائق وتوضيحها .
صحيح أن المال الطائفى يغرق بعض الصحف التى يقودها علمانيون ويساربون ومرتزقة ، وهى الصحف التى تقلب الحقائق وتقدم إسناداً غير محدود للتمرد الطائفى ، ومع ذلك ، فإن بيان الحقائق كفيل بجذب الأقلام المتوضئة والمخلصة للدفاع عن وحدة الوطن وثقافته الإسلامية العربية ومصالحه المشتركة .
لقد بات من الضرورى الاهتمام بتثقيف الشعب بثقافته الدينية ، الإسلامية وغير الإسلامية ، لتكون الأجيال الجديدة على ذُكر من قيم الإسلام الحنيف ، وتعاليم المسيح عليه السلام ، بعيداً عن الوقوع فى فخ التمرد الطائفى وأكاذيبه التى يُروّج لها الأفاقون ويدافعون عنها .
ومن أسف أن الأكاذيب التى تشيع فى الصحافة المعادية للإسلام تخدع بعض الشباب قليل الثقافة والمعرفة ، فينساق إلى ترديدها ، دون أن يدرى الحقيقة الضائعة أو المغيبة ، وهذا ما فعله الغزاة النازيون اليهود فى فلسطين ، حتى تم لهم طرد الشعب الفلسطينى وتشريده فى أرجاء العالم ، وإقامة كيانهم الغاصب المدعوم بالغرب الصليبى الاستعمارى ، وأكوام من الأكاذيب والأساطير والخرافات !
وهذا أيضاً ما فعله الانفصاليون فى جنوب السودان – الذى يسيطر على مصدر المياه وشريانها الحيوى بالنسبة لمصر - وكانت أكبر أكاذيبهم أن الجنوب مسيحى ، بينما الجنوب وثنى فى أغلبيته ، وفيما تبقى فالمسيحيون أقلية الأقلية ، والمسلمون هناك أكبر منهم عدداً ، وللأسف فقد شجعهم ووقف إلى جانبهم يساريون سودانيون يحملون أسماء إسلامية ، نسوا دينهم ووطنهم ، ودافعوا عن المتمردين الجنوبيين ، بل قاتلوا معهم حتى أقيمت لهم دولة ذات سيادة (!) تستورد الدبابات من بولندا عن طريق أوغندا ، والأسلحة الثقيلة عن طريق إثيوبيا ، وتستعد الاستقبال الطائرات المقاتلة من الغرب الصليبى !
يجب ألا نسمح بقيام دولة أو كيان طائفى فى مصر مهما كانت الظروف . إن الخونة فى مواقعهم الإليكترونية يبشرون بهذه الدولة المنتظرة ، وتصمت الكنيسة عن هذا الكلام ، الذى يترجم أفكار جماعة الأمة القبطية ومدارس الأحد ويتبناها رئيس الكنيسة الحالى بصمته وعدم اتخاذه موقفا حيالها ، وهو الذى لا يصمت أبداً عندما يتشاجر مسلم ومسيحى فى أقصى الصعيد ، ويقوم بحرمان من يعارضه من ملكوت السماوات ، ولا تصلى عليه الكنيسة حتى لو كان برتبة أسقف !
بقيت مسألة تطبيق القانون ، وهى ضرورة ملحة إذا كان قد بقى لدى السلطة بعض إدراك ، وبعض شجاعة فى مساواة الأغلبية والأقلية تحت سلطان القانون .. وأعتقد أن دور المواطنين مهم فى تحريك القانون إذا سكتت السلطة عن تحريكه وشموله .. فمصر العربية المسلمة تحتاج منّا إلى التضحية والاصطفاف خلفها موحّدين متضامنين ، ومقاومة الشّر أو التمرّد مهما كان قوياً ومنظماً ومدعوماً بالتعصب والقوة الأمريكية .
والله المستعان