الأزمة المالية لا علاقة لها بالرأسمالية
أو حرية الأسواق ولم تكن مفاجِئة
د. أنس بن فيصل الحجي
أكاديمي وخبير في شؤون النفط
لا تلوموا الرأسمالية، بل لوموا الاشتراكية!
ليس المقصود من هذه الفقرة هو الدفاع عن الرأسمالية، ولكن توضيح حقيقة يجهلها كثيرون وهي أن سبب الأزمة هو المبادئ الاشتراكية التي تبنتها بعض الحكومات الأمريكية التي أجبرت البنوك على إقراض الفقراء لتمكينهم من شراء البيوت والسيارات، وهم لا يستطيعون ذلك. من المستحيل أن يقوم نظام رأسمالي بإقراض من لا يستطيع الوفاء! لو تم فعلا تطبيق الأسس الرأسمالية لكان هناك رهن مقابل كل قرض، وهو أمر لم يحصل في الأزمة الحالية. إضافة إلى ذلك، يتم تقييم قيمة السندات في النظام الرأسمالي بناء على قدرة المدين على الدفع. ولا يمكن في ظل النظام الرأسمالي التأمين على هذه السندات على الإطلاق لأن المخاطرة كبيرة وأقساط التأمين عالية جدا بحيث لا يرغب أي مستثمر في شراء التأمين. ولكن في ظل بعض القوانين الاشتراكية التي تضمن خسائر البنوك، يمكن التأمين على السندات بحيث تحقق شركات التأمين أرباحا طالما أن أسعار الأصول التي تدعم السندات ترتفع، بينما تتحمل الحكومة الخسائر في حالة انخفاض قيمة هذه الأصول. باختصار، ما جرى في الولايات المتحدة ما كان ليحصل لولا تبني الحكومة الأمريكية لبعض القوانين الاشتراكية! الرأسمالية لها أزماتها الخاصة، ولكن ليس هذا النوع من الأزمات.
لا تلوموا حرية التجارة وحرية الأسواق، بل لوموا التدخل الحكومي!
1. سبب الأزمة هو التدخل الحكومي الذي نتج عنه إنشاء بنكي "فاني ماي" و"فريدي ماك" وقيام الحكومة بضمان هذين البنكين في حالة الإفلاس مقابل أن يقوما بتمكين الفقراء من شراء العقارات عن طريق شراء قروضهم من البنوك المختلفة التي تقوم بتمويل مساكنهم. ثم قامت الحكومة الأمريكية، خاصة في أواخر التسعينيات، بالضغط على هذين البنكين وغيرهما لزيادة القروض لفئات معينة في المجتمع الأمريكي لا يمكنها بأي شكل من الأشكال شراء بيوت أو سيارات جديدة. ولما تردد مديرو البنوك في إقراض فئات معينة، قامت الحكومة بمحاكمتهم بتهمة التمييز العنصري لأن جزءا كبيرا من الفقراء هم من الأقلية السوداء. في ظل سوق حرة لا يمكن على الإطلاق تقديم القروض لهذه الفئات، وبالتالي فإنه لا يمكن حدوث أزمة كهذه.
2. قامت الحكومة الأمريكية بتغيير القواعد المحاسبية وأجبرت الشركات والبنوك على تقييم أصولها بناء على سعر السوق بدلا من طريقة التقييم السابقة المبنية على "السعر العادل". هذا التدخل الحكومي جعل خسائر البنوك في الأسابيع الماضية أكبر بكثير من حقيقتها، الأمر الذي خفّض من قدرة هذه البنوك على الاقتراض، وخفض من قدرة الشركات على الاقتراض، وأسهم بشكل كبير في أزمة السيولة. في سوق حرة لا يتم فيها تقييم الأصول التي لا يرغب البنك في بيعها بهذه الطريقة. لذلك فإنه لا يمكن لوم الأزمة على حرية الأسواق أو حرية التجارة.
3. من هذا المنطلق فإن مبلغ 700 مليار دولار الذي قدمته الحكومة الأمريكية لحل الأزمة لن يحلها لأن سبب الأزمة هو التدخل الحكومي. إن سيطرة الحكومة الأمريكية على البنوك في الأسابيع الأخيرة يعني مزيدا من التدخل الحكومي، ومزيدا من الأزمات. الحل هو إلغاء السبب الأصلي للأزمة وهو التدخل الحكومي الذي يضمن البنوك ويجبرها على إقراض من لا يمكن إقراضه في ظل أسواق حرة.
الأزمة لم تكن مفاجأة
الأزمة لم تكن مفاجأة لعدد من المتخصصين والسياسيين حيث حذروا من هذه الأزمة منذ نحو عامين، وَوُصف بعضهم بالجنون، وبعضهم بالتشاؤم الشديد. وقد يندهش القارئ الكريم من الفقرات المترجمة أدناه من خبر نشرته جريدة "نيويورك تايمز" منذ نحو تسع سنوات في عددها الصادر يوم 30 أيلول (سبتمبر) 1999، الذي يمكن الحصول على نسخته الإنجليزية عن طريق مراسلتي على [email protected] .
المقال كان بعنوان "فإني ماي يسهل الائتمان للمساعدة في قروض العقارات". ذكر المقال أن تسهيل الائتمان هدفه زيادة ملكية الأقليات والفقراء للبيوت. وتذكر الجريدة أن "ما فعله بنك فاني ماي هو خطوة تزيد المخاطرة بشكل كبير. هذه الخطوة لن تشكل أي صعوبات في فترات الانتعاش الاقتصادي، ولكن قد يتعرض هذا البنك المدعوم من الحكومة إلى مشاكل كبيرة في حالة انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، الأمر الذي يؤدي إلى قيام الحكومة بإنقاذ البنك، تماما كما فعلت الحكومة مع بنوك الادخار والقروض في الثمانينيات". مرة أخرى، هذا الخبر عمره نحو تسع سنوات!