أزمة الرأسمالية العالمية

عزيز عيسى

ماجستير في القانون الدولي

غيرت  محل إقامتي لأنني لم استطع تحمل الإزعاج الذي كان يسببه لي شريكي في السكن فتصبحي بوجهه في الصباح كان كافيا لإقلاق راحتي طوال النهار . ثم بدأت الآن أفكر جدياً في الإقلاع عن تصفح الجرائد في الصباح وخاصة جريدة الحياة  . لان الصفحات الأولى والعناوين الرئيسية من الجرائد كافية لإقلاق راحتي و بالتأكيد راحت معظم الناس طوال النهار .

الأخبار هي دائما ً سيئة وعندما يحتل خبر الصفحة الأولى من الجريدة فهو سيئ جداً ، من حروب ونزاعات وصراعات وكوارث ...... ولعل أكثرها سوداوية ومقلق للراحة هذه الأيام هي الأخبار الاقتصادية  .

يقولون بأن الشخص لديه طريقة أو طريقتان لجمع المال ولكن لديه الكثير من الطرق لصرفها . فانا لست خبير اقتصادي ولكني استطيع أن ادعي بان لدي  خلفية واهتمام بهذا المجال وخاصة كان رسالتي لنيل شهادة الدبلوم في العلاقات الدولية والدبلوماسية  عن العولمة في المجال الاقتصادي . لذلك اسمح لنفسي بأن اكتب في هذا المجال وأعطي رأيي وابدي انزعاجي لما يحصل .

هل هي محنة النظام الرأسمالي العالمي وهل هي محنة الرضوخ والخضوع لقواعد السوق والأحادية القطبية وهل هي محنة الحرية الاقتصادية ؟.

 فسقوط الاتحاد السوفيتي بالضربة القاضية وتفكك المعسكر الاشتراكي وانتهاء الحرب الباردة بثوبها العقائدي المؤجج للصراع بين الشيوعية والرأسمالية وتفرد النظام الرأسمالي بقيادة العالم والتبشير بفوائد العولمة وسوق الاقتصاد الحر أمام امتحان خطير فمهما قيل عن الأزمة وأسبابها ومن ثم الحلول فإننا أمام تغيرات كبرى تعصف بالعالم وبنظامه المالي . 

منذ أربعينيات القرن الماضي كان يتم تمويل الإسكان في أمريكا عن طريق صناديق الادخار والاقتراض وهي صناديق مالية يودع فيها الناس ما وفروه من مال وهذه الصناديق بدورها تتولى تمويل قيمة شراء المساكن وذلك بعد أن يدفع المقترض دفعة أولى لا تقل عن 20 بالمائة  من الثمن ثم يتم تقسيط باقي القروض حيث يتم تحويل ملكية العقار عن طريق صناديق محلية يمكن معرفتها ومن ثم مراقبتها وذلك لتقدير قدرتهم على الوفاء حيث أصبح السكن الخاص في أمريكا أفضل أداة توفير وخاصة بين الطبقة الوسطى من الأمريكيين ولكن الذي حدث وبقوانين من الكونغرس حيث تم إلغاء ما يسمى صناديق الادخار والاقتراض لتمويل الإسكان حيث حل محلها البنوك التجارية واستمر الوضع حتى نهاية التسعينيات ولكن الإرباح في هذا القطاع غير المصارف من المنشاة المالية كبنوك الاستثمار وبيوت السمسرة وشركات التامين حيث أحدثت هذه المؤسسات أوراق تجارية باسمها مشتقة من خليط الرهن العقارية ، حيث تم منح قروض سواء أكان المقترض قادرا على الوفاء أم غير قادر على ذلك . ودون أن يكون هناك رقابة حقيقية وفعالة على حركت البيع والشراء وذلك تطبيق لمبدأ الاقتصاد الحر وفتح الأسواق وتحرير التجارة مما فتح المجال لتراكم المشاكل  وتأجيل الأزمات إلى أن وصلنا إلى الانفجار التي بدأت بإفلاس كبرا المؤسسات المالية الأمريكية وبات الآن يهدد الاقتصاد العالمي برمته مكلفة هذه الاقتصاديات بلايين الدولارات مما يجعل العالم وبالأخص دول العالم الثالث والشعوب الفقيرة أمام تهديدات كبرا أولها أزمة الغذاء التي بات تهدد أكثر من بليون شخص وشبح الجوع تطال فئات وأماكن طالما صنفت سابقا من الفئات المكتفية ذاتيا والصورة ستكون أكثر سوداوية في المستقبل القريب فمن يتحمل المسؤولية ومن سيتحمل تكلفة الإصلاح للنظام المالي العالمي ؟

وليس من المبالغة القول بان مصير العالم سيتحدد خلال الأشهر القادمة . فقد استفاق العالم على حريق اقتصادي هائل ، والأولوية هي إطفاء هذا الحريق أولاً ولعل أهم الانتقادات التي كان منتقدو العولمة يوجهونها بسهامهم إلى النظام المالي العالمي هي سهولة انتقال الأزمات عبر العالم أي عند حصول أزمة مالية في البرازيل مثلا كما حصل في التسعينيات كان كافيا لامتدادها إلى بقية العالم لولا تدخل الأمريكيين وقتها لإنقاذها واليوم بداية الأزمة كانت في أمريكا ذاتها إحدى اكبر اقتصادات العالم ورأس النظام المالي العالمي لذلك يجمع المحللون بان هذه الأزمة هي الأشد والأعنف والأخطر على النظام المالي العالمي . ورغم التدابير التي اتخذتها بريطانية في التدخل المباشر في الأسواق والاستيلاء على بعض أوجه النشاط في المؤسسات المالية المتعثرة منتهكة بشكل صارخ ما كان يتغنى بها مناصرو العولمة عن حرية الأسواق ولعل اقتناع الأوربيين بنجاعة هذه التدابير أدى إلى تبنيها الحل الانكليزي و( ضبط الارتباط ) مع الأسواق الأمريكية وضخها 3 تريليون دولار لإنقاذ وتقويم النظام المالي وضمان منع المصارف من الإفلاس . مما يطرح تساؤل أخر هل نحن أمام تطبيق جزئي لمبدأ تدخل الدولة في السوق احد اشد المبادئ التي حاربتها الرأسمالية .  أم نحن أمام إنهيار شامل لهذا النظام إنها بالفعل ( محنة الرأسمالية العالمية ) .