ملامح الأسرة الملتزمة
عبد العزيز كحيل
[email protected]
خطا الإسلاميون خطوات طيبة في مجال إثبات الهوية على مستوى الأسرة من خلال الحركة
المنتجة لخلايا رسالية تعتبر الإسلام موجهها وضابط حركتها تعيشه في قضايا كبيرة
وصغيرة كتجربة مصغرة لتحكيمه في المجتمع كله،لكن جو الأزمة الفكرية المخيم على
الأمة انعكس على التجربة الأسرية وحصرها في كثير من الأحيان في أشكال إسلامية
وصرفها إلى الصورة عن الحقيقة وإلى المظاهر عن الجوهر.
بين الجوهر والشكل
لقد امتد العجز عن التعامل مع القيم الذي تعاني منه الأمة إلى "أسلمة "الأسرة بحيث
لم تبلور هذه الأسلمة عموما سوى في أشكال يعتني بها أفراد العائلة باعتبارها مظاهر
للإلتزام بأحكام الدين وأخلاقه وهذا المسعى ليس مذموما ولا سلبيا إنما هو جزء محمود
ومطلوب في عملية استئناف الحياة الإسلامية على الصعيد الأسري والإجتماعي يؤدي دورا
إيجابيا في التميز الموضوعي والشعوري للمسلم الساعي إلى إثبات ذاته في المنظومة
الحضارية،ويمكن تلخيص هذا الإلتزام بالشكل أو المظهر أو الصورة في حسن اختيار
الأسماء الدالة على الإنتماء للمواليد الجدد حتى انتشرت بحمد الله تعالى أسماء
الأنبياء والصحابة والدعاة والمجاهدين وتغلبت على الأسماء المستوحاة من الواقع
المتعفن.
-التزام الأطفال بالتحدث بكلمات وعبارات عربية فصيحة
-تزيين جدران البيوت بآيات كريمة وأدعية مأثورة
-تمسك الرجل باللحية والمرأة بالحجاب
-خلو البيت من كل ما يشير إلى الفاحشة والفساد والمنكر كالصور المجسمة(وحتى غير
المجسمة عند البعض) وأدوات الترفيه التي يعتبرها أصحابها محرمة.
ولا اعتراض لدينا على هذا النمط من الإلتزام بل أكثره ضروري في معادلة التنشئة
الإسلامية وإثبات الذات أمام الغزو الفكري وإرضاء الله تعالى لكن الذي ينبغي
التحذير منه هو ما لوحظ من اقتصار على هذه الأشكال وتشث شديد بها جعل منها الهدف
والغاية والمقصد على حساب الجوهر الذي كان يجب أن يشكل الهم الأكبر في بناء الأسرة
الملتزمة، وقد أنتج هذا الوضع غلوا في التمسك بالأشكال وتفننا فيها يخفيان وراءهما
واقعا مزريا أصبحت البيوت الإسلامية نفسها تبوح به وتشكو منه وتنادي
بمعالجته،والخطأ يكمن في العملية التربوية المرتكزة على رؤية فكرية مختلة
أنتجت''الإنسان الخطأ'' و ''الأسرة الخطأ'' و ''المسالك الخطأ'' حيث يقنع المسلمون
بالقشور فلا يتعدى اهتمامهم إلى اللب إلا عندما يتوفر لديهم التصور الإسلامي الأصيل
المتحرر من دخن ثقافة عصور الانحطاط التي مازلنا نعيش رواسبها ونحسبها الإسلام
الحق.
قسمات الأسرة الملتزمة
يمكن تلخيص وظيفة الأسرة الملتزمة في صياغة أفرادها صياغة إسلامية متكاملة تشمل
الفكر والشعور والسلوك وتكون بالتالي لبنة قوية في صرح المجتمع الإسلامي المنشود،
وهذه العملية الجوهرية تتوزع على أربعة مجالات أساسية يجب الاهتمام بها في تكامل
وانسجام:
1-أداء الشعائر التعبدية:
لا بد أن يلتزم كل أفراد الأسرة-والمكلفون بالدرجة الأولى -بالأداء المنتظم والصحيح
للشعائر وعلى رأسها الصلوات المكتوبة والنوافل بشكل يرسخ التدين المخلص ،يضاف إلى
ذلك صيام النافلة كلما أمكن كما يجب تنظيم حلقة أسرية لتلاوة القرآن الكريم تكون
وردا يوميا ثابتا لا يمتد إليه التهاون بحال من الأحوال الى جانب الأدعية والأذكار
المأثورة
2-التكوين العلمي:
ونقصد به استكمال النقص الفادح الذي تشكو منه المدرسة في مجال تطوير الذهنية
الإسلامية الجامعة بين كليات الوحي والعقل والكون البعيدة عن العطالة الفكرية
والانحراف العقلي،وهذا إنما يكون بانتقاء ما يقرأه أفراد الأسرة ويسمعونه ،وكل
تفريط في هذا المجال ينعكس على الجهود التربوية فيجعلها غير ذات جدوى.
3-الجو الإسلامي:
قد يتبادر إلى الذهن أننا نعني بالجو الإسلامي بعض مظاهر الإلتزام التي أشرنا إليها
كالتحدث بالعربية الفصحى وترديد الأدعية الخ...غير أننا نقصد إشاعة مناخ الحرية
والشورى في البيت المسلم حتى يعبر الكبير والصغير والرجل والمرأة عن رأيهم دون
إرهاب ولا وجل وأن تسير شؤون البيت المهمة بالتشاور العميق حتى ينشأ الابناء-ذكورا
وإناثا-نشأة فيها إثبات الذات والإيجابية والمساهمة في التسيير وحل المشكلات وحتى
نتخلص من ثنائية الإشادة النظرية بالحرية والشورى مع التنكر لهما في الواقع وهو ما
تعانيه جل أسرنا وانساب وباؤه إلى المجتمع كله،كما يشمل الجو الإسلامي المطلوب
إشاعة الإلتزام بأداء الحقوق من طرف كل الأفراد وخاصة بين الزوج والزوجة فليس
إسلاميا بيت يهضم فيه حق مهما كان ظاهر هذا البيت يزعم البر والتقوى،ويدخل ضمن
إسلامية الجو التعاون بين كل الأطراف على شؤون البيت فذلك من شأنه تقوية أسباب
الألفة والنجاح،ثم إن الأسرة الإسلامية تعتني بالجانب الاقتصادي في ميدان الاستهلاك
خاصة فترشده وفقا لتوجيهات الشرع ومقتضيات الواقع بعيدا عن الإسراف والتقتير.
4-الأخلاق الفاضلة:
وهي لا تقتصر على تشميت العاطس وآداب الطعام والنوم وإنما تتناول بالدرجة الأولى
أصول تكوين النفسية الطيبة وفي مقدمتها الاعتدال في القول والحكم والعمل والشعور
القوي بدور الأسرة في التمكين للإسلام والانتهاء التام والكامل عن آفات التجريح
والانتقاص من الناس وتتبع العورات والعثرات.
-العمل بدل الأماني : هذه في تقديرنا أهم ملامح الأسرة الملتزمة التي تعي رسالتها
فتعمل على تهذيب العقل وصقل النفس وتحريك الجوارح لأداء الأدوار الحياتية المتمثلة
في فعل الخير وعمارة الأرض والإصلاح فيها،وكل هذا لا يتم بالأماني الحلوة وإنما
يستدعي عزيمة فعالة تجنح إلى العمل الميداني البعيد عن ثقافة الإرهاب النفسي
والفكري المشيع للحرية وروح المبادرة مع تركيز خاص على عدم كفاية الاقتصار على
الجانب السلوكي في التربية العائلية والتنبه إلى أهمية التكوين الفكري وأسبقيته -في
بعض الأحيان-في تنمية الشخصية الإسلامية لدى الصغار والكبار سواء ...بهذا ونحوه
تكون الأسرة الإسلامية..أو لا تكون.