مفهوم الدعوة الإسلامية

محمد أفقير(صهيب)

باحث في تاريخ الإسلام

[email protected]

الدعوةة([1]) لغة: "دعا يدعو دَعْوة ودُعاء"([2])، و"دعا الرجل دعوا ودعاء: ناداه([3]). والاسم الدعوة، ودعوت فلانا أي صحت به واستدعيته"([4]). "والدُعاة: قوم يَدْعون إلى بيعة هدى أو ضلالة، واحدهم داعٍ، ورجل داعية إذا كان يدعو الناس إلى بدعة أو دين، أدخلت الهاء فيه للمبالغة"([5]). والنبي داعي الله تعالى، وكذلك المؤذن. جاء في لسان العرب: "المؤذن داعي الله والنبيMohamed peace be upon him.svg داعي الأمة إلى توحيد الله وطاعته"([6]). ومنه قوله تعالى: (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ)([7]). و"الدعاء يكون برفع الصوت وخفضه؛ يقال: دعوته من بعيد، ودعوت الله في نفسي، ولا يقال: ناديته في نفسي، وأصل الدعاء طلب الفعل دعا يدعو"([8]). وجاء في الحديث: (سأخْبركُم بأوَّل أمْرِي: دَعْوة أبي إبراهيم وبِشارةُ عيسى). دَعوةُ إبراهيم عليه السلام هي قوله تعالى: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ)([9]) وبشارة عيسى قوله: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) ([10])"([11]).

أما الدعوة اصطلاحا فإنه يراد بها في الغالب الأعم معنيان:

الأول: رسالة الإسلام.

الثاني: عملية نشر الإسلام وتبليغه للناس، ليعبدوا الله وحده. بحيث لا صلاح للأرض وأهلها إلا أن يكون الله هو المعبود والدعوة له لا لغيره، والطاعة والاتباع لرسوله Mohamed peace be upon him.svg، وأما غيره من الدعاة والخلفاء إنما تجب طاعتهم إذا أمروا بطاعة الرسول Mohamed peace be upon him.svg، فإن أمروا بمعصية فلا سمع ولا طاعة، فإن الله أصلح الأرض برسوله Mohamed peace be upon him.svg ودينه. وبالأمر بالتوحيد، ونهى عن فسادها بالشرك به، ومخالفة نبيه Mohamed peace be upon him.svg.

وبالجملة، من يتدبر أحوال العالم يجد كل صلاح في الأرض سببه توحيد الله وعبادته، وطاعة رسوله Mohamed peace be upon him.svg، وكل شر في العالم وفتنة وحرب واستعمار وأمراض حادثة، وكوارث بيئية، واختلالات اقتصادية واجتماعية، وغير ذلك؛ فسببه مخالفة الرسول Mohamed peace be upon him.svg والدعوة إلى غير الله. 

والمعنى الثاني له ارتباط وثيق بالمعنى الأول حيث لا تتم عملية نشر رسالة الإسلام إلا بالمبادئ الشرعية الشاملة لشؤون الدين والدنيا، لمطالب الروح والجسد. وأَوَدُّ أن أُذَكِّرَ ببعض التعريفات الاصطلاحية للدعوة. فقد وردت لها عدة تعريفات يكمل بعضها بعضا:

1- قال ابن تيمية(ت728هـ/ 1328م): "الدعوة إلى اللّه عز وجل هي: الدعوة إلى الإِيمان به، وبما جاءت به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا، وذلك يتضمن الدعوة إلى الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والدعوة إلى الإيمان بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، والدعوة إلى أن يعبد العبد ربه كأنه يراه"([12]). وأضاف: "فالدعوة إلى الله تكون بدعوة العبد إلى دينه، وأصل ذلك عبادته وحده لا شريك له، كما بعث الله بذلك رسله، وأنزل به كتبه، قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)([13])"([14]).

2- وعرفها ابن كثير(ت774هـ/ 1373م) بأنها كلمة الشهادة التي يدعى إليها الكفار، قال في معرض حديثه عن كتابه Mohamed peace be upon him.svg إلى هرقل: "أدعوك بدعاية الإسلام أي بدعوته، وهي كلمة الشهادة التي يدعى إليها أهل الملل الكافرة"([15]). وفي رواية: "بداعية الإسلام، وهي مصدر بمعنى الدعوة، كالعافية والعاقبة"([16]).

3- وقال غلوش(ت1388هـ/ 1968م): "العلم الذي به تعرف كافة المحاولات الفنية المتعددة الرامية إلى تبليغ الناس الإسلام، بما حوى: من عقيدة، وشريعة، وأخلاق"([17]).

4- وعرفها عبد الله الموسى بأنها: "الإسلام من حيث المبادئ، والقيام بنشره وجذب الناس إليه من حيث الوسائل والأساليب"([18]).

5- وذكر البيانوني أنها تطلق على عملية "تبليغ الإسلام للناس، وتعليمهم إياه، وتطبيقه في مواقع الحياة"([19]).

6- وقد رأى محمد الغزالي(ت1996م) أنها "برنامج كامل يعم جميع المعارف، التي يحتاج إليها الناس ليبصروا الغاية من محياهم، وليستكشفوا معالم الطريقة التي تجمعهم راشدين"([20]).

7ـ ورأى عبد السلام ياسين(ت2012م/ 1434ه) أن الدعوة تختزل كل وظائف الهداية لتحقيق ما أراد الله للناس من سعادة في معاشهم، ومعادهم، باستقامتهم على شريعته فرادى وجماعة، كان يحملها الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام بما أمدهم الله من نور، ويحملها من بعدهم الدعاة العلماء العاملون([21]).

وتطلق الدعوة على الدين  كله رسالة متكاملة أي: عقيدة وشريعة، عبادة ونظام حياة. وفي القرآن الكريم: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)([22]). ومبلغ الدعوة هو الداعي إلى الله، وخير الدعاة على الإطلاق سيدنا محمد Mohamed peace be upon him.svg، هيأه الله تعالى لحملها ثم أمره بتبليغها حين نزل قول رب العزة: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ  قُمْ فَأَنْذِرْ)([23]). في الآية الكريمة إذن من الله عز وجل لنبيه بالدعوة (بل وأمره بالقيام بها). هذا الإذن الإلهي جاء بعد إعداد نفسي وعقلي وبدني. تلقاه الرسول الهاديMohamed peace be upon him.svg في حضرة ربه. ذلك أن البشير النذير صار بقدراته القلبية والجسدية والفكرية التي وهبه الله، قادرا على الدعوة إلى الله على بصيرة وحكمة وتدرج، وقوة وعزم وإقدام وتؤدة ورحمة. دون أن يغيب عن عقله وقلبه ذلك الأمر الإلهي (قُمْ فَأَنْذِر)([24])، وهو إذن من الله فيه فتح وتوفيق وإجابة.

والدعوة بهذا المفهوم: إما أن تتوجه إلى غير المسلمين تدعوهم إلى الإسلام، ليشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول اللهMohamed peace be upon him.svg، ويطبقوا شرائع الإسلام، وإما أن تتوجه إلى المسلمين تحببهم في الله تعالى، وفي رسولهMohamed peace be upon him.svg، وتزكيهم حتى يعملوا بمقتضى شرع الله، ويسيروا على المنهاج النبوي المحمدي، ليفوزوا بالنصر والتمكين في الدنيا، و برؤية وجهه الكريم في الآخرة.

بكلمة، الدعوة إلى الله تتضمن الأمر بكل ما أمر الله به، والنهي عن كل ما نهى الله عنه، والمصطفىMohamed peace be upon him.svg قام بهذه الدعوة، فإنه أمر الخلق بكل ما أمر الله به، ونهى عن كل ما نهى الله عنه، أمر بكل معروف ونهى عن كل منكر من غير ابتداع.

(رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). البقرة:201.

               

([1]) ـ الدعوة بالفتح غير الدعوة بالكسر: يقال: [لا دِعوةَ في الإسلامِ] "الدّعوة في النَّسَب بالكسر وهو أن يَنْتَسِبَ الإنسانُ إلى غيرِ أبيه وعشِيرته، وقد كانوا يَفْعَلونه فَنهى عنه وجعل الوَلَد للفِراشِ". ابن منظور، لسان العرب. 15جزءا، ط.3، دار صادر، بيروت ـ لبنان 1414هـ، مادة: دعا، 261:14. / ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر. 5 أجزاء، تحقيق: محمود محمد الطناحي وطاهر أحمد الزاوي، المكتبة العلمية، بيروت ـ لبنان 1979م، مادة: دعا، 2: 121.

والدعوة غير الدعوى يقال "ادعى ادعاء ـ أي ـ يدعو إلى مذهب من غير دليل". أبوهلال العسكري، الفروق اللغوية. تحقيق: محمد إبراهيم سليم، دار العلم للملايين، القاهرة ـ مصر (بدون تاريخ)، ص. 38./ والدعوة غير الدعوى يقال: "ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو مَالًا فَزَيْدٌ الْمُدَّعِي وَعَمْرٌو الْمُدَّعَى عَلَيْه" (وَالِاسْمُ الدَّعْوَى) وَأَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ فَلَا تُنَوَّنُ. يُقَالُ دَعْوَى بَاطِلَةٌ أَوْ صَحِيحَةٌ وَجَمْعُهَا دَعَاوَى بِالْفَتْحِ كَفَتْوَى وَفَتَاوَى. (وَالتَّدَاعِي) أَنْ يَدْعُوَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَقَدْ تَدَاعَوْا الشَّيْءَ إذَا ادَّعَوْهُ"./ أبو الفتح بن المطرز، المغرب في ترتيب المعرب. جزأن، تحقيق: محمود فاخوري وعبد الحميد مختار، ط.1، مكتبة أسامة بن زيد، حلب ـ سوريا 1979م، 1: 288 ـ 289.

([2]) ـ انظر: مجمع اللغة العربية، معجم ألفاظ القرآن الكريم. الإدارة العامة للمعجمات وإحياء التراث، مصر 1989م، باب الدال، 1: 404.

([3]) ـ انظر: أبو هلال العسكري، الفروق اللغوية. مصدر سابق، ص. 38.

([4]) ـ المكان نفسه.

([5]) ـ الأزهري، تهذيب اللغة. 8 أجزاء، تحقيق: محمد عوض مرعب، ط.1، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان 2001م، 3: 78.

([6]) ـ ابن منظور، لسان العرب. مصدر سابق، 14: 259.

([7]) ـ سورة الأحقاف: الآية 31.

([8]) ـ أبوهلال العسكري، الفروق اللغوية. مصدر سابق، ص. 38.

([9]) ـ سورة البقرة: الآية 129.

([10]) ـ سورة الصف: الآية 6.

([11]) ـ ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر. مصدر سابق، 2: 122.

([12]) ـ ابن تيمية، مجموعة الفتاوى. 35 جزءا، تحقيق: عامر الجزار وأنور الباز، ط.3، دار الوفاء للطباعة والنشر، المنصورة ـ مصر 2005م، 15: 92.

([13]) ـ سورة الشورى: الآية 13.

([14]) ـ المكان نفسه.

([15]) ـ ابن منظور، لسان العرب. مصدر سابق، مادة: دعا، 14: 257.

([16]) ـ ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر. مصدر سابق، 2: 122.

([17]) ـ أحمد غلوش، الدعوة الإسلامية: أصولها ووسائلها. ط.2، دار الكتاب المصري، القاهرة ـ مصر 1987م، ص. 10.

([18]) ـ عبد الله بن محمد الموسى، أسباب نجاح الدعوة الإسلامية في العهد النبوي. رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المعهد العالي للدعوة الإسلامية، إشراف: عبد الستار سعيد، الموسم الجامعي 1402/1403هـ، ص. 15.

([19]) ـ محمد أبو الفتح البيانوني، المدخل إلى علم الدعوة. ط.1، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان 2001م، ص. 78.

([20]) ـ محمد الغزالي، مع الله. ط.3، دار النهضة العربية، 1968م، ص. 125.

([21]) ـ عبد السلام ياسين، الإسلام بين الدعوة والدولة. ط.1، مطبعة النجاح، الدار البيضاء ـ المغرب 1392هـ، ص. 27 وما بعدها. (بتصرف).

([22]) ـ سورة يوسف: الآية 108.

([23]) ـ سورة المدثر: الآيتان1 ـ 2.

([24]) ـ سورة المدثر: الآية 1.