مرتكزات ومشروعات حل الأزمة السورية

د. إبراهيم الديب

ثلاث سنوات من الكفاح والتضحيات الجسام ما تجاوز الثلاثمائة ألف شهيد منهم ثلاثة عشر ألف طفل، و اثنى عشر ألف وثمانمائة امرأة، إضافة لأربعمائة ألف جريح وفقاً لمصادر ميدانية من داخل سورية ومركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية واللجنة الحقوقية في الائتلاف الوطني ، وما يقارب العشرة ملايين نازح ومهجر ومشرد خارج منازلهم، منهم ستة ملايين داخل سورية وأربعة ملايين في دول الجوار، إضافة لمليون ونصف محاصرين في أحياء داخل سورية

 تضحيات ضخمة  التي قدمها ويقدمها الشعب ثمناً غالياً لحريته وكرامته ، بينما الوضع العسكري على جبهات القتال سجال حيث تتحكم فيه أيادي وأجندات خارجية متعددة تتحكم في حجم ونوع وتوقيت الإمدادات بما ينعكس مباشرة على الأرض من تفكك وغياب للتنسيق ، وغياب قدرة الثوار على تحقيق مكاسب إستراتيجية ملموسة تبشر بسقوط نظام الأسد الإيراني ، في نفس التوقيت يعانى الائتلاف الوطني من الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية التي تحد من فاعليته في إدارة العملية السياسية وترجمة المكاسب الميدانية إلى مكاسب سياسية ،  على التوازي تتزايد يومياً وباستمرار أعداد النازحين واللاجئين السورين خاصة على الحدود التركية،   بعد تفاقم الأوضاع على الحدود اللبنانية ورفضها إقامة مخيمات جديدة للاجئين السورين على أراضيها ، والانتهاء بها على الحدود السورية اللبنانية فقط ، ناهيك عن تفاقم وتعقد الأوضاع على الحدود العراقية بعد تقدم داعش في دير الزور شرقا .

الوضع معقد جداً حتى أطلق عليها بعض الساسة المحنكين بأم الأزمات السياسية نظرا لتعدد وتقاطع المصالح الأقليمىة والعالمية ويوحي بأن القادم يسير إلى الأسوأ إن لم تحدث تغيرات  حقيقية في بعض مكونات ومتغيرات المشهد .

بيد أن الخروج من الأزمة ممكناً وغير مستحيل ولكنه يحتاج إلى حشد وتوجيه بوصلة الإرادات السورية المتنوعة في إرادة وطنية واحدة حقيقية تستطيع توحيد وتقوية وإعلاء الذات الوطنية السياسية والميدانية  تحت قيادة استراتيجية واحدة  تتمتع بالشفافية الخالصة مع النفس  والوطنية الحقيقية التي تعلى الشأن والهم والمصالح السورية فوق كل شيء ، والحنكة السياسية التي  تستطيع فهم موازين القوة الإقليمية والعالمية والتعاطي معها بمزيج من القوة والواقعية التي تجبر اللاعبين الإقليمين والعالمين على القبول بالحد الأدنى من الكعكة السورية .

وبالتأكيد أن هذا الحد غير مستقيم وغير متساوي عند كل طرف .

ليست لدي وصفة سحرية للوصول إلى هذا المشهد ، ولكن أستطيع أن أقدم عدد من المرتكزات والمشاريع الوطنية الأساسية التي تستطيع التجسيد الحقيقي الصلب للتوافق الوطني الذي هو وحده القادر على إرباك المشهد الحالي ومنح القوى الوطنية  الممثلة خيوطاً متعددة للمشاركة الفاعلة في إدارة المشهد ، ومن ثم فرض نفسها على مائدة إدارة الأزمة السورية والتي تستطيع التحول بالملف السوري سريعاً من الحالة المتعمدة لإدارة الأزمة وتطويل مداها الزمني ،  إلى حل الأزمة خلال فترة شبه محددة عبر حل توافقي إقليمي وعالمي .

أوجز ما أعنيه ـ توافق وطني في الميدان العسكري والسياسي يجبر ويرضى القوى الإقليمية على التوافق .

هي إذا منظومة من المرتكزات المتعددة المتنوعة ولكنها جمعت في منطق فعل رابط يمنحها البعد والتأثير الاستراتيجي متعدد الأبعاد الجغرافية والميدانية والإنسانية والسياسية

أول هذه المرتكزات في عالم الأفكار التي تسيطر على القادة العسكريين والسياسيين للمعارضة السورية والتي تفهم وتدير المعركة مع الأسد وإيران عبر منطلق ايديلوجى حد من قدرتها على التفكير وإنتاج الحلول والخيارات البديلة والانفتاح والتواصل مع العالم ومع القوى الإقليمية المتحكمة في خيوط الملف السوري ، والتي لابد لها من أن تعيش الواقع العالمي وتفكر وتدير ملف الصراع من النظام على أنه صراع مصالح وإن كانت تستقر الايدولوجيا في أعماقه ولكنها ليست الأساس والمنطلق في إدارة الصراع .

ثاني هذه المرتكزات هو الواقعية والعملية السياسية التي تعترف وتحترم الإرادات الإقليمية والعالمية التي تمتلك أدوات فعل ناعمة وصلبة حقيقية لا يمكن تجاهلها ، خاصة أن الفجوة كبيرة وواسعة جدا ، بمعنى التفرقة بين الأماني والأحلام والتطلعات شبه الخيالية ، وبين المتاح المسموح به الممكن تحقيقه .

ثالث هذه المرتكزات هو الاتفاق على هوية المعارضة السورية على أساس مبدأ وحدة الأرض ووحدة الشعب ، والتي تجسد شكل الدولة البديلة للنظام الحالي ، والإجابة على سؤال من نحن ؟ ما هي لغتنا وعقيدتنا وقيمنا وتراثنا ورؤيتنا لبعضنا البعض ومدى اعترافنا المتبادل ، وقدرتنا على التوحد داخل الوعاء الوطني السوري الذي يسع الجميع ولا يقصى أحداً؟ وما هي رؤيتنا للعالم  من حولنا ؟ وهل هي علاقة تواصل وتكامل أم صراع وصدام ؟

ولهذا المرتكز أهمية كبرى على المستويين الداخلي والخارجي ، أما على المستوى الداخلي فهو كفيل بتأمين كافة المكونات السورية على مستقبلها مع هذا البديل المجهول القادم والاحتشاد معه نحو بوصلة واحدة بوصلة تحرير وتطهير وبناء سوريا الجديدة كما انه سيغلق الباب ويسد المسارات المفتوحة على مصراعيها للاستقطاب الخارجي وتفتيت المجتمع السوري لفئات متباينة ومتصارعة .

أما على المستوى الخارجي فهو يمنح القوى الخارجية رسالة مع من سنتحدث ونتواصل بعد زوال النظام الحالي ، وهل يصلح هذا البديل القادم للتفاهم والتعاون على قاعدة المصالح أم لا ؟

رابع المرتكزات هو تخلص المعارضة السورية من فكرة ووهم وخديعة التعاون الدولي لدعم الثورة السورية ، ومن التسول المهين على أبواب الغرب ، والشكوى اليومية من التجاهل والتآمر الدولي ، وأن العالم أدار ظهره لسوريا ليتآمر عليها بقوة  ، ولتتحول وتتفرغ فقط  في العمل الحقيقي لتوحيد الصف الداخلي والبحث عن امتلاك الأدوات ، الأداة تلو الآداة وبناء القدرات الذاتية ، عندها فقط ستتسابق القوى العالمية لطرق باب لمعارضة وزيارتها أينما شاءت ، عندها فقط تكون المعارض السورية قد ارتقت إلى ما يقدم من تضحيات على الجبهة العسكرية ، وستكسب احترام وقبول كافة الفصائل على الأرض حتى وإن امتلكت القليل من الأدوات ، ولكنها ستكون تحولت إلى المسار الصحيح للثورة السورية .

خامس هذه المرتكزات هو الاعتماد على الذات الوطنية والتنقيب عن الموارد وتفجيرها واستثمارها ، بالبحث فى مكنونات الشعب السوري وقدراته الفكرية والعلمية والمادية والروحية الضاربة في أعماق التاريخ وحصرها وحصدها وإعادة تنظيمها وتوجيهها نحو بوصلة الثورة السورية، وهنا أتعجب لقوى وعنى بذاته وشعبه يتسول على موائد أعدائه ما يليق أبدا بعروبة وحضارة وثقافة سورية أن تفكر وتعمل بهذه الطريقة .

سادس هذه المرتكزات هو إعادة ترتيب وإدارة العلاقة مع الدول العربية وتركيا كدول جوار كشريك أساسي في الثورة السورية وحماية الأمن القومي لكل دول الجوار ، والأمر هنا يحتاج لتحول نوعى كبير ، وليس تطور فقط  ــ في إدارة ملف الخارجية السورية للمعارضة على مستوى المنطلقات والاستراتجيات والسياسات ثم الأدوات .

سابع هذه المرتكزات هو التجمع قريبا من سوريا وحولها وفتح جبهات جديدة تشتت أركان النظام السوري الايرانى ، وتحويل مخيمات الشتات إلى معسكرات للبناء وردف الجهاد والتحرر الوطني

ثامن هذه المرتكزات هو نقل دائرة الصراع والقتال الميداني والخسائر اليومية إلى خارج الأرض السورية خاصة الاراضى الإيرانية واللبنانية  - أقصد حزب الله – الشريك الأكبر للنظام السوري ، وبالتأكيد الرسالة ستصل إلى جميع الدول الداعمة لنظام الأسد

ولضمان العملية والخروج من دائرة الأفكار النظرية إلى المشاريع العملية سأضع لكل مرتكز مشروعاته اللازمة ، مكتفيا بعناوين المشاريع فقط

تسعة مشاريع كفيلة بإعادة تغيير الأوضاع السورية

ــ مشروع المصالح الإقليمية والعالمية السورية المشتركة

ــ مشروع التحرر الوطني الاقتصادي السياسي بعيد ومتوسط وقصير المدى

ــ مشروع الهوية الوطنية السورية

ــ مشروع  بناء القدرات الذاتية

ــ مشروع الإدارة المركزية للعمل الاغاثى للشعب السوري على مبدأ نموت جوعا ولا نفرط في إرادتنا وقرارنا

ــ مشروع الإدارة الديناميكية الذكية للعلاقات الخارجية السورية على مبدأ المصالح لا الايدولوجيا

ــ مشروع تفعيل الشركاء الإقليميين

ــ مشروع قطع أيادي النظام الأسدي الايراني المتطاولة على الداخل السوري على مبدأ الضرب الفاعل في عمق النظام

ــ مشروع تطوير الصراع العسكري مع النظام