التجويد.. ذلك الفن السماوي 1

م. الطيب بيتي العلوي

التجويد.. ذلك الفن السماوي (ج1)

م. الطيب بيتي العلوي

مغربي مقيم بفرنسا

باحث في الانثروبولوجيا الدينية والثقافية بباريس

[email protected]

" ..ان تأثير السماع والصوت في القلب محسوس، ومن لم يحركه السماع (والصوت الحسن)فهو ناقص ما ئل عن الاعتدال،بعيد عن الروحانية، زائد في غلظ الطبع وكثافته .. على جميع البهائم، فان جميعها تتأثر بالنغمات.."حجة الاسلام أبوحامد الغزالي...من كتابه  آداب السماع والوجد

مقاربة أنثروبو-ثقافية

ان  لذة تشنيف الأسماع بالسماع، مبعثه الصوت الجميل ،وهو مظهرمن مظاهرالابداع الالهي في الكون، فحتى الأفلاك لها سماع وتطريب خاص بها ، أطلق عليها الفلاسفة المسلمون الأوئل،مثل ابن سيناء،والكندي، والفارابي، واخوان الصفاء، والخوارزمي،وبعض فلاسفة الاغريق، مثل فيثاغورس" ب"موسيقى الأفلاك"، اذ تصدر عنها في حركاتها الهائلة الدقيقة ،- كما أثبته الفلكيون الأوائل والأواخر-ايقاعات منظمة نغمية كونية جبارة ،لايعرف كنهها، ولا طاقة للانسان بسماعها، مما جعل امامنا الغزالي رحمه الله، ذلك الرجل المنطقي،والمتصوف،ورجل الشريعة الكيس الفطن الحصيف يقول "ليس في الامكان أبدع مما كان" يفسرها المفسرون بأكثرمن تفسير،الاأن صوتا جميلا نسمعه فيطربنا ويهزنا ويحركنا ويثير أشجاننا وأحزاننا ومسراتنا، ذاك في حد ذاته-ومع بساطته ودقته في آن واحد-تفسير فوق كل التفاسير،

وهذه الملكة الفنية الكامنة في الانسان، لن تموت الابا نقراض الانسان ذاته ،أو بانحطاطه، أو تصاب البشرية كلها بالعته والعي والبلاهة.،.وسيظل الصوت الجميل ،هو تلك القدرة الانسانية الخارقة، التي تحيل الحياة الى تعبير فني ،وهي ليست من صنع ساحر مجنون، أو شيطان مريد، بل هي من صنع الله القادر،الذي صور الانسان فأحسن صورته، وقدرعند خلقه كل شيء تقديراعجيبا، وحسبه حسابا دقيقا، وهو المصور الخلاق المبدع،...سبحانه !!!

ولذا،فان النغم ظاهرة بشرية فطرية، عرفت منذ أن عرف الانسان على وجه البسيطة، حيث أودعها الله فيه.، والأصل فيه يعود الى أن الأصوات متفاوتة في قوتها ومفعولها لدى الانسان، وفى الطبيعة ،وعند الحيوانات والأدوات والآلات...،

كما أ ن الأصوات الانسانية لها دلالات متنوعة،مثل الضحك والبكاء والصياح علوا أو هبوطا، وطبقات الكلام تنازلا أو تصاعدا، و لكل طبقة نغمة ورنة ،وايقاع ومقام

تأثير القرآن النغمي والموسيقي في النفوس

التجويد  ما بين العلم  والفن

قال تعالى: ((قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا))

و التجويد كعلم : هو في اللغة : التحسين، وفي الاصطلاح ، تلاوة القرآن الكريم بإعطاء كل حرف حقه

ومستحقه، و للحرف صفاته الذاتية اللازمة له: كالجهر والشدة والاستعلاء والاستفال والغنة والقلقلة وغيرها

والتلاوة معناها : القراءة عموما

وأما الترتيل : فهومن مراتب تلاوة القرآن الثلاثة المتعارف عليها بالاجماع  عند علماء التجويد وهي بعد الترتيل :الحدر، والتدوير

و الترتيل في اصطلاح القراء هو : قراءة القرآن على مكث، وبتأن وفهم واستيعاب للمعاني، وهي أفضل أنواع التلاوة حسب أهل الاختصاص ،لأن القرآن نزل به، لقوله تعالى"وقرآنا فرقناه لتقرأه على مكث(106) وقال تعالي ايضا" ورتل القران ترتيلا"(سورة المزمل4)

وقد  فسر الامام علي كرم الله وجهه الترتيل بما يلي :"بأنه تجويد الحروف ومعرفة الوقوف

 ومعنى تجويد الحروف ،هو :اخراجها من مخارجها،واعطائها صفاتها، من التفخيم والترقيق

أما المرتبة الثانية من مراتب تلاوة القرآن، فهي :

 الحدر،وهو ادراج القراءة وسرعتها،مع المحافظة على أحكام التجويد، ومراعاة عدم بتر الحروف، وعدم التفريط في اظهار الغنة والمد

أما المرتبة الثالثة من مراتب تلاوةالقرآن ،فهي : التدوير،وهي حالة وسط بين الترتيل والحدر

وكل قارئ للقرآن يختار من هذه المراتب الثلاثة ما يتناسب وقدراته الصوتية وطبقاته وحاله، وما يوافق طبعه ومزاجه النفسي، ومدى تفاعله مع النص القرآني المقروء، وسآتي في نهاية الجزء الثاني من هذا المبحث  بنموذج من قراء الترواويح  في العالم العربي  كمثال للمقرئ الذي يمكنه أن يجمع كل هذه المراتب، (أي الجمع بدقة وصرامة القواعد و الفن الابداعي المثير  للذة سماع القرآن والانتشاء بمعانيه  الجوانية عبر التجويد)

فالتجويد كفن ، هو محاولة تقريب المفاهيم القرآنية بالصوت الجميل المقرور، و يشترط في المقرئ، أو المرتل، أو المجود –اضافة الى الصوت الحسن- شروط أهمها :

الدراية الكبيرة بقواعد اللغة العربية، والبلاغة والعروض، وفقه اللغة ،بالاضافة الى قواعد علوم المقامات الموسيقية ،والطبقات الصوتية ،.حيث تعتبر مدارس التجويد التقليدية عبر تاريخ الحضارة العربية الاسلامية ،أكبر خزان موسيقي وغنائي،ومراكز لاكتشاف الأصوات الخام الطرية،وتدريبها بالطرق الصارمة لتطويع واسلاس النبرات وصقلها لتخليص الحنجرة"الخام"  من الشوائب والزيادات الشاذة والممجوجة ، بتلك  المناهج المتواترة عبر التاريخ منذ العصر العباسي الأول في زمن الرشيد

وكل مجود أو مقرئ للقرآن ، يمكنه أن يكون مطربا مجيدا، وبالمقابل فلن يتأتى لكل مطرب محترف، أن يصبح مقرئا أو مجودا مجيدا، ولا أدل على ذلك ،من أن كلا من الموسيقار محمدعبد الوهاب ،وسيدة الطرب أم كلثوم، قد فشلا في محاولتيهما في بداية حياتهما الفنية في تجويد القرآن ، فبدا أداؤهما  ذابلا وباهتا أمم صولات المقرئين  الكبارآنذاك  مثل المرحوم "الشيخ رفعت " الذي كان يطلق عليه "الصوت المعجزة " أو "الصوت الملائكي "من طرف نقاد الأصوات و الطرب والموسيقى المشهورين مثل الاستاذ "كمال النجمي" الذي غطي طيلة ربع قرن بتحليلاتها العلمية أصوات المطربين بمصر

 كما أنه أيضا ليس بامكان كل مطرب محترف أن يتقن غناء القصيدة أو الشعر المنظوم (كما عرف عن محمد عبد الوهاب والسيدة ام كلثوم  واسمهان،، ووديع الصافي وصبح فخري والسيدة فيروز ومن المغرب العربي  غبد الهادي بن الخياط وبوشناق(اذ القصيدة هي المحك الحقيقي للمؤهلات الصوتية للمطرب المعاصر و واختبارا حقيقيا لحسه الفني والتنغيمي والموسيقي، والتي لا علاقة لها بالحشرجات الميكروفونية، والصراخ المبتذل الذي أصبح يطلق عليه تجاوزا بالطرب والمغنى المشاع في القنوات المبتذلة حتى في رمضان المعظم

مشايخ التجويد والنهضة الموسيقية العربية  في بداية القرن الماضي

وفي نفس السياق، لابد من الاشارة الى دور هؤلاء الفنانين المهمشين في تاريخ  نهضة الادب والموسيقى في العالم العربي بعيدا عن الخلافات الفقهية-التي سأفرد لها بحثا خاصا في الجزء الثاني من هذا المبحث-

 وقد يبدو للبعض أن هذا التوضيح هو بمثابة استطراد، أو حشو، الاان ضرورته تكمن في وجوب ازالة  اللبس عن التجويد كثقافة شعبية أولا ، وكمنهج علمي صارم في فن المقامات والطبقات الصوتية، وكثرات عربي،حافظ على الأذن العربية(منذ العصر الأموي) من هجمة وتاثيرالرطانات المتوسطية"التي عج بها البحر الأبيض المتوسط ،بدءا من الاغريق ووصولا الى الأتراك، حيث رانت على السمع العربي –في مجال المغنى-،تلك اللثغات  واللكنات المتمثلة في العجمة العثمانية والرطانة الفارسية والفهاهة الغجرية التي عبثث بحناجر المطربين في بلاد المشرق العربي منذ القرن الثامن الهجري، حتى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي،

كما لا داعي هنا –بطبيعة- الحال- للافاضة في الحديث عن الارتباط الوثيق بين تجويد القرآن الكريم ،وبما يسمى "بالغناء العربي المتقن" الذي ظهر بأربعة قرون في العصر الأموي، سبقت ميلاد  لخلافات الفقهية حول جواز الغناء أوتحريمه ،عندما كتب أول كتاب عن الأصوات والسماع عنوانه"كتاب النغم" ل"يونس الكاتب" قبل أبي الفرج الأصبهاني في التأليف عن الغناء والموسيقى بمائتي عام تقريبا، وانما يكفي القول بأن الذاكرة الشعبية للمجودين ،هي التي حفظت لنا كل ما تدفقت به الكتب العربية عن الأصوات والمغنى والموسيقى –من الناحية العلمية- التي غطت أنشطة السماع والموسيقى في عصر بني العباس لأكثر من خمسمائة سنة ،ومن أشهرها كتب :الخليل بن أحمد، والكندي، والفارابي، وابن سيناء ، وصفي الدين عبد المؤمن الأرموي الذي غنى لهولاكو على أطلال بغداد بعد سقوطها سنة 656هجرية الموافق ل1258م، مع تعذر احصاء ما فقد من الكتب المفقودة بسقوط بغداد التي أغرقها التتار في دجلة ،أوما ضاع بسقوط غرناطة التي يعتبراستسلامها عام 1491للميلاد،بمثابة انهاء الوجود الاسلامي فى شمال المتوسط ،وبداية سيطرة الغرب على مقادير الأمة العربية بعد حين، حيث جاء رد الفعل الغربي -المسيحي الكارثي(اللاتسامحي) على العلم والثقافة الانسانية(1)، مقابل تسامح وأخلاقيات، ونبل المسلمين ابان فترة حكمهم ،

فبمجرد أن تم الاستيلاء على الأندلس من جديد، تم احراق الكتب العربية المترجمة واتلافها فى مرحلة غليان الانتقام الصليبي،-كرمز لاستأصال كل أثر تاريخي لمرور العرب هناك- .عندما أصدررئييس أساقفة اسبانيا الكاردينال "أكزيميس" مرسوما يقضي بحرق ثمانين ألف مخطوط عربي فى الأماكن العامة بغرناطة ،على سبيل المثال، بينما تذكر لنا المصادر التاريخية بأن "مكتبة الحكم الخليفة الأندلسي" كانت تضم وحدها ستمائة ألف مجلد مفهرسة في أربعة وأربعين سفرا، في حين أن المكتبة الملكية بباريس التى كانت أكبرمكتبة فىأوروبا (ولا تزال الى يومنا هذا) والمتأخرة عن مكتبة الحكم بأربعة قرون، لم تضم الا على تسعمائة كتاب أزيد من ثلثيها فى اللاهوت ،وحتى ما تم الابقاء عليه من مصادرعربية أفرغها الغرب من مضمونها الحقيقي الروحي والعلمي ،واختزلت الى مجرد دلائل "تقنية وفنية فارغة المحتوى والمضمون" مثل (خوارزميات ابو بكر الخوارزمى فى الالهيات والكونيات "والكوسمولوجيا" حيث تحولت الى مجرد "تقنيات" رياضية وحسابية أسموها "اللوغاريتمات" بدل اسم صاحبها الحقيقي، وأخذناها عنهم خطئا-أوقصدا- وهكذا فى سائر العلوم الفلكية والهندسة الفراغية والطبية والتشريحية.، وضاعت معها كتبا قيمة حول السماع والموسيقى،وشروحات مستفيضة حول نظريات زرياب (الكوسمولجية) في الموسيق ونهجه العلمي في تثبيت أركان المدرسة العراقية في غرب العالم العربي الاسلامي بالأندلس

والشاهدهنا ، هوأنه مع كل هذه الكوارث المتلاحقة على العالم العربي ،فان مشايخ القراء من المجودين – تلك الشريحة الفنانة المهمشة والمغمورة- هم الذين حافظوا خلال هذه المراحل كلها على أصالة السماع والموسيقى العربية، اذ كانوا هم بحق مؤسسي النهضة الموسيقية والغنائية بمصر وبلاد الشام -مثلا- من  المعممين ومن مشيايخ الأزهرمن العلماء والمقرئين  مثل الشيخان " الشيخ شهاب الدين  والشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب اللذان كانا مقرئان ومنشدان في الموالد  النبوية، وبرع المسلوب خاصة في التلحين ،بل وتفوق على بعض الأندلسيين في تلحين الموشحات الأندلسية، في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، حيث أعادا احياءما يسمى "بالدور الغنائي" أو" فن الدور" المستنبط من قواعد التجويد والقراءات، فتخلصت الحنجرة العربية من جديد، منذ بدايات القرن العشرين من مستنقع ألحان وتطريب عصر الانحطاط ،الذي أغرقته فيه الحشرجات الصوتية وأساليب العجمة  الاغريقية واللكنة التركية والرطانة الفارسية والفهاهة الغجرية التي سيطرت على الآذن العربية في المشرق لمئات السنين ،حيث احتفط المجودون المجهولون من حفظة التراث الشفهي الموسيقي المتواتر(عبر فن التجويد) بهذا التراث الفني الضخم الذي كان يتداول فقط في مناسبات المآثم، واحتفالات الأفراح التي يرافقها عموماانشاد قصائد المديح النبوي من طرف هؤلاء المشايخ أنفسهم ،علىنمط المقامات القديمة الأصيلة اتي قعد لها الموصليان (الأب والابن زمن الرشيد ببغداد) وطورها تلميذهما زرياب ،ثم نقلها الأندلسيون في هجراتهم ، وطردهم من الفردوس المفقود بعد سقوط غرناطة  في آخر القرن الخامس عشر الميلادي

ولا بد من التذكير هنا على سبيل المثال لا الحصر،أن هؤلاء المشايخ بفطرتهم الدينة الصافية ،والحساسية الفنية النقية جعلتهم يتبوؤون مكانة خاصة في قلوب العامة والخاصة، اذ صنعوا في السماع والغناء شبيه ما صنعه محمود سامي البارودي في الشعر،الذي ثارعلى الطريفة العثمانية، ورد الشعر العربي الى مراحله الحضارية الأولى الأصيلة المعروفة لدي الفحول الأوائل مثل الفرزدق، وجرير، والبحتري، وأبي تمام ،والمعري، والمتنبي، ولاعجب في ذلك، فالغناء اقترن عند العرب دوما بالشعر،

اقتران الغناء بالشعر عند العرب

يقول ابن خلدون في مقاربته السوسيو-ثقافية لكلام العرب فيقول :

"....أما العرب، فكان لهم -أولا-فن الشعر، يؤلفون فيه الكلام أجزاء متساوية على تناسب بينها في حروفها المتحركة والساكنة، ويفصلون الكلام في تلك الأجزاء تفصيلا ،يكون كل جزء منها مستقلا بالافادة ،لا ينعطف علىالآخر، ويسمونه البيت،فتلائم الطبع بالتجزئة والتناسب في المقاطع، ثم بتأدية المعنى المقصود،.فامتاز من بين كلامهم بحظ من الشرف ليس لغيره، لأجل اختصاصه بهذا التناسب،وجعلوه ديوانا لأخبارهم وحكمهم وشرفهم، ومحكا لقرائحهم فى اصابة المعنى، واجادة الأساليب واستمروا على ذلك...."

...ثم استطردابن خلون بعد ان بين العلاقة المحكمة ما بين الشعر العربى والنغم وارتباطه به فقال

" ...وتغنى الفتيان في قضاء حوائجهم ،فرجعوا الأصوات وترنموا ، وكانوا يسمون الترنم اذا كان بالشعر غناء ، واذا كان بالتهليل تغبيرا،لأنه يذكر بغابرالأيام وهو الباقي ، أى بأحوال الآخرة -حسب تعليل أبي اسحاق الزجاج-يؤكد ابن خلدون-، وربما ناسبوا في غنائهم بين النغمات مناسبة بسيطة،كما ذكر ابن رشيق ، وكانوا يسمونه بالسناد، وهكذا شأن العرب فى بداوتهم وجاهليتهم ..." انتهى كلام ابن خلدون

 والأغرب من ذلك ،أن المشايخ المعممين هم الذين كونوا "الأفندية " و"المطربشين"، فمشايخ  البارودي نفسه كانوا مشايخ  وفقهاءأزهريين في التلقين

كمااكتسب عبده الحامولي، أكبر مطرب عصر النهضة قبل حوالي مائتي عام علمه وقواعد الطرب ورهافة حسه من المشايخ والقراء الأزهريين،

 ومحمد القصبحي اخذ عن والده الشيخ علي القصبجي القواعد الأولى  في فن الغناء والتلحين

 والشيخ المقرئ والفقيه أبو العلا محمد هو أول ملحن طابق ما بين اللحن والاداء في عصره ،وتبعه في ذلك سيد درويش متتلمذا عليه ،

وهو مكتشف أم كلثوم الأول- التي هي ثلاثة أرباع الغناء العربي الحديث كما يقول أهل الاختصاص ،وهذا الشيخ المقرئ المجود ،هوالذي وضعها على الدرب الغنائي والموسيقى عندما كان صوتها ما زال متأرجحا ما بين سذاجة الطفولة ونضارة الشباب مما جعلها تتبوؤ مكانة خاصة في تاريخ الغناء العربي منذ العصر العباسي، لانها غنت من القصائد العربية ما لم يغنه أحد قبلها ، ولابعدها، بسبب ثقافتها الأصية الماخوذة عن  الفقهاء والمقرئين والتحامها مع لغة الأزهريين المتينة و الصافية ، من حيث القواعد والنطق ، وتعلمت الاداء والحس الفني والروحي  والانفعال مع الكلمة من مشايخ قراء زمنها 

والشيخ سيد دوريش غني عن البيان الذي بدأحياته الفنية مقرءا، ثم منشدا في الموالد

والموسيقارمحمد عبد الوهاب أخذ عن شيخ المقرئين ،وأعجوبة زمانه في التجويد الشيخ علي محمود الذي خطا خطوات هائلة في التلحين والغناء  ومع ذلك لم يتخل قط  عن التجويد، بينما تخرج على يديه رعيل من الملحنين والمطربين والقراء مثل  سيد مكاوي الذي بدا حياته مقرءا ومجودا مجيدا في المساجد، ثم محمد عبد الوهاب في قفزته النوعية في الأداء الغنائي والتطوير الموسيقي الذي أصبح أمة واحدة في مجال الموسيقى والمغنى

 ومن هذا السياق يتبين لنا كم من أفضال لهولاء القراء المشتغلين والمنشغاين بهذا  الفن السماوي  الذي اسمه التجويد على الأمة فنيا وروحيا

للبحث صلة ...وسنتناول في الجزء الثاني  فن التجويد  والخلافات الفقهية.