الْمُغالاةُ فِيْ الْفُرُوْسِيَّةِ

الْمُغالاةُ فِيْ الْفُرُوْسِيَّةِ

فِيْ شِعْرِ عَنْتَرَةَ الْعَبْسِيِّ

معتز عبد الحميد صقر

كلية دار العلوم – جامعة القاهرة

[email protected]

درست في الفرقة الأولى بكلية دار العلوم شعر العبيد علي يد الأستاذ الدكتور/محمد أبو المجد علي البسيوني .

في خلال دراستنا تناولنا آثار الثقافات الأجنبية على شعر العبيد، وكان منها تأثير الأحباش على شعر العبيد .

يرى أستاذنا أن من المتأثرين بالأحباش عنترة بن شداد العبسي، حيث أن شعره يتسم بالمغالاة في الفروسية وهي مما برع في استخدامه الأحباش، فهم كما أخبرنا الأستاذ أبو المجد في كتابه ( شعر العبيد في الجاهلية وصدر الإسلام، ج3، ط3، ص52، دار المروة ) قائلا: " فالأحباش كما يقول الدكتور أحمد محمد الحوفي ( صُبُر على القتال، خِفاف الحركة "، بالإضافة إلى أن أمه كانت أمة حبشية، فمن الطبيعي أن يتأثر بأمه وأن تأثر هي فيه، ونفى الأستاذ أن يكون عنترة متأثرا في المغالاة في الفروسية بالعرب لأنهم لم يكونوا مغالين فيها.

ولكني – مع احترامي لرأي أستاذي – عرضت لي رأيا مخالفا، فأنا أرى أن عنترة متأثر في ذلك بقوم أبيه، أو بالعرب الأحرار عامة، لا بهؤلاء الأحباش .

لم يكن عنترة كباقي العبيد راض بما هو فيه من ذل العبودية وغيره من إهاناتها، بل لقد كان متطلعا إلى الحرية بمزاياها العديدة، وساعده على ذلك قوته المفرطة - كما يوضح لنا شعره - ونسبه العريق من جهة الأب، وقد ذكر أستاذنا ذلك في كتابه سالف الذكر ( ص21 )، فقال: " اتخذت العبودية عند عنترة اتجاها نحو التسامي والاستعلاء "، ومن الطبيعي أن يقلد الأحرار ويتشبه بهم فيما يهتمون به ويَتَّسِمون، وكان من بين هذه الاهتمامات الفروسية، فهو يبالغ فيها ويغالي بقدر تطلعه إلى الحرية .

بل إني أرى أن كون أمه حبشية لا يُعَدّ دليلا على رأي أستاذي، فلقد أخذتني الجرأة أن أجعله دليلا لصالحي، أو على رأيي، فلقد كان يعتبر نسبه لأمه سوءة يعير بها فيحاول أن يواريها، ولقد ذكر أستاذي ذلك أيضا في نفس الكتاب السابق الذكر في ( ص24 ) فقال: " ويَقرأ بيتاً واحداً لعنترة فيَعْرِف أنه كان هجيناً، وأن أباه كان ذا مكانة رفيعة في قبيلته، وأنه كان يعير بنسبه لأمه، وأن نظرة العرب للهجين تختلف عن نظرتها للحر الصريح وأنه كان يتعالى بالفروسية ليستر عن عيون الناس ضعة الأصل ورقته من جهة الأم ؛ يقول عنترة:

إنِّي امْرُؤٌ مِنْ خَيْرِ عَبْسٍ مَنْصِِباً           شَطْرِيْ وَأحْمِيْ سائِريْ بِالْمُنْصُلِ"

من المؤكد أن شخصا مثل هذا - يوشك أن يكره أمه لِما يجري له بسببها - لن يحاول أن يفكر في فعل شيء يجعل الناس يشكون ولو للحظة أن بينه وبين قوم أمه نسب .

وأخيرا وليس بآخر، أنبه إلى أن هذا لم يكن أول طرحي لهذه القضية، بل لقد عرضتها أولا على الأستاذ محمد أبو المجد نفسه في محاضرة ما، ولكنه قد رفض رأيي هذا بعد برهة صمت منه قائلا: " احتفظ برأيك انفسك " .

والآن، وبعد أن وفقني الله أن آتي بدلائلي وحججي من كتاب الأستاذ أبو المجد ذاته، فهل يبقى شيء لنقول أن عنترة قد ورث مغالاته في الفروسية عن أهل أمه الأحباش ؟!

أسأل الله الصحة لهذا المكتوب فالقبول، أو التصحيح له فالعذر لي .