التقويم الهجريّ والميلاديّ
تفسير القرآن بالقرآن
التقويم الهجريّ والميلاديّ
د. محمد عناد سليمان
ذكر «القرآن الكريم» التَّقويم «الميلاديّ»؛ و«الهجريّ» وجمعهما قوله تعالى: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً﴾ الكهف:25. والمراد من قوله: ﴿ثَلَاثَ مِئَةٍ﴾ عددَ السِّنين التي لبث فيها «أهل الكهف» من حيث التَّقويم الميلاديّ، أمَّا قوله تعالى: ﴿وَازْدَادُوا تِسْعاً﴾ فهي تشير إلى عدد السِّنين حسب التَّقويم الهجريِّ.
وأشيرُ هنا إلى أنَّني استخدمتُ مصطلحي «الميلاديّ»، و«الهجريّ» جريًا على ما اتَّفق النَّاس على تسميته، لكنَّه استخدامٌ كما أراه لا يصحُّ من حيث الدَّورة الفلكيَّة لـ«لشَّمس» و«القمر»، إذ الأوْلى أنَّ يسمَّى الأوَّل: «الشَّمسيّ»، والثَّاني: «القمريّ»، يدفعُني إلى ذلك أمورٌ:
منها: أنَّ التَّقويم «الهجريّ» بتسميته هذه لم يكنْ معروفًا أو مشهورًا لدى «العرب» عند نزول «القرآن الكريم». يؤيِّدُ ذلك ما انتشر بين ثنايا كتب «المفسِّرين» على نحو ما نجده لدى «الرَّازيّ» إذ يقول: «كانت المدَّة ثلاث مئة سنة من السِّنين الشَّمسيَّة، وثلاث مئة وتسع سنين من القمريَّة»، ونظيره قول «القرطبيّ» فيما يحكيه عن «النَّقَّاش»: «وحكى النَّقَّاش ما معناه: أنَّهم لبثوا ثلاث مئة سنة شمسيَّة بحساب الأيَّام، فلمَّا كان الإخبار هنا للنَّبيّ e العربيّ ذكر التِّسع، إذ المفهوم عنده من السِّنين القمريَّة، وهذه الزَّيادة هي ما بين الحسابين، ونحوه ذكر الغزنويّ. أي: باختلاف سنيّ الشَّمس والقمر؛ لأنَّه يتفاوت في كل ثلاث وثلاثين وثلث سنة سنة، فيكون في ثلاث مئة تسع سنين»، وهذا القول ذكره أيضًا «أبو حيَّان» في تفسيره. إضافة إلى أنَّ لفظ «الهجريَّ» لم يكن معروفًا عند «أهل الكهف» أنفسهم.
ومنها: أنَّ «القرآن الكريم» قد نصَّ على أنَّ مدار «الفلك» ومعرفة «الأيَّام» و«الأوقات» إنَّما يعتمدُ على «الشَّمس» و«القمر» في آيات كثيرة، وليس على ميلاد أحدٍ أو هجرتِه جريًا على المفهوم القرآنيّ نفسه. منها قوله تعالى: ﴿فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ الأنعام: 96؛ بل إنَّ «القمر» هو الذي يجب الاعتماد عليه في معرفة «السِّنين» وحسابها، وهو ما أسمِّيه «التَّقويم القمريّ» كما في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ يونس: 5؛ وفي ذلك يقول «القرطبيّ»: «وقيل: إنَّ الإخبار عن القمر وحده؛ إذ به تُحصى الشُّهور التي عليها العمل في المعاملات ونحوها».
كما نصَّ في آية واضحةٍ أنَّه لا يمكن أن يحدثَ خللٌ «فلكيّ» أو «زمنيّ» نتيجة تداخل «الشَّمس» و«القمر» فقال تعالى: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ يس:40.
وقد بيَّن العلماء أنَّ «منازل القمر» ثمان وعشرون منزلة، وكانت العربُ تَنسبُ إليها «الأنواء»، وهي: «الشَّرطين»، و«البطين»، و«الثُّريَّا»، و«الدَّبَرَان»، و«الهقعة»، و«الهنعة»، و«الذِّراع»، و«النَّثرة»، و«الطَّرف»، و«الجبهة»، و«الدَّبرة»، و«الصَّرفة»، و«العواء»، و«السِّماك»، و«الغفر»، و«الزَّبانان»، و«الإكليل»، و«القلب»، و«الشَّولة»، و«النَّعائم»، و«البلَدة»، و«سعد الذَّابح»، و«سعد بلع»، و«سعد السُّعود»، و«سعد الأخبية»، و«فرع الدَّلو المقدَّم»، و«فرع الدَّلو المؤخَّر»، و«الرَّشاء» وهو «بطن الحوت».
وهذه «المنازل» مقسَّمة على «اثني عشر» «برجًا»، لكلِّ «برجٍ» منزلة وثلث المنزلة، وهي: «الحمَل»، و«الثَّور»، و«الجوزاء»، و«السَّرطان»، و«الأسَد»، و«السُّنبلة»، و«الميزان»، و«العقرب»، و«القوس»، و«الجدي»، و«الدَّلو»، و«الحوت»، «حيث ينزل القمر كلَّ ليلة منزلاً منها، ويستتر ليلتين إن كان الشَّهر ثلاثين، وإن كان تسعًا وعشرين فليلة واحدة، فيكون تلك المنازل، ويكون مقام الشَّمس في كلِّ منزلة ثلاثة عشر يومًا، فيكون انقضاء السَّنة مع انقضائها».
وبالعودة إلى آية «الكهف» نجدُ أنَّها قد بيَّنت بدقَّة الوقتَ الزَّمنيّ الذي تتكوَّن منه السَّنة «الشَّمسيَّة»، والسَّنة «القمريَّة»، في بيان إلهيّ واضح، حيث تقابل كلَّ «300» سنة «شمسيَّة» تامَّة، «309» سنة «قمريَّة» تامَّة، ولبيان ذلك نقدِّمُ التَّصوَّر التَّالي:
لا بدَّ أن نبيَّنَ عدد الأيَّام التي تتكوَّن منها السَّنة «القمريَّة» المقابل لعدد أيَّام السَّنة «الشَّمسيَّة»، وبما أنَّ الحسابات «الفلكيَّة» قد وضَّحت أنَّ عدد أيام السَّنة «الشمسيَّة» هي: «365,2422» يومًا، فهذا يعني أنَّ عدد أيَّام «300» سنة «شمسيَّة» ينبغي أن تساوي بالضَّرورة على حسب المفهوم القرآنيّ عدد أيَّام «309» سنة «قمريَّة».
أي: طول السَّنة الشَّمسيَّة × 300 ÷ 309 = طول السَّنة القمريَّة؛ وبعملية حسابيَّة رقميَّة يصبح:
365,2422 × 300 = 109,572066 ÷ 309 = 354,604077669903 يومًا قمريًّا.
يظهر إذن أنَّ عدد أيَّام السَّنة «القمريَّة» تساوي: «354,604077669903» يومًا، ولتأكيد ذلك فإنَّه ينبغي أن يكون طول السَّنة «الشمّسيَّة» مساويًا لطول «السَّنة القمريَّة»، مما يعني بالأرقام:
365,2422× 300 = 354,604077669903 × 309
109572,66 = 109572,66
واعتمادًا على ما سبق نستطيع أن نثبتَ صحَّة اعتماد «هجرة» النَّبي e كتقويم صحيح، لا مراء فيه على نحو ما يسعى بعضُ الباحثين التَّشكيك فيه، وهو لا يختلف عن التَّقويم «الميلاديّ» في هذا العام «2015م». وذلك من خلال الشَّرح التَّالي:
من المعلوم أنَّ السَّنة الأولى للهجرة كانت تقابل سنة «622» ميلاديَّة، وبعد حذف سنة «ميلاديَّة» التي تقابل السَّنة «الهجريَّة» الأوْلى يكون ما يلي:
2015 - 621 = 1394 سنة ميلاديَّة.
وباعتماد الحساب القمريّ المبيَّن في الآية القرآنيَّة ينتج عندنا أنَّ المدَّة من حيث «التَّقويم القمريّ» هي ذاتها بدقَّة أكبر، أي:
1436 ÷ 309 × 300 = 1394,174757281553 سنة «شمسيَّة»، ولم أقف فيما بين يديَّ من المصادر والأبحاث من سبقني إلى استنباط فارق «التَّقويم» اعتمادًا على هذه الآية والله تعالى أعلم.
وبعمليَّة حسابيَّة أدقّ من خلال الأيَّام يظهر ما يلي:
1436 × 354,604077669903 = 509,211,45553398 يومًا قمريًّا منذ هجرة النَّبيّ e حتى عام «2015م».
وبالحساب «الشَّمسيّ» «الميلاديّ»:
1394,174757281553 × 365,2422 = 509,211,45553398, يومًا شمسيًّا أي «ميلاديًّا».
يظهر مَّما سبق بما لا يدعُ مجالا للشَّكّ أنَّ «القرآن الكريم» قد بيَّن التَّقويم بنوعيه «الشَّمسيّ» و«القمريّ» ليعلم النَّاس عدَد السِّنين والحساب، والله تعالى أعلم.