وجاء دور الإسلام 3
فارس عند بزوغ فجر الإسلام
د. فوّاز القاسم / سوريا
كانت فارس التي شاطرت الروم في حكم العالم المتمدن قبل الإسلام ، الحقل القديم لنشاط كبار الهدامين الذين عرفهم العالم ، وكان أساس الأخلاق لديهم متزعزعاً مضطرباً ، فقد كانوا يجيزون زواج المحارم ( لقد تزوج يزدجرد الثاني الذي حكم في أواخر القرن الخامس الميلادي ابنته ثم قتلها ، وتزوج بهرام جوبين الذي تملك في القرن السادس بأخته ).
وكانوا يقدّسون الأكاسرة ، ويزعمون أن الدم الإلهي يجري في عروقهم ، ويرونهم فوق القانون وفوق الانتقاد وفوق البشر ، ويعتقدون أن لهم حقاً على كل إنسان ، وليس لإنسان حق عليهم ...
وكذلك اعتقادهم في البيوتات الروحية والأشراف من قومهم ، فيرونهم فوق العامة في طينتهم ، وفوق مستوى الناس في عقولهم ونفوسهم ، ويعطونهم سلطة لا حد لها ، ويخضعون لها خضوعاً كاملاً ...
وكانوا يبالغون في تمجيد القومية الفارسية ويرون أن لها فضلاً على سائر الأجناس والأمم ، وأن الله قد خصها بمواهب ومنح لم يشرك فيها أحداً ، وكانوا ينظرون إلى الأمم من حولهم ( وخاصّة العرب ) نظرة ازدراء وامتهان ، ويلقبونها بألقاب فيها الاحتقار والسخرية .
ولم يكن النظام المالي والسياسة المالية في إيران عادلة مستقرة ، بل كانت جائرة مضطربة ، وكانت تابعة لأخلاق الجباة العاملين وأهوائهم والأحوال السياسية والحربية ، وكان الجباة لا يتحرزون من الخيانة واغتصاب الأموال.
ولقد اعتاد ملوك إيران من القديم أن يكتنزوا النقود ، ويدخروا الطرف والأشياء الثمينة .. وكان الغنى الفاحش لأفراد معدودين ، والفقر المدقع للملايين ...
وهكذا ضاعت رسالات الأنبياء ، والأخلاق الفاضلة ، والمبادئ السامية ، في العالم المتمدن المعمور آنذاك : بين غنى مطغ ، وفقر منس ...!!!
وأصبح الغني في شغل عن الدين ، والاهتمام بالآخرة ، والتفكير في الموت ، وما بعده بنعيمه وترفه ...
وأصبح الفلاح أو العامل في شغل عن الدين كذلك ، لهمومه وأحزانه وتكاليف حياته ، وأصبحت الحياة ومطالبها همَّ الغني والفقير وشغلهما الشاغل ، وكانت رحى الحياة تدور حول الناس في قوة لا يرفعون فيها إلى الدين والآخرة رأساً ، ولا يتفرغون لما يتصل بالروح والقلب والمعاني السامية ساعة .
وأما في مجال العقيدة فقد بلغوا أسفل الدركات ، حيث كانوا يعبدون النار ويبنون لها الهياكل والمعابد ...
ولما كانت النار لا توحي إلى عبّادها بشريعة ، ولا ترسل رسولاً ، ولا تتدخل في شئون حياتهم ، ولا تعاقب العصاة والمجرمين ، فقد أصبحت الديانة عند المجوس عبارة عن طقوس وتقاليد يؤدونها في أمكنة خاصة وفي ساعات خاصة ، أما في خارج المعابد ، وفي دورهم ودوائر حكمهم وتصرفهم ، وفي السياسة والاجتماع ، فكانوا أحراراً يسيرون على هواهم وما تملي عليهم نفوسهم ، أو ما يؤدي إليه تفكيرهم ، أو ما توحي به مصالحهم ومنافعهم ، شأن المشركين في كل عصر ومصر .
وأما الهند والصين فقد اتفقت كلمة المؤلفين في تاريخهما على أن أحط أدوارهما ديانة وخلقاً واجتماعاً ذلك العهد الذي يبتدئ من مستهل القرن السادس الميلادي ، ولقد ساهمتا مع جاراتهما وشقيقاتهما في التدهور الخلقي والاجتماعي ، الذي شمل الكرة الأرضية في هذه الحقبة من الزمن ، وأخذتا نصيباً غير منقوص من هذا الظلام الذي مد رواقه على المعمورة ، وامتازتا عنها في ظواهر وخلال يمكن أن نلخصها في ثلاث نقاط : كثرة المعبودات والآلهة كثرة فاحشة ، والشهوة الجنسية الجامحة ، والتفاوت الطبقي المجحف والامتياز الاجتماعي الجائر.