هل يحبّ طفلك القراءة؟
م. محمد عادل فارس
يتعلم الأطفال القراءة في المدرسة. ومع تعلّمها تبدأ رحلتهم في المطالعة، والتعرف إلى مختلف العلوم والمعارف... لكن كثيراً من الأطفال تبقى قراءتهم مقتصرة على الكتب المدرسية وحدها... وهي غير كافية لتنشئة إنسان واعٍ بما حوله، مُلمّ بطرف من العلوم، يواكب ما في الحياة العصرية من متغيرات.
والله تعالى نبّه إلى أهمية القراءة، حين جعل أول توجيه للإنسان في خاتمة الرسالات التي أخرجت للناس: }اقرأ{، فكانت القراءة مفتاح المعرفة والهداية.
والقراءة علم قائم بذاته، لا يقل أهمية عن أي مادة من المواد التي يدرسها الطفل في المدرسة، بل ربما يجاوزها أهمية.. فالطفل حين يحسن القراءة، سوف يفهم ما يدرس جيداً، وحين يحب القراءة والكتاب، فهذا يعني أن يُقبِل على القراءة، وتثقيف نفسه، وهذا هو "التعلم المستمر".
أما حين لا يُقبل الطفل على القراءة، فهذا يعني توقُّف نموه الذهني والمعرفي، بل قد يعني الردّة للأميّة والجهل.
دور الوالدين في تعليم القراءة:
يحاول كثير من الآباء أن يعلّموا أطفالهم القراءة قبل الأوان، لكن هذا لا يفيد. فأنسب وقت لتعلم القراءة هو سنّ السادسة تقريباً... مع مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال. فبعضهم يبدأ قبل السادسة، وبعضهم يستعدّ لتعلم القراءة بعد تجاوزها... فالأمر يشبه تفاوت موعد المشي أو النطق... من طفل لآخر. لذلك فإرغام الطفل على تعلّم القراءة قبل استعداده لها قد يضرّ به، وربما يجعله يفشل ويتعثر في تعلمها، أو ينفر من القراءة مستقبلاً.
ويعتمد استعداد الطفل للقراءة على صحته الجسمية، ونموّه اللغوي والعاطفي والاجتماعي. غير أن بالإمكان مساعدته بإنشاء صداقة مبكرة بينه وبين الكتاب، واختيار الكتب ذات الصور الملوّنة لتحبيب الكتاب إليه..
ولكي نغري الطفل بالقراءة، علينا أن نقرأ له، ونخبره أن بإمكانه أن يقرأ ما يشاء عندما يكبر ويتعلم القراءة.
وإذا ما أتقن الطفل القراءة، علينا متابعته كي ينوع قراءاته، ثم علينا أن نعوّده على القراءة الصامتة، وإن كانت القراءة الجهرية مطلوبة لتحسين نطق الكلمات لديه، ثم لابدّ من تدريبه على زيادة السرعة في القراءة مع فهم ما يقرأ.
فالقراءة مهارة يمكن إتقانها جيداً بالتدريب والممارسة... والطفل حين يتقن القراءة سيصبح قادراً على تحصيل دروسه بسرعة أكبر وجهد أقلّ، وهذا بدوره سيمنحه وقتاً فائضاً يقرأ فيه ما يحبّ، وهذا شيء جيد بلا شك، فإذا قرأ الطفل عرف المزيد }قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون{.
وكلما ازداد قراءة، زادت معرفته بنفسه، واكتشف قدراته وطاقاته، وذلك سبيل للنجاح في الحياة، ومدعاة لمزيد من الثقة بالنفس والاعتزاز بها. كما أن القراءة تُثري قاموسه اللغوي، وتساعده على تمييز الرديء من الجيد.
عوامل مؤثرة في علاقة الطفل بالقراءة:
قسم العلماء العوامل التي تؤثر في علاقة الطفل بالقراءة إلى أقسام، هي:
1- العوامل المادية: كالصحة والبصر، والسمع ووقت القراءة ومكانها، والضوء، وهيئة الجلوس.
2- سرعة القراءة: هل هي قراءة كلمات أم عبارات كاملة؟ وهل تتغيّر السرعة بتغيّر طبيعة المادة المقروءة؟
3- القراءة الجهرية: لابد من نطق الكلمات صحيحة دون جهد، وبشكل يفهمه السامع.
4- الحصيلة اللغوية: هل قاموس الطفل واسع؟ هل يفهم الكلمات الصعبة والجديدة؟ هل يلجأ إلى المعجم؟
5- الفهم والاستيعاب: ما الهدف من القراءة؟ هل يصل إلى الفكرة الأساسية للموضوع المقروء؟ هل يدير في رأسه ما قرأ؟
6- أشياء تعين على القراءة: هل يجيد استخدام دوائر المعارف: الأطلس، المعجم... وهل يعرف كيف يقرأ صورة؟
7- ماذا يقرأ
*****
من خلال ملاحظة هذه العوامل ودراستها، نستطيع تلمّس طبيعة العلاقة بين الطفل والقراءة، ومعرفة السلبيات، والعمل على علاجها، وتنمية وعي الطفل بالقراءة والمداومة عليها..
أنواع كتب الأطفال:
لابد للطفل أن يتدرب على ألوان عدة من القراءة، ويجب ألا تقتصر قراءته على القصص، بل لابد أن تمتدّ لتشمل الشعر، والموضوعات المختلفة في شتى العلوم.
وسنورد هنا تصنيفاً لإحدى مكتبات الأطفال، يعطينا صورة عن الاهتمامات الرئيسة للأطفال فيما يقرؤون:
كتب الصور... كتب سهلة لمن يتعلمون القراءة، القصص الخيالية والأساطير الشعبية، الملاحم، سير الأبطال والمشاهير، الكتب الدينية، الاستكشافات والرحلات، التاريخ، التاريخ الطبيعي: عالم النبات، وعالم الحيوان، العلوم البحتة: الفلك، الكيمياء، الفنون والمهارات اليدوية، التمثيليات: وكيفية أدائها وإخراجها، الشعر، والقصص الأدبية... كل ذلك بما يناسب المرحلة العمرية والتحصيل المدرسي والتدرج في الاطلاع...
كم كتاباً يقرأ الطفل في طفولته؟
قليلة هي الدراسات العربية حول الطفل والقراءة، خاصة في الجانب الميداني. وترجمة ما يكتب في الغرب لا يفيدنا في هذا المجال، لأن ما يقال عن أطفالهم قد لا ينطبق على الطفل العربي.
ولعل بعض المهتمين يرى أن موضوع الكمّ لا يُعوّل عليه كثيراً، إذ إن قراءة كتاب واحد واستيعابه أجدى من القراءة السريعة اللاهثة لعشرة كتب! لكن التراكم الكمّي لابد أن يثمر "كيفاً"، كما أن الكم يأتي نتيجة العادة، وغرس عادة القراءة في الطفل أمر أساسي لبناء عقل متطلع لمزيد من المعرفة دوماً. وتشير الأبحاث إلى وجود علاقة قوية بين القراءة الشاملة، والقراءة المركّزة..
مقترحات لتشجيع الطفل على القراءة
*****
وفيما يلي مقترحات تساعد المربّين في مهمتهم::
2- وفّر لهم الحوافز ليقرؤوا ما يفضلونه..
3- وفّر لهم كتباً متنوعة تناسب ميولهم وأعمارهم.
4- شجّعهم على إبداء آرائهم فيما يقرؤون.
5- دعهم يشاركون في اختيار الكتب وشرائها.
6- شجّعهم على الإنصات للقصص المسجّلة على أشرطة، وتمثيل أدوار شخصيات النص فيما بينهم.
القراءة والكمبيوتر والإنترنتت
الجواب يتوقف على حسن التوجيه. وعلى سبيل المثال لا يزال المثقف الغربي، طفلاً كان أو يافعاً أو كبيراً، يلتهم الكتب قراءةً، في القصة والأدب عموماً، وفي العلوم والسياسة والفكر. وحين تركب القطار الذي ينقلك من حي إلى آخر في مدينة أوروبية، أو ينقلك من مدينة إلى أخرى، فلن يغيب عن عينيك رؤية أناس من مختلف الأعمار يستغلون أوقاتهم بقراءة كتاب ما، كما تجد بعضهم يحمل ";اللاب توب" ويعمل فيه قراءة وكتابة وبحثاً.
بمقابل ذلك ترى كثيراً من أبنائنا لا يكادون يتعاملون مع الكمبيوتر إلا في مجال الألعاب والتسلية، ولا يستفيدون من الإنترنت إلا بـ"سحب" البحوث والموضوعات التي تطلبها منهم المدرسة من غير أن يقرؤوها أو يفهموا مضمونها... إنهم يقدّمون "واجباً مدرسياً" وينالون عليه علامة النجاح! وبذلك صرنا نرى أشباه أميين ويحملون شهادات دراسية متوسطة أو عالية!
ألا فلنعد إلى الكتاب، ولنشجع أبناءنا على القراءة.