السيسي.. معركة الصناديق!!
علاء الدين حمدي شوَّالي
ــ فى الأول من ابريل 2010، شهدت قبة مجلس الشعب ما أحسبه أخطر استجواب برلمانى تشهده مصر منذ تأسيس أول مجالسها النيابية فى 22 اكتوبر 1866، حين كشف النائب المحترم "أشرف بدر الدين" عن إختفاء مبلغ 1272 مليار جنيه ـ تريليون و272 مليار جنيه ـ قيمة أرصدة الصناديق والحسابات الخاصة، تعمدت الحكومة إغفاله فى الموازنة العامة للدولة بعيداً عن رقابة مجلس الشعب أو الجهاز المركزى للمحاسبات، وهو مبلغ تفوق قيمته، وقتها، مجمل الناتج المحلى، ويساوى 446% من إجمالى إيرادات الموازنة العامة ويقدر بـ 14 ضعف عجزها !
وتسائل النائب عن أين تذهب أموال هذه الصناديق والحسابات، ولخص طلبه فى ضرورة ضم حصيلتها الى موازنة الدولة واخضاعها للجهات الرقابية المختلفة بإعتبارها أموالاً عامة.
ــ وقتها كان رأيى أنه رغم عظمة الاستجواب وخطورته، إلا أن النائب المحترم بحث عن آلية الحساب وضبط النتائج ولم يتعرض للنقطة الأكثر خطورة وأهمية .. من أين تجمعت حصيلة تلك الصناديق والحسابات فى الأساس واين تذهب، وماذا عن شرعية تحصيلها ؟ وهذا تحديداً هو بيت القصيد .. شرعية تحصيلها !
ــ فالصناديق الخاصة، وما على شاكلتها، مجرد ملاعيب وحَيَّل لـ "تقليب" المواطن وتفريغ جيوبه تحت مسمى التبرع الإجبارى! مع أننى لا أفهم كيف يستقيم المعنى بين كونه تبرعاً وكونه إجبارى ؟! خاصة والقانون فى مصر المحروسة يُجَرِّم تحصيل أى مبالغ مالية إلا بقانون !
ــ وإن كنت لا تعلم عزيزى المواطن، فالتبرع الإجبارى، أو حصيلة الصناديق الخاصة، يشمل كل ما تدفعه سيادتك من مبالغ مالية للجهات المختلفة خلاف تلك المحصلة بالقسائم الحمراء المشهورة التى تحمل خاتم وزارة المالية ! بداية من طوابع معونة الشتاء الى تذاكر الزيارة فى أى مستشفى حكومى، لاحظ انها غير موجودة فى المستشفيات الخاصة !، وليس نهاية بمصاريف تركيب عدادات المياه والكهرباء والغاز، مروراً بـ "الكارتة" التى تفرضها المحليات على مداخل ومخارج المدن ومواقف سيارات النقل الجماعى، أو رسوم إستخراج بطاقة الرقم القومى أو تراخيص المرور عدا الضريبة، أو رخص المحليات بأنواعها المختلفة، الى رسوم توصيل المرافق بما تشمله من تبرعات أخرى "متعارف" عليها !!
ــ أما المُحَصَّل لأجله، فيختلف بإختلاف الوزارة أو المحافظة او الوحدة المحلية، من تبرعات لصالح مشروعات وهمية تحت مسمى تجميل المدن أو تشجير الشوارع أو دعم شركات الخدمات العامة أو الأبنية التعليمية أو الصحة والبيئة، أو رسوم النظافة على ايصالات الكهرباء، أو لإنشاء جامعة أو كلية تكون "سبوبة" لحصد التبرعات "ببشاعة" منقطعة النظير، وغير ذلك مما يمكن أن يخطر ببالك من مبالغ تحصل جميعها بايصال عادى غير رسمى وبدون ختم أو توقيع، لا يتابعه ولا يحتفظ به أحد، ولا يصلح مستنداً أمام القضاء، مجرد ورقة لخداع المواطن دون قانون أو مرسوم أو أى شىء رسمى "يجبره" على التبرع، اللهم إلا نظرة التهديد والوعيد فى عين الموظف المختص، تلك التى يرمق بها المواطن الفريسة اذا "تسائل" وتجاوز وسأل عن قانونية التحصيل أو عن نتيجة عدم الدفع !!!
ـ أما المستفيد الحقيقى من حصيلة تلك الصناديق، فتذهب غالبيته لغير السبب المحصلة او المجباة لأجله، حيث يوزع كمكافآت وبدلات ومقابل جهد إضافى وولائم وحفلات وكل ما يمكنك تخيله من أوجه إنفاق أموال سهلة بهذا الكم لا تخضع لرقيب ولا حسيب ولا أى رقابة من أى نوع اللهم إلا رقابة ضمير القائم عليها ! ذلك الذى سمح له ضميره أصلاً بالعمل ساعتين أو ثلاث بينما يتقاضى أجره، متذمراً، عن 8 ساعات عمل حسب القانون !!
ـ وفى مقال سابق بعنوان "مصر .. الإحماء قبل رفع الدعم"، أشرت الى ضرورة التعامل مع حصيلة الصناديق الخاصة، فإما الغائها وتركها فى جيوب المواطن مقابل رفع الدعم، وإما ضمها بكاملها لموازنة الدولة فتغنيها أصلا عن رفع الدعم، وفى الحالتين سيدفع المواطن من جيبه قيمة ذلك الدعم دون تحميل أعباء على الدولة.
وستتضح الفكرة بإستخدام لغة الأرقام، فلو عدنا لتصريح الرئيس السيسى فى ذكرى العاشر من رمضان الجارى عن قيمة الدعم الذى قدره جميعه بمبلغ 400 مليون جنيه يوميا، أى 146 مليار جنيه سنويا تذلنا بها الدولة ونظمها المتتالية ذُلّ الإبل، بينما تترك موظفيها لتقليب جيوبنا بتسعة أضعاف هذا المبلغ هى حصيلة الصناديق الخاصة، ليعود هذا الجيش من الموظفين فيستفيد من الدعم !!!
أيضاً فالموازنة العامة للدولة للعام المالي 2014/2015، تقدر بنحو 1016 مليار جنيه، يعنى تقل بمبلغ 256 مليار جنيه عن حصيلة الصناديق الخاصة التى ذكر الإستجواب أنها بلغت 1272 مليار جنيه حتى 2010 ، فى حين بلغ العجز الكلى 239.9 مليار جنيه، وبلغ الدين الحكومي 2200 مليار جنيه للعام المالي 2014/2015 وبعد رفع نسبة كبيرة من الدعم، بينما بلغت فائدة الدين 199 مليار جنيه سنويا !! بما يعنى أن مصر من أغنى دول المنطقة بالفعل، ولكنه غنى طبقات محددة ليس تحت السيطرة فلا يصب فى وعاء الدولة الرسمية ليستفيد منه الجمبع !!
ــ والملفت للنظر، ولا أدرى إن كان ذلك صدفة أم استجابة لما تناولته قى ذلك المقال، فقد صدر قرار الرئيس السيسى بضم نسبة 10% من حصيلة الصناديق الخاصة الى الموازنة العامة للدولة ! والتعجب هنا مصدره عدة ملاحظات:
الأولى: أن قرار الرئيس جاء بعد اعتماد الموازنة العامة، بمعنى أنه لا أحد حول الرجل يساعده بالرأى والمشورة عن خفايا وخبايا مصر العميقة.
الثانية: أن قرار الرئيس هو إعتراف صريح بعدم شرعية تلك الصناديق، وعدم دخولها ضمن موازنة الدولة وعدم خضوعها لأى جهة رقابية بما فيها الجهاز المركزى للمحاسبات رغم أنها أموال عامة !
ونلاحظ أن الصيغة الصحفية تحدثت عن وضع يد وليس عن دولة تبجث عن مواردها وتغلق أبواب الفساد !! كما أورد موقع صحيفة الوطن : "السيسي يضع يده على 10% من إيرادات الصناديق الخاصة لدعم الموازنة" ، وبالتالى فهو تأكيد من سيادته على أنها عملية نصب لا أكثر ولا أقل، ورغم ذلك أمر بإستقطاع نسبة منها لصالح الدولة أو بوضع يدها، فأين تذهب بقيتها ، ولأى أيادى تُترَك ؟!
مع ملاحظة أن قرار الإستقطاع، أو وضع اليد، مع غياب أى آلية رقابية أو حسابية، فليس لقوة فى الأرض تقدير القيمة الحقيقية لنسبة الـ 10% تلك التى صدر بها القرار، خاصة وسيتم تحصيل أغلبها من الوحدات المحلية، وما أدراك ما الوحدات المحلية !!
الثالثة: وأراها على إستحياء، وليعذرنى سيادة الرئيس، فكون سيادته إكتفى باستقطاع نسبة 10% فقط، أو وضع يد الدولة عليها، فمعناه أنه يحسب حساب التصعيد مع الدولة العميقة التى تستأثر بأغلب حصيلة هذه الصناديق فى كروشها، وسيادته أول من يعلم ذلك جيداً، ولكنه حساب يؤجل مواجهة الفساد، سيدفع ثمنه ذلك المواطن البسيط الذى يبحث عن عشاء العيال فى صناديق القمامة، ذلك الذى تحتاجه مصر كظهير شعبى قوى لما هو آت.
ــ إذاً، فقرار وضع اليد أو استقطاع الـ 10% ، سيادة الرئيس، وحسب رأيى المتواضع، معناه تقنين النصب !! بمعنى أن الصناديق غير القانونية ستبقى، وستترك حرية الاستهبال على عباد الله متروكة للدولة العميقة التى بداهة سترفع قيمة الجباية لتعويض الـ 10 المستقطعة حتى لا تتأثر الجيوب والكروش بعد ان أصبحت حقا مكتسباً، خاصة وقد إطمأنت قلوبهم بعد أن اقتسموا الحصيلة مع الدولة بوضع اليد، أو من منطلق "وناسبنا الحكومة وبقينا قرايب" !!
ــ الشاهد أنه من الواضح أن المشكلة ستظل فى مستشارى الرئيس بدرجة كبيرة، وستبقى البداية دائما من الشعب، إذا صح منه العزم فسيساعده الله تبارك وتعالى، إما إذا إستمرأ الإستغفال وتمشية الأحوال، فليس له أن يعترض إذا فرض عليه أحد أشاكيف المحافظة تبرع "تنفس" على كل مولود، كما حدث مع صديقى "الزمبوزى" الذى خيَّره المسئولون هناك بين التبرع لصالح صندوق "رتق ثقب الأوزون فى سماء دولة زمبوزيا" أو التكرم بإعادة المولود من حيث أتى !! هكذا بمنتهى الأدب.
ـ ضمير مستتر:
وأحــزم الـنـاس مـن إن نـال فـرصـتـه
لم يـجعل السـبـب الموصول مـقـتـضـبا
لا تـقـطـعـنْ ذنـب الأفـعـى و تـرسـلهـا
إن كنت شـهـمـا فأتـبـع رأسـهـا الذنـبا
عروة بن أذينة