من ذكريات انتفاضة الثمانين
أهل دوير الأكراد، آوٓوْا ونصروا!!
يحيى بشير حاج يحيى
كلما سمعت باسم شهيد من السرمينية أو دوير الأكراد عادت بي الذكريات خمسة وثلاثين عاماًإلى الوراء !؟ فقد أقمت فيهمامعززاً مكرماً ، وأنا مهدور الدم للسلطة الفاجرة بسبب أحداث جسر الشغور١٩٨٠ ، إذ قام المخبرون بتسجيل صوتي ، وانا أدعو المجاهدين للحفاظ على مامعهم من ذخيرة ، والكف عن إطلاق الرصاص فرحاً ، والطلب من عناصر المخابرات العسكرية أن يستسلموا ولا يريق دماءهم ودماء أبناء الشعب !؟ و بالمرسوم ٤٩ الذين يجرم الإخوان المسلمين ويحكم بالإعدام على كل منتسب أو مؤيد لهم ، وقد طال هذا القانون المجرم كثيرا من الشرفاء ممن لم يثبت انتسابهم إلى أي توجه سياسي أو جماعة ، سوى أنهم أهل نخوة وحميٌة !؟
بعد يوم من الاستراحة في منزل الأخ محمد وسوف ، وهو أحد طلابي القدماء ، جاء الخبر بأن السلطة أحرقت منزلي ، وأن العريف النصيري يونس قام بإطلاق النار على النوافذ من مبنى البريد المجاور ، وكاد يصيب أحد أبناء عمومتي عبد الرحيم يحيى بحرو ، الذي تسلل لإخراج زوجتي وابنتي الصغيرتين !؟
وذكّرني والده -رحمه الله - بخطبة لي في مسجد السرمينية قبل عشر سنوات : كل بني آدم خطّاء ، وخير الخطائين التوابون ! ورأى الإخوة بعد أيام أن أنتقل إلى الدوير القريبة ، ففيها أنصار ومحبون ، وهي أمنع لكونها في أعلى الجبل ، وهكذا كان !!
أي نفع يرجوه مضيفي !؟ والقرار الذي أصدره الهالك حافظ أسد يجرم من يُؤوي أمثالي ، أو يتعاون معه !!
ومع ذلك فكل من علم أو ظن أني موجود بالقرية اعتبر نفسه مسؤولا ًعن حمايتي ، والحفاظ على سلامتي !
الشهيد محمد جمعة خليفة الذي استضافني طويلا ً ، وأحسست أني أثقلت عليه ، يلح علي بالبقاء إلى حد المنع من الخروج ، ويؤكد مقسماً بأن لديه خمسة آلاف ليرة ( وكان لليرة قيمتها نوعاً ما في الثمانين ) ثمن أساور زوجته ، وأنه مستعد لإنفاقها ، ولا يسمح بخروجي من القرية !
أبو عدنان سلو إذا أحس بأنني مكتئب يخرج بي إلى القرى المجاورة ليلا ًللترويح والاستماع إلى نبض الريف وموقفه بعد الأحداث ، ويعرفهم بي على أنني صديق له من أهل الغاب يتاجر بالأبقار !
الأستاذ الشهيد أحمد مليتوت و قد واساني واستضافني ، فتح في الجدار السميك نافذة تطل على الحاكورة ، ومنها إلى الجبل ، لأروح عن نفسي كلما شعرت بضيق في أثناءغيابه عن المنزل !
اكتمل عدد الأخوة الملتحقين بالجبل ،والقادمين من قرى المحافظة ، وصار لهم فئة يستطيع من شاء من المطلوبين الانحياز إليها ! ، فجاءني الأخ تركي أبو حمزة بدابة ومعه شاب صغير ذكي الفؤاد ، يتفجر حماساً ليكون دليلنا في اجتياز الجبل بشكل عرضي ، وقبل طلوع الفجر !؟
حزمت متاعي الذي لم يكن يزيد على ثوبين وسلاح شخصي وبعض الأوراق وكتابات كنت ضنيناً بها ، وماإن تجاوزنا بيوت القرية في الظلام الدامس ، حتى فوجئنا بشخصين يقتربان وبيد كل منهما عصا !؟ إنهما أم محيو وأم محمد خليفة ممن استضافوني طويلا ً!!
- لماذا تركت قريتنا ؟ هل أزعجك أحد ؟ نحن والأولاد جميعاً في خدمتكم ! لم أجب مباشرة ،وقد غلبني التأثر! ومن حسن الحظ أن الظلام كان مخيماً !؟ قلت : لا والله ! فقد كنتم أهلا ًبعد أهلي ، وجدت فيكم أماً وأختاً !؟ ولكن آن لي أن أذهب ، لأكون مع إخواني ، وجزاكم الله خيراً ، قالتا : نستحلفك بالله أن تعود إلينا ولا تذهب إلى مكان آخر !
مددت يدي ، وأخرجت قصاصة ورق ، وقلت للأخ أحمد : والله يعزُّ علي فراقكم ياأباعلي ، فجزاك الله وزوجتك كل خير ، فقد أكرمتني وأشعرتني بمعنى الأخوة وكأنها إحدى أخواتي الخمس !!
وتركت القصاصة في يده ، وأناأعانقه ، ومضيت مع مرافقي الذي سألني عما تحويه القصاصة ، فكررت قراءة مافيهاعلى مسامعه !
وبعدمضي أكثر من ثلاثين عاماً أستذكر الأبيات ، ومروءة أهل دوير الأكراد !!!! وأردد كلما ذكرتهم :
أهلُ الدوير أحبّائي وإخواني خلّفتُ في ربعهم قلبي ووجداني !
لهم عليّ يدٌ مازلت ُ أذكرُها يجزيهُمُ اللهُ إحساناً بإحسان !!
أرجو الإله ٓبأن تبقى الدويرُ بهم داراً نلوذ بها من كل عدوان !!