أخوة أم إخاء أو تآخ بين مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية ؟؟؟
أخوة أم إخاء أو تآخ
بين مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية؟
محمد شركي
دعيت إلى مركز تكوين مهن التربية بمدينة وجدة لإلقاء كلمة أمام الطلبة والطالبات الأساتذة والأستاذات تخصص مادة التربية الإسلامية، وتركزت كلمتي على التساؤل الآتي : ما هي طبيعة العلاقة بين مادة اللغة العربية ومادة التربية الإسلامية في منظومتنا التربوية ؟ وهو تساؤل فرضه رواج فكرة تآخي المواد الدراسية في منهاجنا الدراسي. وبالعودة إلى معجم اللغة العربية ، وهي اللسان العربي المبين بشهادة رب العزة جل جلاله نجد الأخوة تطلق على النسب من صلب أو من بطن ، ولكنها تستعار لكل مشارك لغيره في قبيل أو دين أو صنعة أو غير ذلك ، كما تطلق على الصداقة والصحبة والاشتراك في سعي سواء كانت محمودا أم كان مذموما . وقد ورد ذكر الأخوة في كتاب الله عز وجل للدلالة على النسب كقوله تعالى مخاطبا نبيه الكريم موسى عليه السلام : (( اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا عن ذكري ))، وكقوله على لسان نبيه الكريم يوسف عليه السلام : (( قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يفعلون )). وورد ذكر الأخوة للدلالة على الانتساب إلى القوم أو القبيل كقوله تعالى : (( إذ قال لهم أخوهم نوح )) أو (( إلى عاد أخوهم هودا )) أو (( إلى ثمود أخاهم صالحا )) أو (( إلى مدين أخاهم شعيبا )). وورد ذكر الأخوة للدلالة على الانتماء الديني في قوله تعالى : (( إنما المؤمنون إخوة )) وفي الحديث الشريف : " المسلم أخو المسلم " . وورد ذكر الأخوة للدلالة على الاشتراك في الشر والسوء في قوله تعالى : (( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين )) . وكما تستعار الأخوة للدلالة على ما سوى علاقة النسب من صلب أو بطن تستعار الأبوة أيضا للدلالة على من يسد مسد الأب ، والعرب تقول : " أبوته وأممته " أي كنت له بمثابة الأب والأم ، ولهذا يذهب البعض إلى أن آزر ليس أب الخليل إبراهيم عليه السلام بل هو عمه أو بمثابة من سد مسد أبيه تشريفا له وتعظيما من أن ينحدر من صلب مشرك ، وقد بالغ في ذلك الذين يعتقدون بانتقال العصمة من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم إلى أصولهم وفروعهم من غير الأنبياء مع أن الله عز وجل ضرب مثلا زوجة نوح وزوجة لوط ، وذكر براءة نوح من ابنه ، وبراءة الخليل من أبيه، وأنزل قرآنا يذم أبا لهب يتلى إلى يوم القيامة وهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأعود إلى التساؤل السابق :هل العلاقة بين مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية أخوة أم إخاء أم تآخ ؟ وأقول إن أمر علاقة الأخوة بين اللسان العربي المبين وبين رسالة الإسلام العالمية قد حسم فيه رب العزة جل جلاله عندما اختار هذا اللسان وعاء لوحيه ورسالته ، وهو سبحانه خالق الألسنة والعالم بالمبين منها القادر على نقل كلامه بدقة متناهية . وبناء على هذا تنتقل الأخوة بين اللسان العربي ورسالة الإسلام إلى كل ما له علاقة بهما ، ومن هنا نقول بأخوة مادة اللغة العربية ومادة التربية الإسلامية لا بإخائهما أو تآخيهما عن طريق الإرادة البشرية وعبر مذكرات وزارية أو غيرها إلا أن يكون القصد بالإخاء أوالتآخي بينهما هو إنفاذ إرادة الله عز وجل الذي جمع بين القرآن الكريم واللسان العربي المبين. ويقصر مفهوم الإخاء بين مادتي التربية الإسلامية واللغة العربية في المذكرات الوزارية على استخدام أطر تدريس كل مادة مكان أطر غيرها عندما تدعو الحاجة إلى ذلك بسبب سوء توزيع الموارد البشرية والذي يعكس سوء التخطيط وسوء التدبير . ولقد كانت مادة التربية الإسلامية منذ الاستقلال وإلى أن أحدثت شعبة الدراسات الإسلامية في الجامعة المغربية خلال الثمانينات عبارة عن مكون من مكوناتها يتولى تدريسها أساتذة اللغة العربية من خريجي كلية الأدب وكلية الشريعة . ولقد كان مكون التربية الإسلامية قبل أن يصبح مادة دراسية مستقلة بذاتها عبارة عن دروس تتراوح بين ما هو تعبدي وما هو أخلاقي وفكري . وكانت بعض محتويات هذا المكون موضوع تندر المتعلمين كدروس الطهارة والغسل والتيمم وتغسيل الميت وتكفينه ... حيث كان المتعلمون يرون في هذه المحتويات قضايا هامشية لا تمس حياتهم في الوقت الذي كانت فيه الفلسفة المادية مسيطرة على المنهاج الدراسي المغربي في السبعينات وعلى عقول الناشئة . ولم يكن مكون التربية الإسلامية إلزاميا في الامتحانات باستثناء امتحان نهاية السلك الإعدادي حيث كان المتعلمون يلزمون بحفظ واستظهار آيات من سورتي النمل والكهف . وكانت حصص هذا المكون ضئيلة ومعلمها أشد ضآلة ، لهذا كان المتعلمون لا يولونه أدنى اهتمام ، ويغتنمون الفرصة في حصصه لتعمد الغياب أو المشاركة العابثة في دروسه من خلال طرح أسئلة ساخرة قصد التندر والفكاهة خصوصا في قضايا الطهارة وما شابه . ولم تكن مضامين باقي مكونات درس اللغة العربية كمكون الأدب على سبيل المثال ذات صلة كبيرة بمكون التربية الإسلامية . ولما استقلت مادة التربية الإسلامية عن مادة اللغة العربية ،وألفت الكتب المدرسية فيها ، وتولى تدريسها إلى جانب خريجي كلية الشريعة خريجو شعبة الدراسات الإسلامية لم يزد ذلك من عدد حصصها الضئيلة ولا من قيمة معاملها ، ولا من اهتمام المتعلمين بها وإن كانت قد صارت مادة امتحان جهوي في نظام امتحان الباكلويا الحالي يقبل عليها تلاميذ الشعب العلمية بغرض الرفع من معدلاتهم لا بغرض التربية على مبادىء الإسلام وقيمه ،علما بأن مفهوم التربية الإسلامية العام هو تنمية فكر ووجدان الإنسان وتنظيم سلوكه على أساس مبادىء الإسلام ، وهو مفهوم أكبر من المفهوم الخاص الذي هو عبارة عن مادة دراسية كباقي المواد ضمن المنهاج الدراسي . ومعلوم أن مادة التربية الإسلامية تختلف مضامينها عن مضامين مختلف المواد الدراسية بسبب ارتباطها بمضامين الوحي قرآنا وسنة ، وهي مضامين إلهية مطلقة و ثابتة وكاملة وشاملة ويقينية وعلمية وعالمية خلاف المضامين البشرية النسبية والمتحولة والناقصة والضيقة والظنية ... وتشوش على مضامين مادة التربية الإسلامية مضامين المواد الأخرى ومن ضمنها مادة اللغة العربية التي تتناول قضايا قد تكون على الطرف النقيض من القضايا التي تتناولها مادة التربية الإسلامية ، وهذا يعكس الارتجال والعشوائية في بناء المنهاج الدراسي، الشيء الذي يعني عدم مراعاة التكامل بين المواد . وقد تقدم بعض المواد الدراسية خصوصا اللغات الأجنبية مضامين مخالفة لمضامين مادة التربية الإسلامية ومن ثم تتضارب القيم التي يراد ترسيخها في الناشئة ،ذلك أن اللغات هي أوعية نقل القيم ولا يمكن الفصل بين هذه الأوعية وحمولاتها الثقافية . ويؤدي تضارب القيم التي تنقلها المواد الدراسية إلى التشويش على الناشئة المتعلمة وعلى خلق نماذج بشرية مرتبكة من حيث القيم ، وموزعة بين ما هو أصيل وما هو دخيل وما هو سماوي وما هو وضعي . ولا يوجد في مجتمعنا ما يعكس وجود التربية الإسلامية بالمعنى الشامل ذلك أن الناشئة لا تجد انعكاسا لهذه التربية في أوساطها الأسروية ،ذلك أن الأسر أصبحت هي الأخرى موزعة بين الأصالة والتغريب . وتظل المساجد وحدها هي المؤسسات الوحيدة التي تشتغل بالتربية الإسلامية نظريا من خلال خطب الجمع التي تنصرف عنها الناشئة المتعلمة انصرافا خصوصا وأن يوم الجمعة يوم دراسة لا يسمح بحضور خطبها التي تصادف فترة تناول طعام الغذاء من أجل العودة إلى الدراسة في فترة ما بعد الزوال ، ولهذا تبدو الغربة بين مضامين مادة التربية الإسلامية وبين الناشئة . ومما يزيد هذه المادة تهميشا لدى الناشئة أن آفاقها مسدودة في نظرهم مقارنة مع الآفاق التي تفتحها أمامهم مواد دراسية خصوصا مواد علوم المادة . ومما يزيد طين هذه المادة بلة إسنادها إلى غير المتخصصين في تدريسها تحت ذريعة الإخاء بينها وبين مادة اللغة العربية . ومما يعقد وضعيتها إسناد تدريسها أحيانا لذوي الاتجاهات الفكرية المخالفة للتوجه الإسلامي أو لذوي الولاءات لجماعات وتيارات متطرفة . ومع أن مضامين مادة التربية الإسلامية تبقى نظرية لا تؤثر على سلوك الناشئة المتعلمة فإن القناعة السائدة لدى الكثيرين أن مهمة تلقين القيم الإسلامية هي من اختصاص هذه المادة دون سواها ،علما بأن المنهاج الدراسي مطالب بتوزيع هذه المهمة على مختلف المواد الدراسية في بلد يدين بالإسلام . وبقي أن نشير إلى أن مفهوم التآخي الضيق بين مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية الذي تعمل به الوزارة الوصية على التربية، والذي لا يعدو حل مشكل الخصاص أو الحاجة إلى مدرسين من هذه المادة أو من تلك لا يعكس حقيقة الأخوة بين المادتين، ولا توجد تكوينات أساسية أو تكوينات مستمرة تربط الجسور بين مدرسي المادتين من أجل إعدادهم وتأهيلهم للقيام بتدريسهما عندما تفرض الظروف نظام الإعارة بينهم . ومما يعمق الهوة بين المادتين في منهاجنا الدراسي أنهما لا تتبادلان المكونات فيما بينهما ،ويقتصر الأمر على بعض التقاطعات أو ما يصطلح عليه بالكفايات المستعرضة . ومعلوم أن المتعلم لا مندوحة له عن علوم الآلة للتعامل مع النصوص المقدسة ، وهي علوم يجب أن يدرسها في مادة التربية الإسلامية كما يدرسها في مادة اللغة العربية ، وكما يعتمد عليها في التعامل مع النصوص الأدبية.وأخيرا أختم بالقول لا بد من إعادة النظر في الأخوة القائمة بين مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية ، كما أنه لا بد من تقاسم باقي المواد الدراسية مهمة تربية الناشئة على القيم الإسلامية لتلافي وضعية هدم ما تشيده التربية الإسلامية، الشيء الذي يعطي أجيالا مضطربة القيم ، ولا يحقق الهوية الإسلامية الحقة.