شيء من رحيق الأمس 1

شيء من رحيق الأمس 1

سليمان عبد الله حمد

[email protected]

هذا الرحيق يعيد المسنين الى زمان الصبا – لن تغيب تلك الصور من ذكرتنا كان زمنا جميلا على الرغم من عدم توافر وسائل الراحة الحديثة ...

الاخوة العواجيز امثالي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته استميحكم عذرا اليوم ان نخرج عن المألوف في كتاباتنا التي تتصف بالطابع العلمي في معظم الاحيان وقد تكون جافة ومملة للقارئ فدعونا اليوم نأخذ شبابنا من الأبناء جيل العولمة في رحلة سياحية حول موروثنا الثقافي الريفي وقد تتخلل ذلك بعض القفشات وشرح بعض الاشياء التي يرد ذكرها عرضا أما انتم ففيكم الكثيرون الذين يفهمون ويجيدون في هذا الجانب اكثر مني اما هؤلاء الشباب ان لم يكن كلهم فمعظمهم وبالذات من ولدوا وترعرعوا في ديار الغربة ومن يسكنون المدن حتى داخل الوطن يجهلون الكثير عن هذه الثقافة ومصطلحاتها.

وسوف ابدأ بأول مصطلح إذ له وقع خاص في نفسي وذلك لارتباطه بأعز وأحب الناس الى نفسي أمي وهو ما ينطبق على الكل والمصطلح هو المفحضة (بضم الميم) وهي عبارة عن قطعة صغيرة مربعة الشكل لا تتعدى ابعادها العشر سم وتصنع من الجلد الخالص وتتشكل من عدد من الغرف او الطبقات 2-3 وهذه تحفظ فيها النقود وبها طرف سائب وآخر مثبت في المنتصف على الوجه يمتد بأحد الاضلاع اما في الضلع الاخر فهو لايتعدى حوالى ال 2سم أي خمس المساحة وهذا يكون مفتوح ومثبت فقط في الطرفين بحيث يدخل فيه الطرف السائب حين يراد اغلاق أو قفل المحفضة وعندما يراد فتحها يسحب هذا الطرف السائب ويخرج من الجزء الصغير فتنفح المحفضة وللمفحضة سير طويل يربط في اعلى الطرفين ويعلق على رقبة المرأة مثل السلسل عند شباب العولمة ويكون مكانه بين الجسم والقميص أو العراقي حينها والذي ترتديها الحاجة. وفي هذه اللحظة التي اجلس فيها امام الجهاز تشدني الذكريات الى مرحلة الطفولة واتخيل كأنني اجلس على الارض امام امي عليها رحمة الله وهي جالسة على العنقريب الهباب الموسر بحبل السعف الذي اختفى الآن وحل محله حبل البلاستيك وبمناسبة العنقريب الهباب كانت العناقريب التي توجد في البيت العناقريب السمحة التقيلة المصنعة من حطب السنط توضع داخل المنزل ولا تحرك الا للضرورة أما العنقريب الهباب فهو خفيف مصنع من أي نوع خفيف من الحطب يسهل تحريكه وحمله فيوضع في أي مكان يراد الجلوس فيه وسمي بالهباب نسبة لنسمة الهواء او الهبوب حيث يتحرك اينما كان هنالك نسيم في الراكوبة او ضل (ظل) الضحى أو ضل العصيرية وبمناسبة الراكوبة ليبست هي صحيفة الراكوبة وإنما هي التي يتم وضعها امام البيت وتكون مفتوحة من جوانبها الثلاثة وطبعا الجانب الرابع هو درقة البيت وتعرش أما بالقصب أو القش والراكوبة الراقية تعرش بقش النال أو المحريب وهو نوع من القش يجلب من منطقة سنار وله رائحة طيبة بالذات بعد تبلله بالماء اثناء المطر. ولنعود لموضوع المحفضة امي جالسة وانا امامها والمفحضة متدلية بين رجليها فامسك بالمفحضة علي أن اخذ منها بعض النقود وهنا تقوم امي بسرعة بشد سير المفحضة لاعلى حتى لا اتمكن من فتحها ومعرفة ما بها من نقود وذلك لكي لا اطلب كل شوية وتقوم هي باخراج المحفضة من خلال فتحة العراقي العلوية وتفتحها وتدخل يدخلها وتخرج لي ما تجود به اصابعها فقد يكون قرش أو تعريفة وبعد تسلمي له انطلق نحو الدكان أو الكنتين وبالمناسبة الدكان يوازي السيوبر ماركت في المدن والكنتين يوازي البقالة ومن هذه الاماكن يمكنني هذا القرش او التعريفة من شراء ما اريد من حلاوة او تمر أو زمبارة أو غيرها إذ كانت لها قيمة شرائية وبهذه المناسبة كانت العملة الورقية التي تسود هي العشرة جنيه ثم الخمسة ثم الجنيه ثم نصف الجنيه ثم الطرادة (خمسة وعشرون قرش) والجنيه = 100قرش = 1000 مليم اما العملة المعدنية فكانت الريال (عشرة قروش) ثم نصف الريال أو الشلن ثم الفريني (قرشان) ثم القرش ثم التعريفة (نصف قرش) ثم المليم وقد شاهدنا المليم كعملة ولكننا لم نحضر ان له قيمة شرائية اللهم إلا ان تكون عدة مليمات اما الجيل السابق لنا فقد عرف للمليم قيمة شرائية.

ننتقل للحديث عن مصطلح آخر وهو القربة والسعن وهما عبارة عن ماعون يصنعان من الجلد بعد عملية الدباغة بالقرض والقربة اكبر من السعن ولكل منهما فتحة او خشم يتم ربطه بواسطة خيط قوي أو ما يسمى الوكاي أو الوجاء وهذه كلمة عربية فصحى فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن مسعود قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) ويستخدم هذا حتى لا ينساب ما بداخله. يستخدم السعن في هز أو خض اللبن الرائب لاستخلاص السمن والباقي يصبح روب وقد يستخدم ايضا لحفظ الماء وتبريده اما القربة فستخدم اساسا لحفظ الماء وتبريده لان المسامات التي بالجلد يتسرب منها الهواء فيؤدي الي برودة الماء وقد تستخدم القربة استخدامات آخرى كحفظ العسل وغيره وماء القربة والسعن بارد وخالي من المكروبات لوجود مادة التانين المطهرة التي مصدرها القرض وبمناسبة ذكر السعن هنالك مقالة يرددها اهلنا عن النسيب او زوج البنت فيقولون ان النسابة ثلاثة واحد جبل أي انه بعد الزواج يسكن مع نسابته ويصمد كالجبل ويشيل الكل وهذا طبعا هذه الايام صعب الحصول عليه نسبة للظروف الاقتصادية التي نعيشها للهم ألا ان كان من الطير المهاجر الذي يتمتع بريش كثيف وتارك النصف الحلو مع نسابته وعايش في الغربة وحيد وحتى هذا وحسب تجارب الغربة الطويلة اعتبره جبل اسفله بركان متى ما ثار هذا البركان فسوف يتصدع الجبل اما النسيب الثاني فهو جمل يشيل حمله ويفوت اما الثالث فيطلق عليه لفظ السعن ويقولون انت شايلو فوق ضهرك وينقط فوق صلبك كناية على ان هذا النسيب رامي حمله عليهم وبالإضافة لذلك مقلق راحة بنتهم وراحتهم ونتوقف هنا وسوف نواصل بإذن الله ان كان في العمر بقية.

لقد ابدع قلم استاذنا الشامي الصديق فى السرد الجميل عن ذاك الزمان الجميل ...