صدق العهد أو الوعد مؤشر على الرجلة أو الرجولية

صدق العهد أو الوعد

مؤشر على الرجلة أو الرجولية

محمد شركي

[email protected]

أشاد الله عز وجل بصدق العهد أو الوعد في كتابه الكريم ووصف أهله بالرجال فقال جل من قائل : (( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )) صدق الله العظيم . ففي هذه الآية الكريمة من سورة الأحزاب ربط الله عز وجل بين صدق الوعد والرجلة ـ بضم  الراء وتسكين الجيم ـ وهي الرجولية  ـ بضم الراء وفتحها ـ والرجولة والرجلية ـ بضم الراء  وتسكين الجيم ـ . ولا تقتصر دلالة الرجولة على الاختلاف الجنسي بين الذكر والأنثى حيث يعتبر الرجل خلاف المرأة أو الرجلة ،وهي مؤنث الرجل كما أن المرأة مؤنث المرء . ولا تقتصر دلالة الرجولة  أيضا على تقدم الذكر في السن والنمو حيث يرتفع عن الصبا بل تدل على قيمة خلقية أو على مجموع خصال حميدة . وقد تترجل المرأة أي تصير كالرجل إذا حازت نصيبا من محمود الخصال ، وهي ليست  الملعونة المتشبهة بالرجل في خلقته . والرجل جمع رجال ورجلة ـ بفتح الراء  وفتح الجيم وتسكينها ـ وأراجل  ورجالات . ويقال فلان رجل في الرجال إذا كان كامل الرجلة أو الرجولية بينهم أو كان أرجلهم أي أكملهم في الرجولية . وبالعودة إلى الآية الكريمة نجد الحق سبحانه وتعالى يصف الرجال بصدق العهد . والصدق ـ بكسر الصاد ـ  خلاف الكذب ، الصدق ـ بفتح الصاد ـ الكامل من كل شيء  . والرجل الصدق ـ بكسر الصاد ـ من كان صادق الرجلة أو الرجولية . والصادق في عهده أو وعده هو من أنفذه. والصادق في نصحه هو من أخلصه لغيره . والصداقة محبة فيها صدق ، وهي مشتقة من صدق المودة . وأما العهد فهو الوفاء والضمان والذمة والميثاق ، ولهذا يقسم به فيقال : " علي عهد الله لأفعلن " . والعهد مسؤول أما الله عز وجل لقوله تعالى : (( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا )) وقوله أيضا : (( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم )). وبهذا يجعل الله عز وجل الوفاء بعهده رجلة ورجولية  . والوفاء بعهد الخلق من الوفاء بعهد الخالق سبحانه . والرجل الموفي بعهده ثابت على ذلك لا يبدل تبديلا فيحيى على ذلك وعليه يموت . ولئن كانت الرجلة أو الرجولية تجمع بين مجموع خصال حميدة كالشجاعة والكرم ... فإن الخصلة المهيمنة فيها هي الصدق ـ بكسر الصاد ـ ومنه كما مر بنا الصدق ـ بفتح الصاد ـ وهو الكمال في كل شيء ، وكمال خصال الرجلة والرجولية هو صدق العهد . ويقاس الرجال بخصلة صدق العهد . ويفقد الإنسان رجلته ورجوليته إذا كذب في عهده أو وعده. ويوصف فاقد الرجلة والرجولية بأوصاف قدحية منها التصابي ذلك أن الرجل يرتفع عن الصبا فلا  يحصل منه ما يحصل من الصبي من كذب في الوعد أو تراجع فيه . والعوام يصفونه بالشماتى  ،وهي كلمة فصيحة تدل على الخائبين ولا واحد لها ويقال: "  رجع القوم شماتا ـ بكسر الشين أو شماتى " والعوام حين يطلقون على الخائب الواحد لفظ شماتى فكأنهم يقصدون أنه يجمع كل ما يدل على الخيبة ، ولا يخيب إلا من لا خلاق له ولا وعد ولا عهد له ، ولا يوجد أكثر منه عرضة للشماتة ولا مشموت به مثله . ومما تدل عليه لفظة شماتى في العامية مجموع مساوىء منها الخسة والذلة والوضاعة.... وحتى الدياثة أيضا .وتجنبا لهذه المساوىء يحرص الرجال على رجلتهم ورجولتهم فيموتون وهم متشبثون بصدق العهد ، ويلاقون من أجل ذلك كل أنواع المكاره  . ولقد صارت الرجلة والرجولية في هذا الزمان عملة صعبة ، كما صارت دلالتها قاصرة على وصف الذكورة ،علما بأن الذكورة لا تعني الرجولة من حيث كونها مجموع خصال حميدة بل تعني الدلالة على الجنس فقط ، ولا تغني الذكورة عن الرجولة  شيئا ، ولا قيمة لذكر بلا رجولة ولا كرامة له  . والرجولة لا تقدر بثمن ، ولا تباع في سوق  ولا تقتنى إذا عدمها الإنسان.