التَسّْخيرُ المُتبَادَلُ

د. حامد بن احمد الرفاعي

د. حامد بن احمد الرفاعي

سمعتُ أحدَ المشايخ يَقولُ:إنَّ منْ فضلِ اللهِ تَعَالى أنْ سَخَّرَ النَّاسَ جميعاً لخدمةِ المسلمين..منْ أجلِ أداءِ مَهمتِهم في تَوحيدِ اللهِ وعبادتِه"فقلتُ:النَّاسُ جميعاً مُسَخَّرُون بَعضُهم لبعضٍ لقولهِ تَعَالى:"وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً"ثُمَ قلتُ:ألا ترى يا شيخ أنِّك تَدعو إلى تَعطيلِ فريضةِ العلمِ والعملِ والإنتاجِ..؟مِمَّا يجعلُ المسلمينَ عالةً على غَيرهِم..ويرتهنُ إرادتَهم لمشيئةِ الآخرِ..؟قالَ:ومَاذا تقولُ في قولِه تَعَالى:"يُجْبَى إلَيهِ ثَمَراتُ كُلِّ شيءٍ"قلتُ:آيةٌ مُحكمةٌ وهي مُعجزةُ دعوةِ أطلقها أبو الأنبياء ورافع القواعد من البيت سيدنا إبراهيم عَلَيه السلام لقوله تعالى:"وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ"ولكن مَاذا أنتَ فاهمٌ منْها..؟قالَ:إنَّها تُؤكدُ أنَّ اللهَ تَعَالى قد سَخَّرَ النًّاسَ كُلَّهم لِيُنتجوا للمسلمين كُلَّ شيءٍ..قلتُ:ومَاذا لَو عَصوا اللهَ وامتَنعوا عنْ تَقديمِ مُنتجاتِهم وخدماتِهم لنا..؟قالَ:لا يَستطيعون..قلتُ:لو كانَ اللهُ مانعاً أحداً منْ مَعصيتِه لمنعَ المسلمينَ فَهُم أولى بِذلكَ أليس كذلك..؟عفواً يَا شيخ مَا تقولُه..يتناقضُ معَ صريحِ القرآنِ وصحيحِ السُنةِ قالَ:كَيف..؟ أفِدنَا يا سعادةَ الدكتور..!قلتُ:إنَّ اللهَ تَعَالى استخلفَ الإنسانَ في الأرضِ لقوله سبحانه:"إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً"وأهلَهُ بِكُلِّ ادواتِ العلمِ والمعرفةِ للنهوضِ بمَهمَتـهِ الجليلةِ لقوله تعالى:"وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا"وأمرَه بعمارةِ الأرضِ وإقامةِ الحياةِ لقوله تعالى:"هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا"ومقتَ سبحانه تناقضَ القولِ مَعَ العملِ لقوله تعالى:"كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُون"وأكد جلَّ شأنه التوازن بين الدنيا والآخرة لقوله تعالى:"وابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا"ويقولُ الإمامُ عَلي رَضي اللهُ عنَه:"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لأخرتك كأنك تموت غداً"ورفعَ اللهَ شأنَ العلماءِ  بقوله تعالى:"قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ"وأثنى عَلَيهم  بقوله تعالى:"‏إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ‏"ثُمَ قلتُ للشيخ:لاشكَ أنَّ المسلمينَ هم أمةُ الهدايةِ والرشدِ  لقوله تعالى:"كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ"وجعل سبحانه خَيريِّةَ الهدايِّةِ تَتكاملُ معَ خيريِّةِ البناءِ وإقامةِ الحياةِ لقوله تعالى:"مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ"فقالَ:أوافقُك بمسألةِ التَكامُلِ وتنبه فضيلة الشيخ لخطورة ما ذهب إليه من فهم بشأن مسألة التسخير..فَحمدنَا اللهَ لِمَا انتهينَا إليهِ وبعدُ..فالقولُ بأنَّ المسلمينَ أمةُ هدايةٍ ورشدٍ فَحسبْ دونَ الانشغالِ في العلمِ والإبداعِ والإنتاجِ..خَطيئةٌ تَسربلَ بهَا رجالُ الكهنوتِ المسيحيِّ..عِندَمَا أعلَنوا أنَّ العلمَ وتعاليمَ الكنيسةِ نقيضان..!فكانَ تمردُ الأجيالِ المسيحيِّةِ وظهورُ مذاهبِ الماديِّةِ والعلمانيِّةِ..وإعلانُ مَقولةِ (فصلُ الدينِ عنِ الدولةِ)لِذَا لابدَ منْ التوازنيِّةِ ونحنُ نَبْني تَربيَةَ وثقافةَ أجيالِنَا..وإلا-لا سَمحَ اللهُ- سَنُواجهُ مَخاطرَ مُدَمِّرةٍ.