دَعْوَةٌ إِلَىٰ التَّعَرُّفِ عَلَىٰ الْعِلْمِ التَلَقِّي الرَّبانيّ
دَعْوَةٌ إِلَىٰ التَّعَرُّفِ عَلَىٰ الْعِلْمِ التَلَقِّي الرَّبانيّ
منير مزيد / رومانيا
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ .
أَيُّهَا النَّاسُ ، سَلَامٌ قَوْلًا مِّنْ رَّبٍّ رَّحِيمٍ ، يَقُول اللهُ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، وَذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ﴾ (الزمر: 64) لِهَٰذَا أدْعُوكمْ إِلَىٰ الْإِيمَانِ بِاللهِ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ ، الرَّحِيمُ ، الْحَيُّ ، الْقَيُّومُ ، الْعَزِيزُ، الْحَكِيمُ ، الْمَلِكُ ، الْقُدُّوسُ ، السَّلَامُ ، الْوَاحِدُ ، الْقَهَّارُ ، عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، وَالَّذِي خَلَقَ الْبَشَرَ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ، وَفِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَىٰ الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَىٰ الْأَرْضِ ، وَخَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَأَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ . فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ، وَإِلَىٰ التَّعَرُّفِ عَلَىٰ الْعِلْمِ التَلَقِّي الرَّبانيّ إِذْ قَالَ تَعَالَىٰ ﴿ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ ﴾ (غافر: 15) لِتَكُونُوا رَبَّانِيِّينَ ﴿ وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ (آل عِمْرَان: 79) وَ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا .
الْعِلْم التَلَقِّي الرَّبانيُّ هُوَ المُحَرِّرُ لِلإنْسَانِ مِنْ كُلِّ صُوَرِ العُبُودِيَّةِ الجَّسَديّةِ وَالفَّكْريّةِ وَالنَّفْسِيّةِ وَالأَيدِيُولُوجِيَّةِ . فَهُنَاك فَرْقٌ كَبِيرٌ وَشَاسِعٌ بَيْنَ مَفْهُومِ الحُرِّيَةِ كَحقٍّ مِنْ حُقُوقِ الإِنْسَانِ وَبَيْنَ مَفْهُومِ عَمَلِيَّة التَحرُّرِ، حَيْثُ تَناوَلَ الفُقَهاءُ وَالعَلْمَاءُ وَالأُدَبَاءُ وَالفَلاسِفَةُ مَفْهُومَ الحُرِّيَةِ كَحقٍّ ، فِي حِيْن تَجَاهَلَوا تَمامَاً مَفْهُومِ الحُرِّيَةِ كَعَمَلِيَّةِ تَحرُّرٍ . فَقَدْ تَحَدَّثَواً بِإِسْهابٍ حَوْلَ مَفْهُومِ الحُرِّيَةِ فِي الْإِسْلَامِ كَحقٍّ مِنْ حُقُوقِ الإِنْسَانِ ، حَيْثُ يُنْظُرُ إِلَىٰ الإِنْسَانِ بِاعتِبارِهِ صَاحِبَ الْمَكَانَةَ الْمَرْمُوقَةَ فِي سُلَّمِ التَّفَاضُلِ القَيِّمي لِلْمَخْلُوقاتِ ، وَخَلِيفَةَ اللهِ ، فَلَهُ حُقُوقٌ وَعَليْهِ وَاجِبات يُثَابُ عَلَى فِعْلِهَا وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا ، وَمِنْ ضِمْنِ تِلْكَ الْحُقُوقِ : الحُرِّيَةُ ، وَاِعْتَقَدَوا بِوُجُودِ نْوَعينِ مِنْ الحُرِّيَةِ: الأَوْلَى هِيَ الحُرِّيَةُ المُتَعَلِّقةُ بِالحُقُوق المَادِّيَّةِ ، وَالثَّانِيَةُ هِيَ الحُرِّيَةُ المُتَعَلِّقةُ بِالحُقُوق المعنوية .
هَٰذَا الْعِلْمُ ( الْعِلْمُ التَلَقِّي الرَّبانيُّ ) ، لاَ يُمْكِنُ تَحَصُّلَهُ بِالطُرُقِ الْتقلِيديِّةِ ، فَهُوَ أَوَّلاً وَأَخِيرًا هِبَةٌ مِنَ اللهِ ذِي الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴿ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ (غافر: 15) مِثْلُ الْهُدَىٰ ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ (القصص: 56) ، ﴿ وَكَذَٰلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ ﴾ ، ﴿ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ (ابراهيم: 4) ، أَوْ الرَّحْمَةِ ﴿ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ (آل عِمْرَان: 74)
إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ (البقرة: 258) ، الْكَافِرِينَ ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ (البقرة: 264) ، الْفَاسِقِينَ ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ (المائدة : 108) ، الْخَائِنِينَ ﴿ ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ (يوسف : 52) ، الْكَاذِبِينَ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ ( الزمر : 3) ، الْمُسْرِفِينَ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ (غافر : 28)
إِنَّ الهِدَايَةَ لَهْيَ رَغْبَةٌ شَديدَةٌ فِي الْإِيمَانِ ﴿ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴾ (الشورى: 13) ، ﴿ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ﴾ (الرعد: 27) ، فِي البَحْثِ عَنْ وَحْدَانِيَّةِ الذَّاتِ الإِلَهِيّةِ ﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ (الصافات: 99) ، ﴿ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾ (الزخرف: 27) ، وَسُلُوكٌ نَمُوذَجِيٌّ ومِثَالٌ يُحْتَذَى بِهِ ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ﴾ (السجدة: 24) ،﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ (التغابن : 11) وَإِمَّا مَصْدَرُهَا فَهْوَ الْكِتَابُ الْمُبِينُ ، وَالَّذِي فِيهِ الْبُرْهَانُ وَالنُّورُ وَالْحَقِيقَةُ :
ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (البقرة: 2)
وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (الأنفال: 7)
لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (الأنفال: 8)
فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَٰذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (يونس: 76)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (النساء: 174)
قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (المائدة: 15)
يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (المائدة: 16)
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ (النحل: 89)
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (الإسراء: 82)
إِمَّا الرَّحْمَةُ فَهْي الرَّجَاءُ وَالتَّوَسُّلُ ﴿ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (البقرة: 218) ، ﴿ وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ (التوبة: 106) ، الْفَضْلُ الإلَهِيُّ الْعَظِيمُ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ اللهُ مَنْ يَشَاءُ مَنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴿ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ (البقرة: 105) ، ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ﴾ (الجاثية: 30) ، وَالأَمَلُ الوَطيدُ ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ (الزمر: 53) ، ﴿ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ (الحجر: 56)
ولمعرفة المزيد عن الْعِلْمِ التَلَقِّي الرَّبانيّ ستجدونه في كتابي تَحْرِيرُ اللهِ الذي أنجزته بفضل الله بالعربية والانجليزية وان شاء الله سيطبع في بيروت بالعربية وفي بريطانيا بالانجليزية.