إيران: القبضة الحديدية في الداخل و«المرونة» في الخارج
إيران:
القبضة الحديدية
في الداخل و«المرونة» في الخارج
محمد المذحجي
كان الأسبوع الماضي حافلاً بالنسبة للسلطة القضائية الإيرانية، إذ نفذ القضاء مهرجاناً من الإعدامات، ووصل عدد أولئك الذين تم إعدامهم خلال أسبوع واحد فقط إلى 70 شخصاً، واتهام معظم هؤلاء هو بيع المخدرات. وتم تنفيذ الإعدام بحق 22 رجلاً و6 نساء خلال يوم الإثنين فقط. ويعتبر هذا العدد الكبير للإعدامات في إيران رقما قياسيا منذ تمرير قانون مكافحة المخدرات المعتمد حاليا قبل ما يقارب 25 عاماً. وسبق هذا «المهرجان» تنفيذ حكم الإعدام بحق ما يقارب 30 من المحكوم عليهم بتهمة بيع المخدرات الذين طالبوا المرشد الأعلى الإيراني بتخفيف عقوبتهم خلال وقفة احتجاجية في السجن.
وأثارت هذه الإعدامات موجة واسعة من الانتقادات لدى نشطاء حقوق الإنسان ومواقع شبكات التواصل الاجتماعي. وعلى سبيل المثال وليس الحصر، انتقدت وكالة نشطاء حقوق الإنسان في إيران (هرانا) المنحى التصاعدي الأخير لتنفيذ الإعدام باتهام بيع المخدرات، وأعربت عن خيبة أملها بسبب تلكؤ مجلس النواب في مناقشة قانون إلغاء عقوبة الإعدام لبيع المخدرات. وبدوره، اعتبر أحمد رضا أحمد بور، رجل الدين المعارض، أن سياسات النظام الإيراني لمكافحة المخدرات فاشلة تماماً، وقال إن «تأثير المخدرات على المجتمع الإيراني أصبح أكبر من تأثير رجال الدين».
ويوجه نشطاء حقوق الإنسان انتقادات لاذعة للجمهورية الإسلامية بسبب أنها تنفذ أشد العقوبات على موزعي المخدرات بالتجزئة، وتستثني العديد من تجار المخدرات الكبار من المعاقبة. ويعتبر هؤلاء النشطاء أن سياسة القضاء الإيراني في مكافحة المخدرات تشبه معاقبة ملفات الفساد الاقتصادي الكبرى في إيران، حيث لم تتم معاقبة كبار شخصيات النظام والمنتسبين لهم في هذه الملفات. ويصف بعضهم النظام الإيراني بكونه «جمهورية المخدرات» وأنه يسهل تصدير أنواع من المخدرات للعديد من الدول الآسيوية والأوروبية ويدعم هذه التجارة المربحة جداً.
وتصريحات وزير الداخلية الإيراني، عبد الرضا رحماني فضلي، حول المال «الوسخ» وتأثيره على عملية الانتخابات، أثارت صراعاً حاداً بين الوزارة ومجلس النواب، واضطرت رحماني فضلي إلى سحب تصريحاته بهدف تهدئة الأجواء بعد ما تدخل المرشد الأعلى في الموضوع. وأكد وزير الداخلية الإيراني قبل فترة أن الأرباح الخيالية لتجارة المخدرات في إيران التي تتجاوز 100.000 مليار ريال إيراني (أي أكثر من 3 مليارات دولار) سنوياً، تهز أركان اقتصاد البلاد، وأن الدورة المالية السنوية الهائلة لهذه التجارة قد أفسدت النظام الإداري والقضاء وأسواق البورصة والاقتصاد وثقافة البلاد.
وقد شكك خبراء علم الاجتماع والجرائم منذ السنوات الأولى لتنفيذ القانون الحالي لمكافحة المخدرات والإدمان، في نجاح عقوبة الإعدام لهذا الغرض، وتؤكد العديد من الدراسات الأكاديمية ومراكز البحوث المتخصصة وإحصائيات الحكومة والقضاء الإيراني، عدم تأثير السياسات الحالية في مكافحة تجارة المخدرات في إيران. وأعلن مدير مركز البحوث والتدريب لمنظمة مكافحة المخدرات والإدمان الإيراني، حميد صرامي، ازدياد الإدمان على المخدرات بين الأطفال بنسبة 100 في المئة خلال فترة السنوات العشر الماضية. وفي السياق ذاته أشار المدير العام لمنظمة الرعاية الاجتماعية والاقتصادية، مرتضى موسوي، إلى أن سن الإدمان على المخدرات انخفض إلى 11 عاماً، ودعا المسؤولين لاتخاذ السياسات والحلول المناسبة والسريعة.
وأكد عضو لجنة التعليم والبحوث في مجلس النواب الإيراني، عطاء الله سلطاني صبور، في جلسة مغلقة للبرلمان عن نتائج الزيارات الميدانية لممثلي المدارس لدراسة حالات الإدمان، انتشار تعاطي المخدرات بين الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و9 سنوات، بنسبة خطيرة. وبدوره كشف نائب رئيس منظمة مكافحة المخدرات، علي رضا جزيني، عن زيادة نسبة الإدمان بين الإيرانيات بنسبة 33 في المئة، وأعرب عن قلقه المتزايد إزاء الزيادة غير المسبوقة للإدمان التي أصبحت أزمة كبيرة في إيران. وأعلن نائب وزير الشباب والرياضة، محمود كلزاري، أن أكثر من 3 ملايين شاب يعاني من الإدمان على المخدرات، وأن الشباب المدمنين يشكلون 45 في المئة من السجناء في إيران.
وبما يتعلق بتأثير الصفقة النووية المترقبة بين إيران والغرب، لم يخف العديد من نشطاء حقوق الإنسان والأحزاب والشخصيات المعارضة الإيرانية قلقهم إزاء التأثير السلبي لهذا الاتفاق على تدهور وضعية حقوق الإنسان في إيران. وانتقد هؤلاء النشطاء صمت منظمات حقوق الإنسان الدولية والحكومات الغربية حول إعدامات الأيام الأخيرة. وأكدت رئيسة مركز الدفاع عن حقوق الإنسان والحائزة على جائزة نوبل للسلام، شيرين عبادي، أن العديد من نشطاء حقوق الإنسان الإيرانيين يطالبون إدراج ملف حقوق الإنسان في جدول المفاوضات الغربية الإيرانية، واعتبرت تجاهل الدول الغربية لهذا الأمر انتهاكا لقيم الإنسانية التي يعتقد بها الغرب. وبالتزامن، طالبت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، نافي بيلاي، الدول الغربية بمناقشة ملف حقوق الإنسان خلال المفاوضات مع إيران.
لكن طهران رفضت بقوة جميع هذه المطالبات، وأعلنت أن موضوع حقوق الإنسان لن يكون جزءاً من المفاوضات على الإطلاق. وأعرب آية الله علي خامنئي عن خيبة أمله إزاء نتيجة المفاوضات النووية، وقال إنه بصرف النظر عن الملف النووي، هناك مسلسلات أخرى تنتظرهم مثل ملف حقوق الإنسان، وإن المواضيع الخلافية مع الغرب لا تقتصر على القضية النووية. ورفضت شيرين عبادي وصف المرشد الأعلى الإيراني حقوق الإنسان بالمسلسل، وأكدت أن موضوع حقوق الإنسان هو قضية عالمية.
وعبر نشطاء حقوق الإنسان عن قلقهم إزاء تجاهل الغرب للانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في إيران بسبب تحسين العلاقات الغربية الإيرانية، واعتبروا أن الاتفاق النووي المزمع عقده مع إيران سيؤدي إلى تدهور وضعية حقوق الإنسان في إيران أكثر. وتظهر تقارير مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أن وضعية حقوق الإنسان تدهورت بشكل كبير خلال العامين الماضين وفترة حكومة حسن روحاني المحسوب على المعتدلين، قياساً مع السنتين الأخيرتين لحكومة محمود أحمدي نجاد، الرئيس السابق وهو من المتشددين.
وبعد إعلان خامنئي تبنيه استراتيجية «المرونة البطولية» للتغطية على التنازلات الكبيرة التي قدمتها إيران خلال مفاوضتها مع الغرب، صعّد القضاء وتيرة سياسة القبضة الحديدة التي اعتمدتها طهران منذ انتصار ثورة 1979، بشكل كبير. وقبل أيام قليلة، أكد ممثل الولي الفقيه في الحرس الثوري أن آية الله علي خامنئي قدم تنازلات بخصوص «الاتفاق النووي» تشبه تنازلات الخميني لوقف الحرب مع العراق، حيث اعتبر الخميني نفسه أن قبوله لقرار 598 هو مثل تجرع كأس السم حينها.