دلالة ظاهرة الغش في الثقافة الإسلامية

دلالة ظاهرة الغش في الثقافة الإسلامية

محمد شركي

[email protected]

الغش في اللسان العربي نقيض النصح أو الخيانة ، وهو مأخوذ من الغشش أي المشرب الكدر ، وهوأيضا الكدر في كل شيء . والمغشوش من الأشياء غير الخالص فيقال مثلا : " لبن مغشوش " إذا خالطه الماء ، ولم يبق خالصا . وانتقلت دلالة الغش من الماديات إلى المعنويات ، فشملت مما شملت الامتحانات .  والذي يمارس الغش مهما كان نوعه يعتبر غاشا  وغشا ـ بضم الغين ـ ويجمع على غشون ـ بضم الغين ـ وغششة  وغشاش ـ بضم الغين ـ  ويقال قوم  غشاشة ـ بفتح الغين ـ  أي ذوو غش . ومع أن الغش هو الكدر في كل شيء، فإن أذهان الكثير من الناس تنصرف نحو الغش في الامتحانات  فقط أي في مجال التربية  دون غيرها من المجالات .  ومعلوم أن الثقافة الإسلامية تعتبر الغش جرما وخطيئة على غرار الخطايا المحرمة شرعا . والغش يخرج الغاش من دائرة الانتماء إلى حظيرة الإسلام لقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم : " من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا " .ويفهم من هذا الحديث أن الغش بمنزلة حمل السلاح على المسلمين ، وهما يشتركان في إخراج من يفعلهما من الانتساب إليهم.وفي أحاديث أخرى ترهيب من عاقبة الغش في الآخرة ، ذلك أن من استرعاه الله عز وجل رعية فمات وهو غاش لها لم يدخل الجنة . ومعلوم أن دلالة الرعية تتسع لتشمل الأسرة وبيت الزوجية والخدمة ... كما جاء في الحديث المشهور : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ...." الحديث . وكان من المفروض أن يتعامل الناس في مجتمع يدين بدين الإسلام مع الغش باعتباره جرما وآفة وبائقة ، وأن يكون مستقبحا في كل مجالات الحياة بما فيها مجال العلم وهو أشرف مجال . والمؤسف أن المجتمعات الإسلامية وبسبب خفوت وضعف تدينها لم تعد تستقبح الغش ، بل الأمر أخطر من ذلك إذ صار الغش سلوكا متداولا يدل على الذكاء والشطارة ، ويفضي إلى تحقيق النتائج وتحصيل الامتيازات . ولقد صارت ظاهرة الغش في الامتحانات حديث الألسنة في نهاية كل موسم دراسي ، وهي ظاهرة باتت تقلق الوزارة الوصية على الشأن التربوي حتى بلغ الأمر حد استصدار قوانين زاجرة في حق ممارسي الغش في الامتحانات. ومع تشديد الوزارة على محاربة الغش يزداد الإقبال عليه سنة بعد أخرى خصوصا بعدما صار المجال المعلوماتي وسيلة لممارسته . ويفخر الغششة بالذكاء والشطارة وهم يسخرون المعلوميات لممارسة جريمة الغش ، على غرار افتخار مختلف المجرمين بذلك .وإذا كان الغش على مواقع التواصل الاجتماعي ينطلق مع انطلاق الامتحانات مباشرة لوجود هواتف خلوية مدسوسة أو قد غض عنها الطرف أثناء المراقبة أو تم استعمالها من طرف الجهات المكلفة بالامتحانات  والمنعدمة الضمير ، فإن هذا الموسم الدراسي  تميز بنقلة نوعية في ممارسة جريمة الغش حيث تسرب امتحان مادة الرياضيات الخاص بالمسالك العلمية ليلة إجراء الامتحان ،الشيء الذي يعني تورط  جهة  مسؤولة  في تعمد التسريب  عن سبق إصرار بغرض بث الفوضى في ربوع الوطن وزعزعة استقراره وأمنه على غرار ما تفعله الجهات الإرهابية المتربصة به والتي تطارد بصرامة  ويقظة . ويخوض الرأي العام الوطني في موضوع خلفية تسريب الامتحان لهذا الموسم بهذه الطريقة ، فتذهب بعض الآراء إلى أنه ربما كان سبب ذلك ما تشهده الساحة الوطنية من صراعات حزبية يستخدم فيها أسلوب نصب الكمائن والإيقاع من أجل تشويه السمعة ، وذلك في إطار حملات انتخابية مسعورة قبل الأوان ، وهو احتمال  وارد نظرا لحرص مرتكب أو مرتكبي  جريمة التسريب على إشاعته عبر مواقع التواصل الاجتماعي بغرض التشهير بالوزارة وبالحكومة وإحراجها أمام الرأي العام الوطني وتأليبه عليها لتسجيل نقط في الحملات الانتخابية المحمومة ، وستبقى تساؤلات الرأي العام الوطني مطروحة إلى أن تكشف التحقيقات عن الدوافع الحقيقية وراء هذه الجريمة التي ترقى إلى جريمة خيانة الوطن . وباعتبار هويتنا الإسلامية يعتبر مرتكب هذه الجريمة متنصلا من الانتماء إليها ، وفي حكم من أشهر السلاح على الأمة المغربية . وبقي أن نشير في الأخير إلى أن ظاهرة الغش لا تقتصر على الامتحانات ، ذلك أن كل عمل مهما كان  نوعه فيه مصلحة عامة يقع فيه ما يكدره يعتبر غشا سواء تعلق الأمر بمجهود أو وقت أو تجهيز أو مال ... وكل غاش استرعي رعية مهما كان نوعها، وكان مسؤولا عنها ينسحب عليه مضمون الحديث الشريف الذي يعلن البراء من الغاش للأمة وحامل السلاح عليها.