وجاء دور الإسلام 7

الجاهلية تنتفض لنفسها

د. فوّاز القاسم / سوريا

ما أخطأ المجتمع الجاهلي فهم هذه الدعوة ومراميها ، وما غُمَّ على أهله أمرها ، وأدركوا عندما قرع أسماعهم صوت النبي r أن دعوته إلى الإيمان بالله وحده سهم مسدَّد إلى كبد الجاهلية ، ونعيٌ لها ، فقامت قيامة الجاهلية ودافعت عن تراثها دفاع اليائس ، وقاتلت في سبيل الاحتفاظ به قتال المستميت  وأجلبت على الداعي r بخيلها ورجلها ، وجاءت بحدها وحديدها : { وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } ص6

وهنا وقع ما تحدث عنه التاريخ من حوادث الاضطهاد والتعذيب ، وثبت النبي   r وأصحابه رضوان الله عليهم ،على الدعوة ثباتاً دونه ثبات الجبال الراسيات  لا يثنيه أذى ، ولا يلويه كيد ، ولا يلتفت إلى إغراء ، ويخاطب عمّه المشفق الخائف فيقول له : (( يا عم ، والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري ، على أن أترك هذا الأمر ، ما تركته ، حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه )).

ولقد مكث رسول الله   r ثلاث عشرة حجة يدعو إلى الله وحده والإيمان برسالته واليوم الآخر بكل قوّة ووضوح ، لا يكنّي ، ولا يلمّح ، ولا يلين ، ولا يستكين ، ولا يحابي ، ولا يداهن ، ويرى في ذلك دواء لكل داء ...

ونهضت له قريش ، وصاحوا به من كل جانب ، ورموه عن قوس واحدة ، وأضرموا البلاد عليه ناراً ليحولوا بينه وبين أبنائهم وإخوانهم فأصبح الإيمان به والانحياز له جد الجد ، لا يتقدم إليه إلا جاد مخلص هانت عليه نفسه ، وعزم على أن يقتحم لأجله الصعاب والنيران ، لا يستهويه مطمع من مطامع الدنيا ، إنما همه الآخرة ، وبغيته الجنة ...

فما كان من قريش إلا ما توقعوه منها ، فقد نثرت لهم كنانتها ، وأطلقت عليهم كل سهم من سهامها ، فما زادهم كل هذا إلا ثقة وتجلداً ، وقالوا : { هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } الأحزاب

ولم يزدهم هذا البلاء والاضطهاد في الدين إلا متانة في عقيدتهم ، وحمية لدينهم ، ومقتاً للكفر وأهله ، وإشعالاً لعاطفتهم ، وتمحيصاً لنفوسهم ... فأصبحوا كالتبر المسبوك ، واللجين الصافي ...

وخرجوا من كل محنة وبلاء ، خروج السيف بعد الجلاء .