قِصةُ الديمُقراطيِّةِ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

د. حامد بن أحمد الرفاعي

بَدَأت منْ مدينةِ أثينا اليونانيةِ القديمةِ"508 - 267 ق.م"وَجَاءت تعبيراً عنْ رفضِ الظلمِ والتمييزِ الطبقيِّ..الذي أحدثتَها الشرائعُ اليونانيِّةُ القديمةُ"1100-400ق.م"وتَجسدَت تِلكَ الشرائعُ بأربعةِ نماذجٍ:"أشعارُ هوميروس..وقوانينُ دراكون..وقوانينُ صولون"وجَاءَت قوانينُ ليكرجوس لتكونَ بدايةَ التحررِ وحضّرَت للثورةِ التي قَادَها المُتضررون منَ المظالمِ..وعَبروا عنْ مَطالبِهم بِعبارةِ"ديموس كراتوس"أي حُكمُ الشعبِ..إلا أنِّ هَذا الشعارُ لم يُبلور نِظاماً محدداً..وَبقي تعبيراً عنْ حالةٍ شعبيِّةٍ غاضبةٍ..تَعاملَ مَعَها النِّاسُ بمزاجيةٍ وَلَّدَت حالةً منَ الفُوضى..أحالَت مُجتمعَ أثينا إلى مُجتمعٍ طبقيٍّ منْ نوعٍ آخرَ..فبدلاً منَ المُناداةِ بحكمِ النُبلاءِ جَاءت المناداةُ بحكمِ الدهماءِ تحتَ مُسمى(حُكمُ الشعبِ) مِنْ دونِ إعطاءِ تعريفٍ محددٍ لعبارةِ "حكمُ الشعبِ"مَاعدَا مُحددين اثنين"استثناءُ المرأةِ منْ حقِ المشاركةِ في الحكمِ..وَحصرُ حقِ المشاركةِ في الحكمِ لِمنْ بلغَ الثامنةَ عشرَ منِ الذُكورِ"ولمْ يُجب أصحابُ هَذا الهتافِ عنْ تَساؤلاتٍ مثل:(مَا مَعنى حكمُ الشعبِ ..؟ومَا هي الكيفيِّةُ التي يَحكمُ بِها الشعبُ ..؟ وَكيفَ التعاملِ مَعَ حالةِ التنوعِ والاختلافِ ..؟ ومنْ المسؤولُ عنْ التشريعِ ..؟ومن المسؤولُ عنْ التنفيذِ ..؟) وَتُركَ النِّاسَ أمامَ عفويةٍ ومزاجيةٍ..مِمَّا يمكنُ القولُ مَعها أنِّ ثقافةَ أثينا القديمةِ وقفَ دُورُها في ولادةِ الديمقراطيةِ عندَ إفرازِ شعارِ"ديموس كراتوس"مِمَّا أدخلَ مجتمعَ أثينا في فُوضى عارمةٍ..لا تَقِّلُ خطورةً عَمَّا سَبقَها منْ عهودٍ ونظمٍ..وهَذا ما ولَّدَ حالةٍ منَ الرفضِ..قَادَها العلماءُ والفلاسفةُ وعَلَى رأسِهم الفيلسوفُ المشهورُ سقراط"469-399ق.م"فَدفعَ حياتَه ثمناً لِذَلك..وتابعَ تلامذتُه منْ بعدهِ أفلاطون"427-347ق.م"وأرسطو"384-322ق.م"مُناهضةَ الفُوضى وَوصَفوا حالةَ " ديموس كراتوس"بِأنِّها أبعدُ ما تكونُ عنِ النظامِ..وأنِّ مواطني أثينا لمْ يَروا فَرقاً بينَ الديموس كراتوس والعبوديِّةِ..وأنِّ حقَ المواطنةِ لمْ يُمنح لِجميعِ الأفرادِ..حيثُ استُثنيت المرأةُ منْ هَذا الحقِ..وأنِّ فكرةَ الحكمُ للشعبِ لمْ تُحدد منْ يَنتمي إلى"الشعب"وَخُتِمَ الأمرُ بتسويةٍ بينَ حُكمِ العامةِ وحُكمِ النُخبةِ..فَكانَت بِذلكَ ولادةُ مبدأ التمثيلِ..الذي عَلَى أساسهِ يَنتخبُ العامةُ منْ يُمثِّلُهم منَ النُخبةِ في إدارةِ شؤونِ الحُكمِ..والتقطَت أوروبا الفكرةَ وطوّرتَها عبرَ الاستفادةِ منْ ثَقافةِ المسلمين بِالحُكمِ..فَجَاءَت فكرةُ العقدِ الاجتماعيِّ..دونَ الأخذِ بقيمِ وضوابطِ الإسلامِ في أداءِ ميثاقِ العقدِ الاجتماعيِّ..فَحدَث خللٌ لا تزالُ البشريةُ بعامةٍ تُعَاني منْ مَسألةِ التَناقُضِ بينَ المُسمّياتِ وَمضَامينِها التي مَقتَها اللهُ تَعَالى بِقُولِه:"كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ".