التّغربُ والتّصوُّفُ يؤديان إلى التّردِّي والتّخلف

 

 

ان الاعتماد على الغرب الحاقد وتقليده بتبني برامجه ومناهجه ونظرياته الضالة لن يؤدي إلا الى الدمار والبوار والتسارع في الانحدار, وقد جربنا ذلك فهل نعتبر ونتعظ ؟ إن الغرب لا يطلعنا إلا على القشور وبمقابل فادح وخطير, وهو التفريط في عقيدتنا وقيمنا , وذلك هو العدم والتلاشي .

وأما العودة الى الأخطاء التي سلفت في تاريخنا, والتي أدت الى ما نحن فيه من ضعف وتخلف وهوان

كالطرق الصوفية, فما هو الا إطالة في عمر الأزمة ومرض الأمة , لأن التاريخ يشهد أن هذه الطرق من أهم الأسباب التي أدت الى تشتيت وحدة المسلمين وعودتهم على الخمول والبطالة , حيث صار لكل حي شيخه ووليه وضريحه الذي يرجع إليه ويتعصب له, غافلا عن آمال الأمة وأحوالها, وأوهنت علاقة المسلمين بربهم فصاروا يتوكلون على الأولياء بدل أن يتوكلوا التوكل الايجابي ( أعقلها وتوكل) على رب السماء , أي اعمل بكل طاقتك وحيلتك ثم انتظر ثمار عملك من الله , ولا تيأس مهما كانت النتائج , فما دامت النية صالحة فالأجر حاصل بإذن الله , وما تمكن الاستدمار من الأقطار الإسلامية الا بسبب انتشار هذه الطرق وأمراضها , فالعلة المزمنة التي أودت بالخلافة العثمانية هي اهتمامها بالأولياء والأضرحة على حساب العلم والفكر والإعداد والاستعداد , فحين كان الأوربيون يجوبون بحار العالم ويابسته ويكتشفون الأمريكتين ويبحثون عن الطرق والمنافذ البحرية التي تسهل لهم الانتشار لاستدمار الارض , ثائرين متمردين على رهبانية الكنيسة وجمودها وخرافاتها , و كأنهم ينفذون أوامر القرآن الكريم وتوجيهاته فيما يتعلق بالتعامل مع الكون من مثل قوله تعالى frown رمز تعبيري هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها ..),( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدا الخلق.. ) (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم... ) (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض.. ) ( وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) (وسخّر لكم ما في السّماوات وما في الأرض جميعا منه ) (فلا اقسم بمواقع النّجوم وانّه لقسم لو تعلمون عظيم ) ( فإذا قضيت الصّلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله )( وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ...) ( وأنزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس ) ..... الخ . قلت لما كان الأوربيون يجوبون البحار ويبحثون ويكتشفون كانت الخلافة العثمانية محجوبة عن هدي القرآن بأفكار الرهبنة الكنسية والهندوسية التي تسربت الى العالم الإسلامي في صورة التصوف الدخيل على الإسلام من حيث المصطلح ومن حيث المضمون , فلا يوجد إطلاقا مصطلح التصوف في القرآن والسنة, الذي جاء به الإسلام هو الزهد في الدنيا والتقوى , والزهد لا يعني إهمال الدنيا وأسباب العمران فيها , بل يعني تعميرها باسم الله , وفق منهاج الله , إرضاء له وتقربا إليه بها , أي اتخاذها مطية للآخرة , وعدم الإخلاد إليها بالتمتع المفرط والاستهلاك الجشع والأنانية البغيضة , فالزاهد يعمل ويكدح وينتج تقربا الى الله وعبادة له وطلبا للأجر, ثم هو يشرك إخوانه المؤمنين العاجزين في ثمرة كدحه وإنتاجه وقد يؤثرهم بها ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شُحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون ).

والزاهد يحرص على العلم النافع ومنه العلم الكوني ويسعى دائما من أجل الاستزادة منه كي يزداد إيمانا بمعرفة آيات الله الدالة على قدرته وحكمته ورحمته أولا , ولكي ينفع إخوانه المؤمنين ويزيد في قوة أمته وعلو شأنها ثانيا, ( واعدُّوا لهم ما استطعتم من قوة...) ولكي ينال الأجر عند الله على ما يتوصل إليه من اكتشافات واختراعات تحسب له صدقات جاريه يصله أجر الانتفاع بها بعد وفاته ثالثا

وينزه العلم عن الإغراض الدنيئة والنوايا السقيمة , والرغبات المنحطة .

فالزهد الإسلامي عامل أساسي في تطور العمران وسمو الإنسان وسعادته ماديا وروحيا , دنيويا وأخرويا, أما التصوف الطرقي الدخيل - خاصة في صورته الحالية - فهو شيء مناقض تماما للزهد الإسلامي , انه انحطاط مادي وروحي , أنه موت حضاري , لأنه باختصار ختل الدنيا بالدين , وطلب المتعة والجاه بالبطالة والراحة , واستخدام الدين مطية للإغراض الدنيئة , من شهوات وجاه وسلطة بمخادعة العوام والجهال والسذج بمظاهر التنسك , وهو علة مهلكة لأنه يحجب الناس عن الله ورسوله وكتابه بالأولياء والمشايخ وأقوالهم ومواثيقهم , فإذا بالمريد الصوفي يتقرب الى الشيخ لا الى الله , ويدعو الشيخ ويخشاه ويغفل عن الله وينساه .

قد يقول قائل أنت إذا ضد التربية الروحية التي صارت ضرورية لعصم الأجيال من تيار المادية الجارف . وأقول : إن مشرب التربية الروحية الإسلامية ليس إطلاقا في الطرق الصوفية , بل إن تلك الطرق هي مما أفسد التربية , ومن أراد التأكد من ذلك فليلق نظرة فاحصة على ما يجري في معظم الزوايا من سلوكات يندى لها الجبين , وعلى أحوال وتصرفات أكثر شيوخها الذين لا هم لهم الا المادة والمظاهر الخادعة الفارغة , من تهافت على المعالف وتباهي بالمعارف , فهم في حاجة الى تربية مركزة طويلة فكيف يربون ويتمشيخون ؟

إن التربية الروحية التي نريدها هي التربية القرآنية النبوية التي تقدح في المريد زند العقل فيضيء سنا

التفكير, فينطلق على ضوئه باحثا عن الحق , فإذا ذاق حلاوة العثور علية استزاد منه حتى يدمن عليه فيخبت ويستسلم لله وتزكو نفسه , فتثمر الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة , أي نساعده على أن يشعل سراج العقل والإيمان ثم ينطلق على ضوئهما في طريق الاستقامة حرا عزيزا ( ومن يؤمن بالله يهد قلبه ) ( واتقوا الله ويعلّمكم الله ) ( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا)(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وانّ الله لمع المحسنين ) لا أن يقوده الطرقيون كالأعمى في طرق ما أنزل الله بها من سلطان , وقد يسقطونه في الحفر والمتاهات , أو يلقونه في المهالك والهاويات .

التربية الروحية الإسلامية التي تنفع البلاد والعباد لا تحتاج الى شيخ طريقة , فلا واسطة في الإسلام بين المسلم وربه ( وإذا سالك عبادي عني فانِّي قريب ) ( وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير) إنما تحتاج الى مؤسسات ووسائل وقرارات مسئولة , تحتاج الى الروضة والمدرسة والجامعة بالبرامج والمناهج السليمة الصالحة المستمدة من قرآننا وسنتنا وثقافتنا , المراعية لقيمنا وعقيدتنا ولغتنا , والمسجد الحر الذي يؤدي وظيفته التربوية والتوجيهية بصدق وأمانة , والتلفاز والمذياع بالحصص الهادفة الهادية , والنادي الثقافي بالنشاطات الثقافية التي تنمي الوعي الإيماني والأخلاقي , والجريدة التي ترشد وتعلم وتبصر, والمحيط النظيف من المظاهر اللا أخلاقية , والمسئول والإمام والمعلم والولي والقاضي والشرطي والتاجر القدوة في مجال نشاطه , بقوة القانون في البداية ثم بالاقتناع في النهاية ( إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ) . أما التهرب من المسؤولية وذر الرماد في العيون بالتمسح بشيوخ الزوايا وأقطاب الطرق الصوفية , فهو نوع من المخادعة للعوام السذج والضحك عليهم وهو حضاريا انتقال من الفوضى والطيش الى الجمود والتحجر.

ألا فلندع الى الله ورسوله لا الى أنفسنا وشيوخنا وزعمائنا, والى كتاب الله لا الى أقوالنا وآرائنا, والى الصراط المستقيم لا الى طرقنا وأحزابنا قال تعالى : " وَأنَّ هذا صِرَاطِي مُستقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم ْعن سَبِيلِهِ ذَلكُمْ وصَّاكُمْ به لَعلَّكمْ تَتَقُوَنَ "

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين