الشيخ محفوظ نحناح في ذكراه، رؤية فكرية ثاقبة وتجربة تجديدية رائدة
تمر علينا هذه الأيام الذكرى الثانية عشر لوفاة الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله، الذي غادر هذه الدنيا في 19 جوان(يونيو) 2003، بعد عمر حافل بالجد والاجتهاد والجهاد في ميدان الفكر والدعوة والسياسة، كانت له بصمات تجديدية واضحة المعالم في المجالات الثلاثة سالفة الذكر، حيث أرسى بالتراكم تجربة رائدة ورؤية فكرية ثاقبة مليئة بالكثير من الاجتهادات الجديرة بالتأمل والدراسة والتحليل وحتى التمثل والتوظيف والاستفادة، لو وجدت العناية اللازمة والتوثيق الدقيق والتسويق الجيد والدعاية الكافية. بعض هذه الاجتهادات أو أغلبها تكون الحركة الإسلامية في عدد من الأقطار خاصة التي مستها موجة الربيع العربي في أمس الحاجة إلى استحضارها من الناحية العملية والموقفية لتجاوز الكثير من الإخفاقات والمغامرات غير المحسوبة العواقب، وكذا الأخطاء القاتلة للتجربة والمشروع.
ولو أردنا أن نشير إلى بعض ملامح رؤية وتجربة الشيخ نحناح على شكل نقاط فإننا نستطيع أن نذكر:
1 ــ الرفض المبدئي لفكرة العنف والمواجهة المسلحة والعسكرة والاحتراب الداخلي وسفك الدماء بين أبناء الوطن الواحد، مهما كانت الأسباب والمبررات، سواء للوصول إلى السلطة أو للبقاء فيها كما كان يقول دائما.
2 ــ الرفض المبدئي لفكرة المغالبة والهيمنة المطلقة في العمل والتغيير السياسي، وترجيح كفة المشاركة السياسية والتوافق والتعاون والتنسيق حول القواسم المشتركة والقضايا الجامعة.
3 ــ الرفض المبدئي كذلك لفكرة تدويل القضايا الوطنية، وفتح المجال للأجنبي المتربص للتدخل السافر في الصراعات الداخلية وإذكائها وإشعال فتيلها وتوظيفها واستثمارها لمصالحه على حساب البلد والشعب ومصالحه ووحدته واستقراره.
4 ــ ضرورة الحفاظ على الدولة الوطنية وبقائها قائمة، والحذر من المساهمة بقصد أو بغير قصد في هدمها أو ذهابها، لأنه عند وقوع ذلك يكون الجميع خاسر حينها، حيث كان يحذر كثيرا من ظواهر الصوملة والروندة والأفغنة وغيرها عندما تفككت الدولة الوطنية فدفع الجميع الفاتورة غالية ولم يسلم أحد في أي معسكر كان أو تخندق وأولهم الوطن ذاته.
5 ــ ضرورة التفريق بين الدولة كسيادة ومؤسسات وكيان ووحدة مجتمعية وتراث وتاريخ وجغرافيا، وبين السلطة كأشخاص ونظام وأحزاب وهيئات ومنظمات، في صناعة الموقف السياسي وآليات التعامل موافقة أو معارضة، رفضا أو قبولا، قدحا أو مدحا.
6 ــ القبول المبدئي غير المصطنع بالديمقراطية كآلية في إطار مبدئية الشورى كمبدأ إسلامي أصيل وثابت، لذلك أبدع مصطلحا جديدا أضافه للقاموس السياسي العام جمع فيه بين مبدئية الشورى وآلية الديمقراطية سمّاه ((الشورقراطية)).
7 ــ الجمع بين خصلتي المرونة والحزم في التعاطي الفكري والسياسي مع الأحداث والوقائع والقضايا، فبقدر ما كان مرنا إلى حد التنازل أحيانا في دائرة المتغيرات والوقائع المستجدة، بقدر ما كان حازما في دائرة الثوابت خاصة إذا تعلق الأمر بقضايا الهوية من دين ولغة ووحدة وطنية إضافة إلى قضية الأمة المركزية قضية فلسطين وما يتبعها من قضايا كقضية التطبيع مع الكيان الصهيوني.
8 ــ التأكيد على ضرورة إيجاد وفهم وتطبيق المعادلة المفقودة بين ثلاثية الإسلام والوطنية والديمقراطية في تعاطي الإسلاميين تحديدا مع الشأن السياسي العام، الأمر الذي جعله يكتب كتابه الرائع((الجزائر المنشودة المعادلة المفقودة ..الإسلام، الوطنية،الديمقراطية))، ولعل من أكثر نقاط الغموض في التجربة الإسلامية العربية على وجه الخصوص هو قضية القدرة على الربط الطبيعي بين هذه الثلاثية في برنامج واحد بعيدا عن منطق التوظيف والوصاية بالنسبة للنقطة الأولى، والتوجس والتحفظ بالنسبة للثانية والثالثة.
9 ــ الحرص على تقديم الإسلام للآخر بطابعه الحضاري المقاصدي الأنيق بعيدا عن كل صور التشدد والتزمت والحرفية، مع حضور لافت دائما لروح الدعابة والمرح والابتسامة غير المتكلفة، وهو الأمر الذي أكسبه الكثير من التقدير والاحترام من كل القطاعات والفئات حتى ممن يختلفون معه فكريا وأيديولوجيا وسياسيا.
10 ــ إعطاء عناية خاصة بعنصري المرأة والشباب، وفتح المجال واسعا أمامهم ليكون لهم دور فاعل في المشروع التغييري وقيادته، وتشجيعهم على المبادرة، وتقديمهم للمهمات والمواقع المتقدمة دون أي عقدة، إلى الحد الذي جعل بعض المتهكمين والقلقين والمنافسين يطلقون على حركته بأنها حركة النساء والذراري أي المرأة والشباب، لكثرة تواجد هذين العنصرين في صفوفها ومواقعها ومؤسساتها المختلفة وحتى قيادتها في عهده.
هذه على عجالة وبشكل مختصر عشرة ملامح للرؤية التجديدية للشيخ محفوظ نحناح رحمه الله نقدمها كقراءة أولية مبدئية لمساره ومسيرته الفكرية والدعوية والسياسية، ولتجربة ثرية نزعم أنها مازالت خاما في حاجة إلى الكثير من الدراسة والتقييم والتحليل والتفكيك والتفصيل والتدوين والتوثيق.