حرب تخريب المقدسات
منطقتنا تمر بحرب حضارية لتحطيم كل مقدس، وتمريغ كل شيء محترم وذي قيمة حولنا، هذا من أخطر مظاهر الموجة الجديدة من الحروب. يؤكد علماء الحضارة أنه لا قوام لأي شعب إلا بوجود قيم عليا تكون محترمة من الجميع، وتتمثل هذه القيم في ثوابت دينية وثقافية، وفي أشخاص يكن لهم المجتمع احتراما وتقديراً لتمثلهم تلك القيم، وهو ما يظهر في احترام السعوديين للدين، المتمثل في تعظيم الخالق تعالى، وشخصية النبي عليه الصلاة والسلام واصحابه، والقرآن الكريم، والكعبة والحرمين الشريفين واحترام دم الإنسان وكرامته وتقاليد حماية كيان الأسرة. وأيضاً احترام الشخصيات السياسية في الدولة، والعلماء الشرعيين، مع التأكيد على التفاوت في المكانة بين كل مما سبق، لكنها أمثلة توضح المقصود.
هي حرب مفتوحة على المقدس والمحترم، ليس لها قائد واحد بالضرورة، نعم هناك شياطين كبار يسهمون في تسعير هذه الحرب أو يوظفون أدواتها، لكن المؤكد أنه لا توجد جهة واحدة تتحكم في هذه العقدة التاريخية التي نمر بها، وهذا ليس شيئا سيئاً، بل يفتح الأفق لنكون نحن أيضاً ممن يسهم في درء مخاطر هذه الحرب ونعيد التوازن بما يمكننا (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) وفي آية الحج الأخرى (لهُدِّمت صوامع وبيع..) هُدِّمت: هكذا بتشديد الدال، إشارة الى الغيظ والرعونة والتعجل في هدم المقدس !.
لا ريب أن هناك من يشجع على استمرار هذه الحرب حتى تؤتي أكلها - لا قدر الله -، وهناك أيضاً متربصون مستعدون للمشاركة في حفلة الدم في كل مرة يُنال فيها من شيء محترم بيننا، لا يهمهم ماذا؟ أو من؟ أو ما المآل؟، بل يهمهم التوقيت، هل هو مناسب أم لا؟، وهناك مقاولون صغار وأصاغر من بني جلدتنا يسهمون في تحقيق هذه المآرب السوداء، بعضهم يمارس ذلك بسذاجة وغريزية حمقاء، وآخرون مرتزقة همهم التكسب على حساب دينهم وقيمهم ومصالح وطنهم، وصنف ثالث مؤدلجون أو طائفيون يجمعون بين الارتزاق وتحقيق مصالحهم الضيقة.
ولأن أولئك المشجعين أذكى من أن يظهروا في المشهد على أنهم يديرون المعركة؛ تعاقدوا مع المقاول القريب الذي هو من بني جلدتنا وينطق بلغتنا، ذاك فقط هو من يمكن أن يتقبله المجتمع تحت ذرائع شتى.
ولأن مآرب البعداء محددة، وليس المطلوب فيها هدم كل شيء دفعة واحدة، صار العدو ينتقي من المقدسات والشخصيات والقضايا المحترمة شيئاً فشيئاً بقدر ما يحقق الغرض المطلوب، وينوع في أدوات الإطاحة، فمرة يوعز باستعمال الكوميديا، ومرة يوعز بالاستهداف المباشر للمساجد والاستهتار بمشهد رشق ذلك اللون الأحمر القاني على جدران المساجد، ومرة يرفع الراية الشريفة المكتوب عليها أشرف عبارة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ثم يمرغها في مسرح غارق في الدم الحرام، ومرة يسرب عشرات الآلاف من الوثائق الحكومية المهمة المشتملة على أسرار تمس حياة الأفراد وكيان الدولة.
قد يكون المقاول الصغير ساذجاً أو مرتزقاً أو رسالياً حتى، أو أي شيء آخر، لكن المؤكد أن مخطط الإطاحة هذا يجري على قدر، فلا مناص من التصدي لهذه الحرب المتعددة المحاور بأكثر من مطالبة الشباب بالصمت أو الاكتفاء بالحلطمة.