مهرجان إدانة صلاح الدين !

أطلت المذيعة الصليبية بوجهها المنقوع في محلول الكراهية والتعصب والجهل ، لتخبرنا أن صلاح الدين الأيوبي لم يكن بالصورة التي قدمها المخرج السينمائي العالمي إياه، فلم يكن متسامحا ، ولا مستنيرا ، ولا يملك الأخلاق الكريمة التي بدا عليها في الفيلم . وأفتتنا المذكورة أن صلاح الدين قتل المدعو السهروردي (ت 587هـ ) لأنه كان صاحب رأي ، وأن صلاح الدين أحرق مكتبة للفاطميين ، وأن عليه مآخذ أخرى تجعله ظالما وغير متسامح كما صوره الفيلم ، وجاءت بمُخرج مسرحي يساري ليؤكد على كلامها ، ويمتدح السهروردي ، ويعرّج على الحلاج (ت 309هـ ) أيضا الذي قتل بسبب رأيه كما ادعي وسبقه آخرون في هذا الاتهام !

مهرجان الشيطنة الذي نصبته المذيعة الصليبية المتعصبة والمخرج الشيوعي لصلاح الدين ، جاء بعد حذف ما يتعلق به وعقبة بن نافع من موضوعات القراءة في التعليم العام بوصفهما من الإرهابيّين ، ووضْع آخرين من عينة عبده بانجو مثالا للبطولة السلمية والوطنية الساطعة! وسبق في الأيام الماضية  مهرجان آخر لبراءة اليهود وغسْل سمعتهم التاريخية ، واتهام المسلمين المصريين باضطهادهم ، وإرغامهم – ياللهول!- على الهجرة إلى كيان الغزو النازي اليهودي في فلسطين ! وتمثّل مهرجان البراءة في مسلسل اسمه حارة اليهود صنعه يساريون ، ومقالات أخرى كتبها شيوعيون وأشباههم لتبييض وجه القتلة اليهود وإثبات وطنيتهم ( المصرية !) . في مقابل شيطنة المسلمين ووصمهم بالإرهاب والخيانة والظلامية !

يصرّ أبطال المشهد الثقافي المصري الحظائري على استدعاء الشبهات ودعاوى الاستشراق الباطلة ، لشيطنة الإسلام ، وتلميع خصومه من الخونة والباطنية وأصحاب الفكر الوثني اليوناني القديم ،وتنصيبهم أبطالا ، من خلال مظلومية زائفة .

ليس السهروردي المقتول بطلا لحرية الفكر كما يصوره الهالوكيون اقتداء بما صوره المستشرقون ، ولكنه كان شيئا آخر ..

ويسجل التاريخ الحقيقي أن يحيى بن حبش السهروردي الفارسي ( المقتول ) ، حمل لواء الفلسفة الإشراقية المستمدة من الفلسفة اليونانية والفارسية والهندية التي تتعارض مع مفهوم التوحيد في الإسلام ، وقد اهتم به بعض المستشرقين من أمثال بروكلمان ورينز وفادي برج وروجوا لآرائه ، ووصفوه بالعبقرية وترجم أحدهم كتابه ( هياكل النور ) ، كما عرض له ماسينيون في بحوثه عن الحلاج ، واهتم به بول كراوس وهنري كوربان اهتماما كبيرا.

ويصفه المروّجون لعبقريته في مجال التقدير والإعجاب ، ومنهم سامي الكيالي بأن مظهره كان غير لائق ولا يحظى بالهيبة والاحترام في نفوس مستقبليه وكان زري المنظر والخلقة ، دنس الثياب ، وسخ البدن ، لا يغسل ثوبا ولاجسما ولايدا ولا يقص ظفرا ولا شعرا ، وكان القمل يتناثر على وجهه ويسعي في ثيابه وأن كل من يراه كان يهرب منه ! وقد أشار إلى قذارته عدد من الكتب منها "آثار البلاد وأخبار العباد " للقزويني و"اعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء " ج 4 .

وهذه صورة غريبة على الشخصية الإسلامية لا يقرها الإسلام الذي صاغ أتباعه على الطهارة وحسن المظهر والنظافة والأخلاق والعزة ، وكان نبي الإسلام – صلى الله عليه وسلم – يعرف قبل قدومه بريح المسك .

قد لا يكون الجانب الشخصي مهما بالنسبة لبعض الناس ، ولكن دلالته هنا لا تخفى ، فهو يشير إلى سلوك غريب يتفق مع فكر غريب حيث ذهب السهروردي إلى أبعد مدى في التبعية لمدرسة أفلوطين الوثنية التي اعتبرت الإشراق أساس المعرفة الوحيد . مما جعله يخرج من مفهوم الإسلام الصحيح إلى الباطنية ويجمع بين الشك والإيمان والكفر والشعوذة والتصوف والهرطقة حتى اتهم بالزيغ وانحلال العقيدة والتأويل .

على كل حال فالسهروردي لم يقتل بسبب معتقداته ، ولكنه قتل بسبب خيانته لوطنه  ، فقد ثبت عليه التخابر مع أعداء المسلمين من الصليبيين في أثناء الحرب التي كانت دائرة بين الطرفين ، وكانت هذه الخيانة هي التي دفعت الملك  الظاهربن صلاح الدين سلطان حلب– وليس صلاح الدين محرر القدس– إلى المطالبة بإهدار دمه. لم يذهب السهروردي ضحية حرية الفكر كما يزعم المستشرقون والهالوكيون ، ولكنه ذهب ضحية الخيانة وموالاة الصليبيين الأعداء في زمن الحرب .

وعلينا في كل الأحوال أن نتذكر أن الباطنية حركة سياسية خطيرة كانت – وما زالت - تصارع الإسلام وتحاول أن تنفذ إلى أعما قه بوساطة هؤلاء الغلاة .

ولا يختلف أمر الحلاج عن أمر السهروردي فلم تقتله الكلمة كما صوره صلاح عبد الصبور في مسرحيته الشعرية المشهورة وليس كما كتب عنه المستشرقون ، وليس كما يردد الهالوكيون ولكنه كان متآمرا سياسيا مع القرامطة ، وكان وكيلا لهم بعد انتصارهم على الدولة الإسلامية وسفكهم للدماء وتخريب البلاد وإنشاء عاصمة لهم في" هجر" حملوا إليها الحجر الأسود من الكعبة ، حيث ظل هناك قرابة ثلاثين سنة قبل أن يعاد إلى موضعه .

ويذكر إمام الحرمين في كتابه الشامل أنه كان بين الحلاج والجنابي الزعيم القرمطي اتفاق سري على قلب الدولة وأنه استغوى غلمان قصر المقتدر بالله العباسي  لتحقيق غايته الانقلابية ، وأن هذا هو السبب الحقيقي لقتله .

لقد ردّد ابن عربي وأبو يزيد البسطامي وابن سبعين وغيرهم مقولات الحلاج دون أن يصيبهم أذى ، مع أن دعوى الحلول والإشراق ووحدة الوجود التي يروجون لها تعمل على إفساد الأساس الفكري للدولة الإسلامية ، وهي دعوى تقوم على نظريات التصوف الهندي والمجوسية الفارسية والوثنية اليونانية .

وما بالك برجل مثل الحلاج وصفته كتب التاريخ بأنه رجل مجوسي عارض القرآن واشتغل بالمحاريق والحيل وادعاء العلم بالأسرار وادعاء النبوة والألوهية ودعا إلى حج غير حج الطواف في مكة ، وتعامل مع أصحابه بالشفرة من خلال المراسلات ، ثم تآمر على الدولة وأقام له أتباع الماركسية وأشباههم مهرجانا بوصفه شهيدا يدافع عن الفقراء والمظلومين؟( راجع : وفيات الأعيان ، النجوم الزاهرة ، والبداية والنهاية ، شخصيات قلقة في الإسلام لعبد الرحمن بدوي والشبهات والأخطاء الشائعة في الفكر الإسلامي لأنور الجندي وغيرها ) .

إن مهرجان إدانة صلاح الدين الأيوبي ،وبراءة المتآمرين على الأمة ليس اعتباطيا ، أو ناتجا عن جهل وسوء فهم ، ولكنه يأتي في سياق علوّ اليهود الغزاة وسيادتهم على العواصم العربية لدرجة أن بعضها تتهافت على نيل رضاهم وكسب ودّهم ، وبعض رجالها يتمنون الجلوس بجوار وزيرة يهودية في أحد اللقاءات الدولية !

رحم الله صلاح الدين الأيوبي محرر القدس العتيقة الذي مات ، ولم يكن يملك غير سبعة دنانير ! فقد كان ينفق كل ما يملك على الفقراء والمساكين والمحتاجين !

الله مولانا . اللهم فرّج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!