أمريكا من تهجين البطيخ إلى تهجين الفكر
يظن البعض أن استغلال الولايات المتحدة و الغرب لبلادنا يتوقف عند النفط و بيع الأسلحة و تصدير المعدات الثقيلة و مصانع البسكويت و الببسي.
و ربما لا أحد ينتبه إلى أن الولايات المتحدة تستثمر كل شبر من حقول الزراعة في الوطن العربي .
لا شك أن الوطن العربي يمتلك مساحات هائلة من الأراضي الزراعية و بلادنا كلها بلاد زراعية بامتياز، لكنك لو دققت اليوم في كافة أنواع البذور التي تستخدم في الزراعة هي من إنتاج أمريكي رقم واحد و أوربي رقم اثنان .
فبذور البطيخ التي نزرعها اليوم من إنتاج أمريكا، و بذور الطماطم من إنتاج أمريكا، وبذور القطن من إنتاج أمريكا، و بذور البطاطا من إنتاج أمريكا و ...و .
أما البذور العربية - و التي تسمى بالبذار البلدي – و التي كانت تتوالد و تزرع ثانية و ثالثة و رابعة أصبحت في خبر كان.
فالغرب المتطور و الذي استطاع أن يهجن كل أنواع المزروعات، و ينتج أنواع ذات إنتاجية عالية في الكم ، استطاع أن يزيح البذور العربية الأصيلة و التي إنتاجها يعتمد على الكيف و ليس على الكم و ربما أصبح جزء كبير منها مهدد بالانقراض .
و في خضم غلبة الطمع و الجشع على الأصالة و الوطنية، ضاعت حتى هوية بطيخنا و طماطمنا .
فالفلاح المسكين و الذي يوجه بكل بساطة انتقادات حادة للحكومات العربية المتواطئة مع أمريكا،و هو يستلقي على أطراف حقله ، هو لا يعرف و لا يدرك نفسه أنه عميل لأمريكا و للغرب و بشكل مباشر ، فلو خيرته بين أن يزرع أي محصول لديه بالبذار البلدي التقليدي و بين البذار الأمريكي لما تردد لحظة في اختيار البذار الأمريكي ذو الإنتاجية الوفيرة بعيدا عن النوعية و الجودة و التي تتمثل بالبلدية.
و لا تتوقف عمالة ذلك الفلاح البسيط إلى هذا الحد فقط ، لكن طمعه و جشعه يدفعه لأبعد من ذلك ، فيذهب و يشتري خلسة - و بعيدا عن أنظار الحكومات العميلة لأمريكا - المنشطات و الهرمونات المحرمة دولياً، و التي هي من صناعة أمريكية أيضاً ، في سبيل أن يزيد من غلة حقله ، ولوعلى حساب صحة و حياة إخوانه و أهله.
و من الطبيعي و من حق أمريكا – و هي قادرة - أن تحتفظ بثمن أبحاثها و فكرها، مقابل تلك البذور الوفيرة، فكانت كل المحاصيل التي تأتي من مختبراتها محاصيل خصية ، لا تنجب و لا تتوالد ، فهي تزرع و تؤكل لمرة واحدة فقط.
فالأرض أرضنا ، و الفلاح فلاحنا ، والتاجر تاجرنا ،و المستهلك مستهلكنا ، إلا أن حق أمريكا و حق الغرب من استثمار أراضينا يذهب إليهم و بكامل السلاسة و الهدوء و إلى جيوبهم و قبل أي موسم حصاد لدينا ، وهم ليسوا نائمين في فرشهم كما نعتقد ، و إنما يعملون ليل نهار في مختبراتهم السرية.
و اليوم يأتي الربيع العربي ، هذا الربيع الهائج المائج الخصب ، لا بد لأمريكا و من الطبيعي أن تفكر كيف تستثمر ذلك الفصل الاستثنائي، و تأخذ كامل نصيبها منه ، و نصيبها دائما هو نصيب الأسد و من حقها ذلك .
تربة خصبة لأي أفكار إسلامية ، تربة مغمورة بالدماء ، فكان لا بد من إيجاد بذور إسلامية مهجنة أمريكيا، تعيش و تنمو و تثمر سريعاً في هكذا ظروف ، فكانت الهدية الأمريكية لكل البلدان العربية سواء أكان الفصل لديها فصل ربيع أو خريف ، بوردة إسلامية - كما نحلم -مهجنة أمريكياً أسموها "خلافة إسلامية " ، نمت بين يوم و ليلة و شهقت و امتدت بين هنا و هناك مثل البقل .
سنزرعها في حقولنا بأيدينا و ننميها ،و نشتري كل المنشطات الأمريكية لتسريع نموها، و كل الهرمونات الأمريكية لتضخيم و تكثير محصولها، و من ثم سنقطف ثمارها بأيدينا و نقدمها جاهزة مغلفة لأمريكا الحبيبة.