دعوشة الثقافة
للوهلة الأولى قد يعتقد القارئ بأن هذا المقال سيسلط الضوء على أصحاب الفكري الإسلامي المتطرف فقط، نظراً لأن ارتباط الدعوشة رهين بالإسلاميين وحدهم دون أن ندرك بأن هناك من اليسار والليبراليين أشد تطرفاً وغلواً ضد الرأي الآخر، بل وأشد قمعاً وامتهاناً من غيرهم. والمتابع للمشهد الإعلامي الحالي يدرك واقع النخبة اليوم. وإذا كان الإعلام كذلك، فما بالكم بالمثقفين الذين أصبحوا تبعاً لولي النعمة بسبب ضيق الحال والتحكم بأرزاق هؤلاء من خلال المؤسسات الثقافية والإعلامية (المرئي والمسموع والمقروء) والوظيفة الحكومية وغيرها. حتى صارت الأعمال الفنية والأدبية الجديدة تحاكي الواقع بطريقة مختلفة من أجل إرضاء الزعيم. فالفن صار يمارس قمعه للآخر بطريقة أشد دعوشة من الإسلاميين لإرضاء النخب الحاكمة ولكي وعي الشعوب وتضليلها لهم من خلال تزوير الواقع. أليس هذا بدعوشة يا أصحاب المعالي والفخامة؟
إن الأمة لن تنهض طالما بقي الأسلوب الداعشي موجوداً على الأرض تمارسه الأنظمة قبل المعارضة. وإن العقول مهما تم توجيهها بطريقة أو بأخرى تجاه رفض الآخر –أياً كان- فإنها ستفشل فيما بعد. لكنها للأسف ستستنزف الوقت والعقول والأجساد للدفاع والذود عن الرأي الآخر حتى يتم تحقيق الديمقراطية المرجوة.
وكم يشعر المرء بالخجل حين يقرأ ما قاله فولتير يوماً من أنه على استعداد بتقديم روحه من أجل أن يقدر من يخالفه الرأي البوح برأيه. فهل مثقفينا كذلك؟
إن العقلية العربية المتزمتة، والتي لا تؤمن بالآخر لن تفهم معنى الاندماج والتعايش الحقيقي الذي يبني ولا يهدم ويؤسس لجسد قوي وعقل ذكي مستنير ومتبصر بكل حقائق الأمور ودراستها في كافة جوانبها. لا الحيد عن جزء دون الآخر من أجل إرضاء النظم الحاكمة أو عاش تحت أكنافها. وهذه هي الدعوشة الأشد خطراً على المجتمع. وعليه فإن هؤلاء بحاجة ماسة للعودة الرشيدة إلى مرتعهم الأصيل من بناء الوعي الوزان والحقيقي وغير الزائف لتحيا الأمة حتى لو كان على حساب الفرد (رأس السلطة) ولتعيش الجموع بسلام حتى لو كان على (قيادة النظام)، فهؤلاء سيذوون في أي يوم ولكن التاريخ سيظل يلعن من هاودهم إلى الأبد.
وكم هو مؤلم أن يكتب أحدهم عملاً أدبياً يتملق فيه لمن دمروا وقتلوا وأشعلوا كي ينال شيئاً من الرضى. فمثل هذا الأديب سيقلى حفاوة من الأنظمة لكنه سيخسر جمهور القراء، وسيلعنه التاريخ وربما سيصبح في يوم محط احتقار ممن ساندهم يوماً لأنه باع قلمه من أجل حفنة من مال أو جاه و سلطان. وكذلك الفنان الذي يروج الأكاذيب من خلال السينما أو الدراما أو المسرح أو الفن التشيكيلي سيظل عمله نقمة عليه، لأنه كان داعشياً في زمن صارت الدعوشة فيه ديناً.