ليلة 27 من رمضان بين الأمس واليوم

يعود المرء بذاكرته إلى السبعينات من القرن الماضي، حين كان الطفل في مرحلة الابتدائي، يصلي وراء سيّده الإمام حاج شريف، رحمة الله عليه ورضي الله عنه وأرضاه، فيستحضر ليلة 27 من رمضان..

كان الجميع ينتظر تلك الليلة، ويستعد لها بالصلاة والقيام، ويتصدق بما أوتي من كسكس جزائري مميز  رفيع، أو حلويات الزلابية، أو القهوة أو الشاي.

لم تكن يومها الثلاجات بهذا الكم الضخم المنتشر الآن بين عائلات المجتمع الجزائري، فقد كانت حكرا على بعض الأفراد القلائل، لذلك لم تكن المساجد تعرف قارورات الماء البارد المنتشر الآن عبر المساجد بكميات ضخمة كبيرة.

من العادات التي مازال الطفل يتذكرها جيدا، جمع كمية من الماء في إناء، ووضع كمية سكر بداخله وخلط الماء بالسكر، وتوزيعه على من يريد شربه، فيتنافس عليه النساء خاصة، وكل إمرأة لها نية محددة وتريد غرضا بعينه من خلال شرب هذا الماء. وما يجب ذكره في هذا المقام أن هذه العادة لم تدم طويلا، فقد شهدها الطفل في المراحل الأولى من طفولته، ثم زالت واندثرت مع مرور الزمن.

كان الإمام يومها هو الذي يؤم بمفرده المصلين في صلاة التراويح، ولم يكن المجتمع يعرف ثقافة إستيراد القراء والحفاظ، لذلك لم تكن عملية جمع المال للإمام، إنما كان يجمع المصلون "الزيارة" للمسجد أو لبعض الفقراء المحتاجين، فرحم الله أئمتنا ورضي الله عنهم، فقد تعلمنا على أيديهم معنى الكفاف والعفاف.

ويستمر المصلون في أداء صلاة التراويح بعد ليلة 27 إلى يوم العيد كأن شيئا لم يتغير. وأتذكر جيدا أن الإمام حاج شريف رحمة الله عليه، كان يقرأ 05 أحزاب في الليلة الواحدة، وهو بهذا يقرأ 15 حزبا في ثلاثة أيام، إن كان رمضان 30 يوما.

ويتم في تلك الأيام المباركة واستعدادا لعيد الفطر، مشاركة شباب الحي في تنظيف وغسل المسجد، بمشاركة وإشراف الإمام حاج شريف، فقد كان يقوم بتنظيف المسجد وساحته ودورة المياه وترتيب الأفرشة وحملها ووضعها بنفسه وطيلة حياته لها.

ومازال الطفل، يحتفظ بنشاط إمامه وإخلاصه ومثابرته ومداومته التي أفتقدت وضاعت، واستبدل الذي أدنى هو أدنى بالذي هو خير.

واليوم بمسجد النور، بالشرفة منطقة 05 بالشلف، وهو عيّنة صغيرة عن مساجد الجزائر ومساجد المسلمين، تمّ بعون الله وقدرته، ختم القرآن الكريم وإسترجاع أيام الصبا الذهبية التي مازال  الفؤاد يحن إليها بشوق وحنان..

فقد تم توزيع الجوائز على الحفظة من الأطفال الصغار من إناث وذكور، واشتملت الجوائز على 4 كتب للثلاثة الأوائل، وثلاثة كتب للسبعة المتبقية. الكتاب الأول يضم جزء من حياة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كليلة الإسراء والمعراج. والكتاب الثاني يضم حادثة من السيرة النبوية كيوم الفيل وفتح مكة. والكتاب الثالث يضم قصة من قصص الأنبياء عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام. والكتاب الرابع يضم أدعية لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتم تخصيص جائزة لصاحب اليد المبدعة التي أضافت للمسجد بهاء وجمالا، جراء كتابته لأسماء الله الحسنى على جدران المسجد، ولفظ الجلالة وإسم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على جانبي المحراب. وأعطيت لكبار السن فضل توزيع الجوائز، فكانت فرصة |إتقاء الأجيال وتعانق الماضي والحاضر على مائدة العلم والقرآن.

وتم توزيع حلويات القلب اللوز، مرفوقة بكأس شاي على الصغار والكبار، بل أعطيت الأولوية للأطفال، في جو كله فرح وسرور عمّ المسجد كلّه، وأدخل البهجة على الجميع، وأعاد للطفل لذة الحنين وشوق الأيام الخالدة.

وفي هذا الجو الرباني، الذي عادت بفضله عقارب الساعة إلى أيام الله ، يستحسن ختم هذه الأسطر، بهذا الدعاء الذي كتبته على صفحتي في نفس الليلة عقب الختمة ..

إنتهينا منذ نصف ساعة من ختم القرآن الكريم في ليلة 27 من رمضان..

اللهم إنا نسألك بفضائل ختم كتابك، أن ترفع الغبن عن المسلمين، وتوحد القلوب، وتقرب الصدور، وتجمع كلمتهم، وتوحد صفوفهم، وتلم شملهم، وترفع من شأنهم، وتطلق الأسير، وتشفي المريض، وتنير الطريق، وتعيد التائه للصدور التي تحن له، وتبارك في المال والولد والأهل، وتشملنا بسترك، وتضمنا بعفوك، وتغمرنا بلطفك، ولا تتركنا لغيرك، واجعل بلاد المسلمين آمنة سالمة، واحفظ دماءهم وأعراضهم وخيراتهم.

اللهم إجعل الجزائر بلدا آمنا مطمئنا وارزق أهله من الثمرات، وابعد عنها  السوء وأهل السوء، وصن فطرتها التي فطرتها عليها، وابقها على المحجة البيضاء، وأطل نهارها، وأدم شمسها، وسخّر لها من يبعد عنها الأذى، ويخدمها في السر والعلن .. آمين.. آمين.. آمين.

وسوم: العدد 624