روسيا وسريبرينتسا: هل هناك تبرير للإبادة الجماعية؟

اجتمع عشرات الآلاف يوم السبت الماضي لإحياء الذكرى العشرين لما اعتبر أسوأ مذبحة في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، والتي قتل فيها آلاف المسلمين في سريبرينتسا خلال الحرب التي جرت في البوسنة والهرسك.

على خلفية الاجتماع تعرّض رئيس الوزراء الصربي ألكسندر فوتشيتش لهجوم حين كان يلقي كلمة وتم رشقه بالحجارة والأحذية وأشياء أخرى، وهو حادث اعتبرته بلاده على لسان رئيسها توميسلاف نيكوليتش «محاولة اغتيال» الذي اعتبر أنه: «يجب ألا يبقى أحد لا مباليا أمام وحشية هذا الحادث الذي يشبه كثيرا حوادث 1992 (أي الحوادث التي أشعلت الحرب في البوسنة)».

وللتذكير فقد وقعت مذبحة سريبرينتسا حين هاجمت قوات الجنرال الصربي راتكو ملاديتش عام 1995 جيب سريبرينتسا الذي كانت الأمم المتحدة مسؤولة عن حمايته (قوة حفظ سلام هولندية) ونقلت آلاف الفتيان والرجال المسلمين في شاحنات إلى غابة قريبة حيث أعدمتهم ودفنتهم في قبور جماعية.

في يوم الأربعاء السابق على الحادث «الوحشي» على حد قول نيكوليتش (أي الهجوم على رئيس الوزراء وليس مذبحة سريبرينتسا) استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) على مشروع قرار في مجلس الأمن يعتبر المجزرة التي وقعت في سريبرينتسا إبادة، كما امتنعت الصين ودول أخرى عن التصويت.

توميسلاف نيكوليتش، الرئيس الصربي نفسه الذي اعتبر الهجوم على رئيس وزرائه محاولة اغتيال وحشية وهدّد بشكل غير مباشر بعودة الحرب ضد المسلمين في البوسنة قال بعد (فيتو) روسيا «إن هذا يوم عظيم لصربيا» لأنه «منع وصم الشعب الصربي بأكمله بأنه مرتكب لعمليات إبادة (…) وأثبتت روسيا فيه أنها صديق حقيقي ونزيه»!

أما المندوب الروسي للأمم المتحدة فيتالي تشوروكين فقد برر رفض روسيا لمسودة القرار بالقول إنها «لن تساعد على تحقيق السلام في البلقان ولكنها ستنشر التوتر في هذه المنطقة» معتبرا أن «ليس من العدل اتهام البوسنيين الصرب فقط بارتكاب جرائم حرب»، وأن «مئات آلاف الصرب فقدوا منازلهم في الحرب وعانوا مثل الآخرين».

وكان الإنكار الروسي لما اعتبرته المحكمة الجنائية الدولية إبادة جماعية في سريبرينتسا ليكون متسقا مع نفسه لولا اتخاذ موسكو أشد المواقف حدة فيما يخص قضية إبادة الأرمن والتي اعتبرتها جريمة ضد الإنسانية. وبذلك يتضح أن موقف روسيا لا يتعلّق بمبادئ أخلاقية تنسحب على كافة الأحداث التاريخية بل مفهوم مطاط يستخدم بانتهازية في معارك الحاضر، فكيف يستقيم تبرير تشوروكين للإبادة الجماعية بالقول إن «مئات آلاف الصرب فقدوا منازلهم في الحرب وعانوا مثل الآخرين»، في حين يقول رئيسه فلاديمير بوتين الذي زار العاصمة الأرمنية يريفان في ذكرى مرور مئة عام على إبادة الأرمن «إنه لا يوجد تبرير للإبادة الجماعية»؟

المعروف تاريخياً أن الإمبراطورية الروسية شجعت الأرمن على الثورة ضد الإمبراطورية العثمانية وأنها أيضاً كانت الداعم السياسي والعسكري للصرب خلال الحرب البوسنية، ومعلوم أيضا أن فتيل الحرب العالمية الأولى اشتعل بعد حادث قتل طالب صربي لولي عهد النمسا الأرشيدوق فرديناند وأن روسيا كانت من دول الحلفاء التي هاجمت الامبراطوريات العثمانية والألمانية والنمساوية، ومواقفها الأخيرة الأرمنية والصربية والأوكرانية تقول إن حرب روسيا تلك لم تضع أوزارها بعد (وهو ما تقوله تهديدات الرئيس الصربي أيضا).

 رأي القدس

وسوم: العدد 624