حماس وحرب الشائعات
يُعرِّف الدكتور مختار التهامي في كتابه "الرأي العام والحرب النفسية"، الشائعات على أنها: "الترويج لخبر مُختلق لا أساس له من الواقع، أو تعمّد المبالغة، أو التهويل، أو التشويه، في سرد خبر فيه جانب ضئيل من الحقيقة، أو إضافة معلومة كاذبة أو مشوّهة لخبر معظمه صحيح، أو تفسير خبر صحيح والتعليق عليه بأسلوب مُغاير للواقع والحقيقة، وذلك بهدف التأثير النفسي في الرأي العام المحلي أو الإقليمي أو العالمي أو النوعي، تحقيقا لأهداف سياسية أو اقتصادية أو عسكرية على نطاق دولة واحدة، أو عدة دول، أو النطاق العالمي بأجمعه".
* في الوقت الذي تواجه فيه حركة حماس العدو الإسرائيلي ومؤامرات داخلية وإقليمية لتركيعها ودفعها للتخلّي عن المقاومة، وفي الوقت الذي تواجه فيه الحركة تحديات إدارة قطاع غزة في ظل هذا الحصار القاتل، وفي الوقت الذي تواجه فيه حماس الاتهامات من حين لآخر بالإرهاب ومحاولة إدراجها على قائمة الإرهاب.
في ظل ذلك كله، تواجه حربا من نوع آخر، هي حرب الشائعات من عدة أطراف تسعى لشيطنة الحركة وهدم تاريخها في النضال الفلسطيني، ووضع العقبات أمام مسارها الجهادي.
ولئن كانت الإشاعات تلاحق حماس منذ زمن، إلا أنها في الآونة الأخيرة قد ازدادت حدة تصاعدها وخطورتها وتعلّقها بملفات شائكة.
* في يناير الماضي وجَّه محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، اتّهامًا صريحا لحركة حماس بإجراء اتصالات مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي لإنشاء كيان منفصل عن دولة فلسطين في قطاع غزة.
ثم ألقى عباس بنادرة الدهر المثيرة للسخرية، عندما شدّد على أن رئيس الانقلاب في مصر (عبد الفتاح السيسي) كان موقفه مُشرّفا عندما علم بهذه المؤامرة، وأكد أن مصر لن تمنح إسرائيل أو حماس سنتيمترا واحدا من أراضيها على حساب القضية الفلسطينية..
وبعدها بحوالي شهرين جدد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية (أحمد مجدلاني) ذات الاتهام لحركة حماس.
نعم هناك دراسة بعنوان "البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين" قام بإعدادها مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق "جيورا إيلاند"، تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية من خلال حل تبادل الأراضي، وتنازل مصر عن جزء من سيناء، يُضمّ إلى غزة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة في هذه المنطقة، مقابل بعض المكاسب التي تحصل عليها مصر.
نعم خطة "إيلاند" معلومة، لكنَّ الجديد فيها المحاولة التي تقوم بها منظمة التحرير لإقحام حركة حماس لتكون أحد الأطراف المعنية بتنفيذ الخطة، وهو ما نفاه قادة الحركة بشدة.
والهدف واضح من هذه الاتهامات، وهو (تخوين حماس) وإضعاف شعبيتها التي اكتسبتها من مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، في الوقت الذي رضي أصحاب السلطة الفلسطينية (رموز التنسيق الأمني مع العدو) بأن يكونوا أداة في يد الاحتلال وحلفائه مقابل المكاسب المالية والاحتفاظ بالمناصب الوهمية، في الوقت الذي تلاحق وتطارد عناصر المقاومة في الضفة.
*وتهدف تلك الاتهامات فيما يظهر لي أنها ترويج مستقبلي لخطة إيلاند، وهو ما أشار إليه القيادي الحمساوي إسماعيل رضوان، دون تفصيل حيث قال في معرض تعليقه على تلك الاتهامات: "الهدف منها التسويق لمشاريع مستقبلية".
تلك الاتهامات تثير ألف علامة تعجب، لأن حماس كانت صاحبة الدور الرئيس في إطلاق المصالحة الفلسطينية، وعرضت تسليم السلطة لحكومة وفاق فلسطينية، فهل هذا شأن من يبيع فلسطين من أجل الانفراد بسلطة تقوم على خيانة القضية؟
أمِثل هذه الاتهامات توجه إلى الحركة التي قضت عمرها في نزال مع الاحتلال الإسرائيلي، وبذلت الدماء وقدمت عددا لا حصر له من الشهداء من أجل القضية؟
إن المقاومة بالنسبة إلى حماس خيار استراتيجي، بل قامت الحركة أصلا على أساس المقاومة وتحرير كل شبر في فلسطين المحتلة والمسجد الأقصى المبارك.
إن هذه الاتهامات لا تليق إلا بالمُتسلّقين الذين أدمنوا الصفقات المشبوهة مع الاحتلال وحلفائه، والذين لا يقِلّون عن الصهاينة سعيا في إجهاض المقاومة وإلباسها ثوب الإرهاب.
* البعض قد علق على زيارة الوفد اليهودي الأمريكي لعبد الفتاح السيسي في مصر، بكلام يحمل في طياته دعاية مُغرضة ضد حماس.
تضمنت هذه التعليقات أن اللقاء بين الوفد اليهودي والسيسي تمحور (ولا أدري من أين له بذلك) حول تبنّي مصر وإسرائيل دعم حركة حماس لتنوب عنهما في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميا باسم "داعش"، حيث أن الحركة محترفة في حرب العصابات وهي النوعية المناسبة لمواجهة داعش.
ويتمادى التعليق في الإسفاف حيث برر صاحبه ذلك بأن حماس لا تمثل خطورة على الكيان الإسرائيلي، غير عابئ بأن هذه الأيام تشهد ذكرى مرور عام على آخر العمليات العسكرية التي شنتها قوات الاحتلال على القطاع تحت اسم "الجرف الصامد"، والتي ردّت عليها كتائب القسام الجناح العسكري لحماس مع بقية فصائل المقاومة الفلسطينية، بعملية "العصف المأكول".
وأضاف الرجل أن السيسي وأصدقاءه من الاحتلال سوف يدعمون حماس بالأسلحة الخفيفة التي تمكنها من المواجهة، بهدف استنزاف قدرات حماس وداعش معا.
وإني لأتساءل وقطعا تتساءلون معي، ما الذي يجبر حماس على تغيير استراتيجيتها والقيام بمغامرة سخيفة خارج الحدود، وما الذي يجعلها تغير مسار المقاومة لتقاتل فصيلا آخر وإن اختلفت معه أيديولوجيا؟
من أجل فتح المعابر؟
من أجل مساعدات مادية؟
فما أسخفه من ثمن..!!!
وهل تقبل حماس بذلك تخوفا من امتداد نفوذ داعش إلى غزة؟
* الحركة قد خبرت بإدارة القطاع وإحكام قبضتها الأمنية عليه، وفي الوقت ذاته لا يعنيها سوى الداخل الفلسطيني، والحالة الوحيدة التي تدخل فيها حماس بمواجهة مع داعش، هو أن يُقدِم التنظيم على دخول غزة، وهذا أمر مُستبعد، وأعتقد أنه سوف يكون ضربة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ذاته، وسيفقده شعبيته بصورة قاصمة، وقد يواجه العديد من حركات التمرّد الداخلي، بالإضافة إلى أنهما مغامرة غير محسوبة نظرا لقُدرات حماس صاحبة الأرض في المواجهات المسلحة.
* لكن الغرض من الإشاعة واضح، حيث أنه يُشوّه سمعة حركة حماس ويثير الشبهات حولها، ومن ناحية أخرى، أرى أنه محاولة لاستفزاز تنظيم الدولة للتحرش بحركة حماس، والذي قد يؤدي – وفق حسابات هؤلاء – إلى مواجهة بين الطرفين لصالح الكيان الإسرائيلي والنظام المصري الانقلابي.
ومن المتناقضات التي تحملها الإشاعات حول حركة حماس، أنها تأتي في الوقت الذي تتهم فيه الحركة بالتعاون مع تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء في العمليات الأخيرة، وأنها تعالج جرحى التنظيم في غزة، وهذا كلام تتداوله الصحف الإسرائيلية والمصرية وإعلام السلطة الفلسطينية جميعهم سواء.
ستظل هذه الإشاعات والاتهامات تتساقط كالعادة من حول حماس، ويتداولُها الرأي العام، طالما بقيت المقاومة هي خيار حماس الاستراتيجي، ولا يعني ذلك حتما تجاهل فترات الإعداد والتأهّب والترقب، فهي حرب طويلة الأمد، وليست معركة، وليس مطلوبا من حماس لكي تثبت سلامة موقفها ونزاهتها أن تُقدم على مخاطرات ومغامرات غير محسوبة، خاصة في ظل إدارتها للقطاع.
وسوم: العدد 624