لا أحد في الحظيرة !

في العقدين الأخيرين دأبت الحظيرة الثقافية التي أنشأها ورعاها ونماها وزير ثقافة أسبق على رفع عقيرتها بالغضب والضجيج حين يتأذى الناس من ولد شيوعي صعلوك يكتب كلاما يشبه الشعر أو القصة ويضمنه مشاهد إباحية أو تعبيرا يجدف في الذات الإلهية أو أوصافا فيها فحش وسوء أدب يلصقها بالأنبياء والرسل أو نحو ذلك من إعلان صريح عن الكفر والإلحاد والزندقة .

تنهض الحظيرة بقضها وقضيضها وتنعق بما تسميه حرية الفكر وحق التعبير ، وتهجو ما تسميها القوى الظلامية والأصولية والرجعية التي تمنع الاستنارة والتقدم ، وتضيق على الابداع والفن .

لم يفوّت الحظائريون مناسبة واحدة إلا ادّعوا كذبا وزورا أن المسلمين قتلوا الحلاج والسهرودي وغيرهما بسبب أفكارهما وآرائهما ، وأن ابن رشد عذب وحوصر وأحرقت كتبه بسبب فلسفته ومعتقداته ، ولا يكلون من ترديد أكذوبة حرق عمرو بن العاص مكتبة الإسكندرية واتهام صلاح الدين الأيوبي محرر القدس بحرق مكتبة للفاطميين. الإسلام في الحظيرة صار عنوانا على المصادرة والقهر وكبت الحريات وحرق الكتب !

على رءوس الأشهاد أقامت موظفة كبيرة في التربية والتعليم حفلا مصورا بالصوت والصورة في قلب فناء إحدى المدارس لحرق الكتب التي تظن الموظفة أنها ضد انقلاب العسكر وسياستهم ، وأوقعها سوء الحظ بل الجهل المقدس في حرق كتب لبعض المعادين للفكرة الإسلامية أساسا والموالين للغرب الاستعماري ، ولم تتوقف الموظفة ربيبة الجهل المقدس عن سلوكها المشين بل كررته مرة أخرى ، وهذه المرة لم تحرق الكتب علنا بل جمعتها في كراتين وتحفظت عليها لحين التصرف .

لوحظ أن الحظيرة لم تنطق، ولم تغضب ، ولم تحث التراب على رأسها ووجهها بسبب حرق الكتب ، ومحاربة الفكر ، والقمع الانقلابي ضد حرية التعبير والابداع !

تمادى الأمنجيون من الوزراء والمسئولين في حرق الكتب التي تضمها مكتبات المساجد . وحرّم وزير أمنجي كتب القرضاوي والبنا وسيد قطب ، واشتدت حملة مطاردة الكتب الإسلامية التي تزعج عسكر الانقلاب ، ولكن فرسان الحظيرة الثقافية جعلوا أنفسهم من بنها ، ولم ينطقوا بحرف واحد ، لأن شريعة الياسا التترية لا تؤمن إلا بالقوة : القوة هي التي تفتح أفواههم ، والقوة هي التي تغلقها . وما داموا يسرقون أموال التكية ( وزارة الثقافة ) بالقانون على هيئة جوائز لا يستحقونها ، ومؤتمرات لا يصلحون لها ، وندوات يعتمدون فيها على الفهلوة وبعض العبارات المحفوظة ، وطبع كتب لا  تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به ، وتفرغ غير جديرين به ، ومناصب ورقية لا عائد من ورائها ، ولجان بائسة لا تنتج إلا محاضر تستحق سلة المهملات ، وصحف ومجلات يصدرونها ويكون المرتجع منها أكثر من المطبوع – وفقا للنكتة الشهيرة !- فهم تحت الطلب في كل الأحوال، وينفذون ما تطلبه السلطة أو توحي به .

قبل أيام جرى هجوم إرهابي على قوات الجيش في سيناء ، وتزامن معه هجوم إجرامي لقوات الانقلاب التي قامت بتصفية ( اغتيال) ثلاثة عشر قياديا من جماعة الإخوان المسلمين في إحدى شقق مدينة 6 أكتوبر . ماذا كان موقف الحظيرة ؟

التزمت الصمت التام تجاه اغتيال الإخوان الثلاثة عشر . لم ينطقوا بكلمة استنكار واحدة . بل ظهر من الشيوعيين الذين ماتت ضمائرهم وتحجرت قلوبهم وعاشوا في كنف الاستبداد الرأسمالي ورعايته ، من يدافع عن القتلة ويدين الضحايا ، ويسوغ لعمليات مشابهة بحجة مكافحة الإرهاب ! وبدا الأمر بالنسبة للرفاق الذين يشكلون عصب الحظيرة أن اغتيال  الخصوم وتصفيتهم خارج القانون أمر طبيعي ، وأن العيش تحت نعال البيادة خير وأبقى . لقد أصدروا بيانا ضد الإرهاب وقع عليه أكثر من مائتي حظائري شيوعي أو شبه شيوعي تنديدا بهجوم سيناء ، ولم يشر إلى تحول مصر إلى قشلاق شاسع يمتد من أسوان إلى الإسكندرية على سكانه أن يزحفوا على بطونهم وفقا للأوامر، ولم يتحدث عن القمع الهستيري الذي يستحل دماء الأبرياء تحت لافتة مقاومة الإرهاب ، ولم يذكر أن ثورة يناير تم سحقها ، وسحق أهدافها ، فلا حرية ولا كرامة ولا ديمقراطية ولا مجلس تشريع .. كل ما استطاع البيان أن يعبّر عنه هو الكلام عن كشف ما يسمى مخططات الإرهاب وإجهاضها والمطالبة بتطوير الإجراءات الأمنية بالإضافة إلي تطوير الإجراءات القضائية. أي الدعوة لتشديد القمع وضرب عرض الحائط بالقانون!

لا نتوقع من الحظيرة الثقافية في بيانها العار أن تهتم بموضوع حرق الكتب ، أو جمعها لحرمان الناس من قراءتها ، لأن بيانها لم يضع حرية الشعب المظلوم في حسبانه ، بل دعا إلى اصطفاف كل الوطنيين المصريين وراء الانقلاب العسكري الدموي الفاشي وأوجب علي ما يسمى الجماعة الوطنية، التحرك الفوري لإعلان موقفها، وفي الوقت الذي يشير فيه إلى عنف الجماعات الإرهابية ، لم يهتز للضحايا الذين يتم اغتيالهم أو خطفهم أو سجنهم لرفضهم الانقلاب والحكم العسكري المطلق. كل ما انتهى إليه البيان الحظائري الذي وقع عليه شيوعيون وأشباههم هو الدعوة لعقد مؤتمر موسع، في القريب العاجل، لتأكيد دورهم في مواجهة ما يحدث، وبحث خطوات التحرك المقبل، في هذا الشأن!

بيان ينحاز إلى الأقليات التي سطت على إرادة الشعب في 3 يوليه 2013 ، ويؤكد على انتهازية اليسار وفاشيته ضد الشعب المصري المسلم المسالم الطيب الذي لم يرتكب غير جريمة المطالبة بالحرية والكرامة والعدل !

لقد تبسمت وأنا الحزين على بلادي وديني ، حين طالعت خبرا صحفيا يتحدث أن مشيخة الأزهر تنفي تدريس كتاب الظلال لسيد قطب بالجامع الأزهر وأن المركز الإعلامي بالأزهر يكذب الادعاءات المنشورة بتدريس الكتاب ، ويرفض رفضا كاملا حملات التضليل والإثارة التي تسعي بعض وسائل الإعلام من خلالها إلي النيل من الأزهر وعلمائه الأجلاء! يا له من عار حين يتصور بعض الناس أن تدريس الظلال يعني التضليل والإثارة ! هل يستطيع معمم أزهري أيا كان منصبه أو مستواه أن يؤلف كتابا مثل كتاب الظلال ؟! ألم يسمعوا عن العمامة الانقلابية التي تسرق منه وتؤلف مقالات تنشرها على الناس مقابل مكافآت باهظة ؟! إني أشعر بالعار من أجل الأزهر المعمور وبعض عمائمه الانقلابية ، وخاصة حين يبررون وجود الكتاب في بعض المكتبات بوجود كتب الإلحاد التي يحتاج إليها الباحثون لمقاومة الإرهاب!

 الحظيرة تصمت عن حرق الكتب واغتيال البشر ، والأزهر يشاطرها التبرؤ من أجمل كتب التفسير في العصر الحديث ، وأبواق التليفزيون الانقلابية تحول برنامجا للتحقيق لأنه أذاع كلمات مأثورة من الظلال .. يا للعار! لا أحد في الحظيرة !

الله مولانا ، اللهم فرج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !

وسوم: العدد 624