التَوازُنِيِّةُ
التوازنُ بينَ حَركَةِ العُلومِ والتِكّنولوجيا وبينَ القيمِ الدينيِّةِ والأخلاقيِّةِ..هو الأساسُ المتينُ للسير الراشد لأداء مهمة الاستخلاف في الأرض..ولِصونِ وإجلال قدسية حياة الإنسان وحريته وكرامته مصالحه..وحِفظِ سلامَةِ البيئَةِ..وتحقيقِ التعايُشِ البشريِّ الآمنِ..والله تعالى استخلَفَ الإنْسانَ في الأرضِ منْ أجلِ عَمَارتِها..وإقامةِ الحياةِ الآمنة في ربوعها..على أساسٍ منْ التَوازُنِيَّةِ الراشدةِ للسيرفي الأرض..وفقَ مَنهجِ الاستخّلافِ الربَّاني..ومَنهجُ الاستخّلافِ الربِّانيِّ يَقومُ على مُرتكزين اثنين:
مُرتَكَزُ قِيمٍ ومبادئ وضوابطٍ وأخلاقٍ. ومُرتَكَزُ مادياتٍ ووسائلَ وقدراتٍ ومهاراتِ.
والتكامُلُ والتِوازنُ والتَلازُمُ بينَ مُقوماتِ هذينِ المُرتكزينِ..هو السبيلُ الراشدُ لِعَمَارةٍ إيجَابيِّةٍ للكونِ..والإسلامُ يُقرِّرُ أنَّ العِلاقَةَ بينَ الإنْسانِ والمَادةِ وباقي المَخلوقَاتِ..هي عِلاقةٌ تَكامُليِّةٌ مُتوازنَةٌ لتحقيقِ مَهمَةَ الاستخّلافِ في الأرضِ..والحضَارةُ الآمِنَةُ العادلةُ بِمَنظُورِ الإسْلامِ..هي ثَمرةُ التَكامُلِ المتوازنِ بينَ جَهدِ الإنْسانِ وجُهودِ باقي المَخلوقاتِ الأخرى لقوله تعالى:"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"ولقوله تعالى:"هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"ولقوله تعالى:"قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى*قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى"أجل الخلائق كلها مكلفة بحمل أمانة الاستخلاف في الأرض..وأيُّ خللٍ يَعتري هذه التكامُليِّةَ وينتَقِصُ منْ تَوازُنيِّتِها..يُخِلُ بِمسيرةِ الاستخّلافِ..ويَنحَرِفُ بها عنْ أدائِها الآمنِ الراشدِ..هذه حَقيقةٌ يُؤكدُها القرآنُ الكريمُ"وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ"ولقوله تعالى:"تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا"ويؤيدها التاريخُ..ويشهدُ لها الواقعُ الماثلُ في حياةِ النَّاسِ المُعاصرةِ..أوليس ما تُعاني البشريِّةُ اليومَ مِنْ مآسي..إلا بسببِ الاختلالِ والتنَاقُضِ الحادِ بينَ روائِعِ الانتَاجِ والإبداعِ الحضاري..وبينَ انحرافِ في الأداءِ واختلال في السلوكياتِ..؟
وسوم: العدد 626