الفقه المدمر لمصطلح الخلافة
يتحدث بعض المسلمين عن الخلافة بصفتها نظاماً يضاهي النظم المتعارف عليها..وأن الخلافة هي نظام الإسلام القويم الرشيد..وأن القول والاعتقاد بأي نظام غير نظام الخلافة..هو خروج عن الإسلام..وتغييب لدولة الإسلام..ويرددون:لا نريد بغير نظام الخلافة بديلاً..ويصرون أن غياب نظام الخلافة هو سبب ضعف الأمة الإسلامية وهوانها على الناس..وأن النظم القائمة في بلاد العرب والمسلمين هي نظم كافرة..لأنها لا تأخذ بنظام الخلافة..فهي-على حد زعمهم- نظم عميلة للغرب صنعتها معاهدة سايكس- بيكو..؟!التي ألغت الخلافة..وبفهمي:أن الخلافة ليست نظاماً..إنما هي مسمى مشتق من قوله تعالى:"إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة"أي الإنسان على الإطلاق مؤمنه وكافره..فالخلافة مسمى لحالة من حالات أداء مهمة استخلاف الإنسان في الأرض..والمستخلفون ليسوا سواء..فمنهم ظالم..ومنهم مقتصد..ومنهم عادل سابق بالخيرات..ومنهم مؤمن ومنهم كافر..ومنهم مشرك..فالخلافة إذاً مسمى لحالة من حالات تفعيل ولاية الأمة وإرادتها..وليست نظاماً..فالنظام قيم ومبادئ وآليات تنتظم حياة الناس..وتدير شؤونهم ومصالحهم لقوله تعالى:"يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ"وداود عليه السلام كان نبياً ولم يكن لقبه السياسي (خليفة) بل كان مسماه السياسي (ملكاً) ومسمى(مَلِكٌ)هو اللقب السياسي الذي ذكر بالقرآن تحديداً لقوله تعالى:"إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا"وعبارة (خليفة) في الآية هي مسمى لحالة استخلاف النبي داود بصفته (مَلِكاً) في أرض قومه..أما نظام الحكم الذي طُلِبَ منه فهو(الحكم بالحق وعدم اتباع الهوى) والناس متوافقون أن (العدل أساس الحكم)..ومتفقون أن (الأمة صاحبة الولاية في اختيار من يحكمها بالعدل)والاختلاف الجاري بينهم حول كيف ..؟من حيث تفعيلُ مبدأ ولاية الأمة..ومن حيث آلياتُ تنفيذ إرادتها..ومن حيث مرجعيةُ قيم الحق والعدل..ومن حيث معاييرُ أداء الحق والعدل..أما مسميات الحاكم فقد تحدث الإسلام عن مسميات متعددة:(الخليفة،والإمام،والملك،والسلطان،والأمير،وولي الأمر)ولم يُلزم الإسلامُ الناسَ بواحدة منها..وإنما ألزمهم ويلزمهم ويأمرهم بأداء مصالح الناس بالعدل لقوله تعالى:"إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ"أما المسميات والوسائل والآليات..فتركت لخيارات الشعوب بما يناسب أزمنتهم وأعرافهم لقوله صلى الله عليه وسلم (أنتم أدرى بشؤون دنياكم) فالخلافة مسمى من مسميات الحكم في الإسلام..وليست نظام الإسلام الرشيد..فنظام الإسلام:قيم ومبادئ وعدل وأخلاق وسلوك وتراحم..نظام الإسلام إقامة الحياة وتحقيق المصالح..وشِرعته تَدعو إلى جهدٍ بشريٍّ جَمعيٍّ..للنُهوضِ بمَهمةِ الاستخلاف الربانيّ المُشتركِ..من أجل عمارةِ الأرضِ..وإجلال قدسية حياةٍ الإنسان وحريته وكرامته ومصالحة..ولصون سلامة البيئة..وعدم إفسادها وتدميرها..شِرعةُ الإسلامِ ترفضُ الإساءةَ إلى الآخرِ..وتمقتُ انتهاكَ حُرمةِ الآخرِ..وتنهى عن عزلةَ الآخرِ..شِرعةُ الإسلامِ هي أنسَنَةُ الفِكرِ والثقافةِ والمعرفةِ والفضيلة والخير..شِرعةُ الإسلامِ تُؤسسُ لمجتمعٍ إنسانيٍّ قوامُه الأخوةُ والمحبةُ والمودةُ والعدل والقسطُ والسلام..ولنتأمل حوار الإمام الشافعي رحمه الله تعالى مع العلامة ابن عقيل رحمه الله تعالى بشأن السياسة:قال الإمام الشافعي:لا سياسة إلا ما وافق الشرع..فقال ابن عقيل:السياسة ما كان من فعل يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد..وإن لم يقل به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نزل به وحي..فإن أردت بقولك:إلا ما وافق الشرع..أي لم يخالف ما نطق به الشرع:فصحيح..وإن أردت:لا سياسة إلا ما نطق به الشرع:فغلط..فأي طريق يأتي بالعدل والقسط والمصلحة فهو من شرعة الله..وهذا ما أكدته القاعدة الفقهية:(حيثما تكون المصلحة فثمَّ شرع الله)وبعد:فإن التعامل مع مصطلح (الخلافة) على النحو المدمر الجاري بما يسمى:(دولة الإسلام في العراق والشام- داعش)لهو أساس فتنة التغرير بالشباب وحقن ضغائن الكراهية والحقد في نفوسهم..ودعوتهم وتشجيعهم وإغرائهم باستباحة دماء إخوانهم المسلمين وممتلكاتهم ودماء المستأمنين في بلدانهم..وما المحارق والمجازر والدمار الشامل المتفاقم في بلاد العرب والمسلمين إلا ثمرة نكدة لفقه الخلافة المبتدع المدمر..ينبغي التصدي لمخاطره الماحقة بقوة..من خلال حملة توعية فقهية وفكرية حاشدة على مستوى الأمة..قبل فوات الأوان..اللِّهم قد نبهت..اللَّهم فاشهد.
وسوم: العدد 626