حرب تنظيم «الدولة الإسلامية» مؤجلة إلى ما بعد بشار
استيلاء تنظيم الدولة «داعش» على الموصل، أي ما يعادل ثلث العراق مساحةً، وثلث سلاح الجيش العراقي، وما رافق ذلك من ذهول أصاب المنطقة بأكملها. كل ذلك لا ينبئ عن مسيرة تقاس بالمسطرة والقلم، بل يصدق عليه القول إنه إعصار بكل ما تعني الكلمة. وكل هذا «كوم» ،كما يقال بالمثل، وما قام به ذلك الانتحاري باستهداف مجموعة من الأكراد في بلدة «سروج» على الحدود التركية فقتل أكثر من ثمانية وعشرين كرديا تركيا، «كوم آخر».
هذا الحدث قلب مواقف حكومة العدالة والتنمية في تركيا رأسا على عقب. فهي لم تكن راضية عما يفعله تنظيم الدولة في سوريا والعراق، لكنها لم تكن تعتبر نفسها معنية بأن تتطوع مع التحالف الدولي لمحاربة التنظيم دون محاربة نظام بشار الأسد. لكن التفجير في سروج التركية جعل كل شيء في تركيا يتغير. حتى إن رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو الذي كانت الابتسامة لا تفارق وجهه في كل ظهور له، خرج علينا وهو متجهم الوجه لا يضحك «للرغيف الساخن».
يبقى التساؤل واردا: هل ما حدث في «سروج» كان بتدبير الجناح العسكري بتنظيم الدولة ومن دون علم «البغدادي» ؟أم أنه كان ككل ما فعله التنظيم كان يجري من دون أن يحسب للأمور حسابها؟
أياً كان الأمر، سواء أكان التفجير يشرب من كف البغدادي أم جرى من وراء ظهره، فقد كان على فاعله أن يتذكر غضبة رجب طيب أردوغان وانسحابه من مؤتمر دافوس عام 2009، احتجاجا على عدم منحه فرصة للرد على شمعون بيريس الذي كان يدافع عن عدوان إسرائيل على غزة عام 2009. التفجير في سروج الذي قام به الانتحاري هو أخطر من هجوم شمعون بيريس. أم أن كل أفعال التنظيم لا تأخذ في الحسبان ردود الأفعال عليها.
قبل تفجير سروج كان أردوغان حريصا ألا يبتدئ تنظيم الدولة بقتال، وهو كان أبدى حسن نية عندما أطلق سراح أفراد القنصلية المحتجزين عنده، والتنظيم لم يتحرش بتركيا بعد. كما أن أردوغان لا يريد أن يخوض معارك غيره طالما أن واشنطن لم تبد موافقتها على قتال جيش بشار أسد، وهو برأيه أكثر إجراما من تنظيم الدولة.
إذا كان تنظيم الدولة قاتل الفصائل المقاتلة في أكثر من مرة، فإن هذه الفصائل لا تعتبر قتال التنظيم أولوية عندها، وهي تعتقد أن معركتها ليست معه. والتطرف في التنظيم من غير السوريين سوف ينتهي حين يتغلب العنصر السوري فيه على من ليس سوريا.
كانت واشنطن تريد أن تبعد الدول العربية المعتدلة عن محيطها الإسلامي بإبعادها عن تركيا التي تدعم الإسلاميين وتتحالف معهم. كما أن واشنطن كانت تهدف إلى إبعاد هذه الدول عن عمقها الإسلامي بعد أن رأت أن عمقها الاستراتيجي هو في الشعوب العربية، وأن الربيع العربي جاء بهؤلاء الإسلاميين، فانتخبهم في أول انتخابات حقيقية تجرى.
بموازاة ذلك، تأكد لهذه الدول المعتدلة أن طهران ومن يأتمر بأمرها من ميليشيات وحكومات، كالعراق ولبنان الذي يهيمن عليه حزب الله، وكادت أن تستولي على اليمن بعد أن استنفرت عصابة الحوثيين الذين تحالفوا مع الرئيس المخلوع علي صالح. ولولا وقفة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز الذي قاد عاصفة الحزم بقوة واقتدار لكان للأمر وجه آخر.
إن العلاقة بين واشنطن وطهران تعدت الاتفاق النووي. ففي سوريا فصائل تعتبرها واشنطن عدوة لها مثل جبهة النصرة وأحرار الشام وقد وضعتها على قائمة الإرهاب. وهي لم يثبت أنها قاتلت إلا النظام وحزب الله والمليشيات الشيعية. وقد قال «أبو محمد الجولاني» قائد جبهة النصرة لقناة الجزيرة: نحن لا نستهدف إلا النظام وحلفاءه. مع ذلك استهدفت طائرات التحالف جبهة النصرة وأحرار الشام عدة مرات. وقد أوكلت واشنطن لطهران مقاتلة هذه الفصائل.
تحالف واشنطن مع طهران ضد المكون السني تم من تحت الطاولة. وينبغي أن يتكون تحالف بين الدول المعتدلة وتركيا والمقاتلين السوريين مماثل مكافئ لتحالف واشنطن وطهران ولومن تحت الطاولة لدعم تسليح المقاتلين من قبل الدول العربية المتضررة. وإلا فإن تحالف الضرار بين واشنطن وطهران سيجتاح هذه الدول إن قدر على إفشال ثورة السوريين.
قيام تركيا بمحاربة التنظيم دون محاربة جيش بشار لا يخدم إلا المليشيات الشيعية في العراق، وقد دخلت هذه في حلف مع واشنطن. وإذا كان هناك من مصلحة للمعارضة السورية في قتال التنظيم فهو ليس أولوية عندها، وهو مؤجل إلى ما بعد تحرير سوريا من نظام بشار.
أصبح واضحا لدى واشنطن أن السوريين لن يحاربوا داعش. فقد صرفت واشنطن 40 مليون دولار على تدريب سوريين معتدلين،ثم تبين لها أنها،حسب تقرير البنتاغون، لم تستطع تجميع أكثر من 60 معارضا سوريا يقبلون أن يحاربوا داعش من دون محاربة بشار أسد.
لن تجد واشنطن سوريين يقاتلون تنظيم الدولة، وحتى إشعار آخر!
وسوم: العدد 627