السيدة مريم رجوي تتألق من جديد
السيدة مريم رجوي
تتألق من جديد
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
في الظلام تستقوي عفاريت السلطة، ويصرع الباطل الحقيقة، لكنه إنتصار وقتي ووهمي، فسرعان ما تشرق شمس الحقيقية، فتبدد ضباب الباطل.
بالرغم من أن التجمع السنوي للمقاومة الايرانية ـ الذي يعقد في باريس بمناسبة الذكرى السنوية ليوم 20 حزيران نقطة انطلاق المقاومة الثورية يوم الشهداء والسجناء السياسيين، ويوم تأسيس جيش التحرير الوطني الايراني الذي برئاسة السيدة مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة الايرانية ـ يتعلق بالدرجة الأساس بالمقاومة الإيرانية ونشاطات المنظمة على كل الصُعد، لكن الكثير من الكلمات سواء بالنسبة لقيادة المنظمة المجاهدة أو الوفود المشاركة تتفرع إلى قضايا سياسية أخرى مهمة، مما يعطي للمؤتمر قوة جذب إضافية لإستقطاب الرأي العام العالمي .
غالبا ما يفك بعض الحضور والوفود المشاركة طلاسما سياسية لم يكن يسمح أقطاب الديمقراطية بالتقرب منها، لأن كشفها يتعارض مع مصالح عراب البيت الأبيض ورؤيته، بغض النظر عن مباديء الحق أو الباطل أو العدل والظلم. فالسياسة الأمريكية كما هو معلوم وهذا ما عبر عنه كبار مفكريها فقدت مصداقيتها في العالم إلا لدى الشعب الأمريكي، وهو شعب معذور لأنه كما وصف بعض الأمريكان أنفسهم بصراحة" نحن من أغبى شعوب العالم"، على أقل تقدير من الناحية السياسية.
غالبا ما تنتهج الإدارة الأمريكية سياسة الكذب والدجل من أجل تبرير عدوانها على بقية دول العالم وإذاء شعوبها، والعراق خير مثال على ذلك، فقد إتهم بالإرهاب، وتبين أن لا علاقة للنظام الوطني بالإرهاب رغم كل الأساليب غير المشروعة التي ضلل بها صناع القرار الأمريكي العالم. وكذلك الحال بالنسبة لأسلحة الدمار الشامل، وقضية اللاجئين الإيرانيين في مخيمي أشرف وليبرتي، حيث تنصلت الولايات المتحدة عن إتفاقيتها معهم بعد أن نزعت أسلحتهم وتعهدت بحمايتهم من شرور نظامي المالكي والملالي، وكانت النتيجة أن سلمتهم للمالكي ـ أي إيران ـ على طبق من ذهب. وحال الأشرفيين هو الأسوأ في العالم من ناحية التعامل مع اللاجئين بموجب إتفاقيات جنيف الخاصة باللاجئين. وسبق أن ذكرت بأن دول العالم لو إتبعت طريقة حكومة المالكي في التعامل مع اللاجئين لأنتهت ظاهرة اللجوء، وفضل اللاجئون الموت السريع على على الموت البطيء.
والتهرب من الوعود ظاهرة أمريكية لها شواهد كثيرة في الماضي والحاضر، وهذا ما عبر عنه السيناتور جون ماكين مرشح الرئاسة الأمريكية في عام 2008 بقوله" علينا أن نعترف بأن الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل مسؤولية القيام بضمان وعدته لهؤلاء السكان وأتعهد بأني لن أقصر عن هذا الواجب حتى يذهب سكان مخيم ليبرتي كلهم وبشكل حر حيثما يشاؤون".
في التجمع الأخير الذي عقد يوم الجمعة المصادف 27/ حزيران في باريس شاركت فيه وفود عديدة ضمت سياسيين وبرلمانيين وحقوقيين واعلاميين وإقتصاديين وقادة عسكريين من (69) بلدا يتوزعون على(5) قارات بينهم (6) رؤساء حكومة و(28) وزيرا منهم ستة وزراء خارجية سابقين ومرشحين للرئاسة الأمريكية ورؤساء الكونغرس، و(3) جنرالات ورؤساء سابقين لهيئة أركان القوات المسلحة الأمريكية وقادة القوات الأمريكية لحماية أشرف، علاوة على الرسائل التلفازية للسيناتور (جون ماكين) مرشح الرئاسة الأمريكية لعام 2008 والسيناتور (روبرت مننديز) رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي والسيناتور (كارل ليفين رئيس) لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي و(اد رويس) رئيس لجنة الخارجية في الكونغرس وغيرهم. وبالرغم من أن الولايات المتحدة تتحمل الوزر الأول عن نكبات الأشرفيين بإعتراف الوفود المشاركة في التجمع، لكن البعض حاول أن يوجه الأنظار إلى إنها مسؤولية المجتمع الدولي في إلتفافه مفضوحة على القضية! كأن المجتمع الدولي مسؤول عن تنظيف دبر الرئيس الأمريكي بعد كل كنيف. فقد ذكر السيناتور كارل ليفين رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي" لا شك أن القمع والعنف وانتهاك حقوق الانسان في ايران خاصة ضد النساء والاقليات مازال مستمرا اني أشاطركم رأيا في ضرورة ضمان الأمن لسكان ليبرتي معاقبة المتجاوزين على حقوق السكان وأن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية في توفير الأمن لسكان ليبرتي". لاحظ! ليس الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة هي المسؤولة عن نكبة الأشرفيين وإنما المجتمع الدولي.
ضمت كلمة الرئيسة رجوي ثلاثة محاور رئيسة تعلقت بإيران والعراق وسوريا ومحاور أخرى فرعية تناولت المنطقة بشكل عام والوضع في ليبرتي والحريات والديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان وإيران المستقبل بعد التخلص من نظام الملالي، ولأهمية الكلمة فإننا سنستعرضها لاحقا في مباحث ثلاثة منفصلة، إيران، العراق وسوريا، لذا سوف نستعرض المحاور الجانبية في الحديث.
أكدت السيدة رجوي على أهمية إحترام الحريات الأساسية، سيما حرية التعبير والتعددية الحزبية وفسح المجال أمام تدفق المعلومات لداخل إيران دون عوائق حكومية، وأن تتنفس وسائل الإعلام بحرية بعد أن خنقها نظام الملالي الحاكم بقبضتيه الحديديتين. وأكدت بأن الشعب هو مصدر السلطات والإنتخابات الحرة النزيهة هي المقايس الأول والأخير في تقرير ورسم معالم السياسة العامة للبلد. مشيرة بأن نهج المنظمة هو نهج علماني يقوم على أساس فصل الدين عن السياسة. والسيدة رجوي محقة في ذلك كل الحق، فالأوضاع المزرية التي يعيشها الشعبان الإيراني والعراقي ناجمة عن سيطرة رجال الدين على مقدرات الدولتين السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية، وقد ثبت فشل هذا النهج فشلا ذريعا في إدارة الدولة.
ولأن إيران الملالي متميزة بتفوقها الدائم مع العراق والصين(مع الفارق الشاسع في عدد السكان) في نسبة الإعدامات، فقد أكدت السيدة رجوي على ضرورة إلغاء هذا الحكم الجائر، سيما إن جميع المعدومين هم من المعارضين السياسيين لنهج الملالي وليس عن جنايات أخرى.
أكدت السيدة رجوي على أهمية تعزيز حقوق الإنسان التي جرد الملالي الشعب الإيراني منها، وعلى التعامل مع كل شرائح المجتمع الإيراني كأسنان المشط، بغض النظر عن الجنس والدين واللغة والعرق واللون والمذهب. وهذا الأمر يعتبر ضروريا بعد سياسة التمييز العنثري والطائفي التي إنتهجها نظام الملالي منذ أن سرق الثورة من رجالها الحقيقيين وإنحرف عن مبادئها الصحيحة، علاوة على أن النهج العلماني يتوافق مع إرادة الشعب الإيراني من جهة، والصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان من جهة أخرى. وحول مشكلة المرأة الإيرانية التي تعاني الأمرين بسبب سياسة التمييز، أشارت الرئيسة رجوي بإن المرأة هي نصف المجتمع، وتمثل طاقة كبيرة، ولا يمكن لأي مجتمع أن ينهض دون أن تنهض فيه المرأة وتأخذ دورها الريادي في التقدم والتنمية، فتعطيل طاقتها إنما هو خلل يجب إصلاحه وفقا لدستور وقوانيين جديدة تعيد للمرأة حقوقها المسلوبة.
وكان للسلطة القانونية أهمية في كلمة الرئيسة رجوي، من المعروف أنه لا يوجد فصل حقيقي بين السلطات الثلاث في إيران، ولا يوجد حس ونفس للسلطة الرابعة التي لا يتعدى دورها دور جوقة المبوقين لنظام الملالي في وسائل الإعلام. القضاء الإيراني قضاء مسيس من رأسه إلى أخمص قدميه، وهذا ما يتجلى بوضوح في أحكام الإعدام الجائرة والإعتقالات على الرأي لمئات الألوف من الإيرانيين وإستحداث السجون بدلا عن المعامل، والمحاكم السرية وتعطيل حق الدفاع والتظلم. فالقضاة هم بغال المعممين، يتحكمون بهم كما يشاءوا. صحيح إن الدستور الإيراني الحالي يتضمن بعض الحقوق في هذا المجال، ولكن الواقع يشير إلى خلاف ذلك، فالنصوص الدستورية في وادِ والممارسات الفعلية في وادِ آخر.
أما المسألة الجوهرية التي يصر فيها النظام الملالي على الإستهانة بالمجتمع الدولي الذي صار اضحوكة للرأي العام بسبب ضعفه وسخافة تبريراته في وضع حد لمشروع إيران النووي ـ الذي أوشك على الكمال في ظل استغلال نظام الملالي لعامل الزمن خلال التفاوض غير المجدِ مع المحور الدولي ـ لو أجرينا مقارنة بين مفاوضات الفريق الدولي مع العراق حول أسلحة الدمار الشامل، ومفاوضاته مع نظام الملالي لأدركنا البون الشاسع في إزدواجية المعايير الدولية، وتبين لنا بوضوح ان الفريق الأوربي المفاوض بشكل أو آخر يساعد نظام الملالي في تطوير سلاحه النووي من خلال المطاولة غير المبررة للمفاوضات، مع ان الفريق الايراني قد عبر مؤخرا بوضوح وقبل الجولة التفاوضية القادمة بانه" لا تنازلات إيرانية في المشرون النووي"، فعلام يتفاوضون معه إذن؟
أكدت السيدة رجوي بأن إيران القادمة هي الدولة المسالمة غير النووية، والخالية عن أسلحة الدمار الشامل. وهذا المطلب مهم بالنسبة للشرعية الدولية، ولكنه أكثر أهمية بالنسبة لدول الجوار، التي تجد في عنجهية نظام الملالي في التعامل معها ما لا يمكن تحمله بدون سلاح نووي، فكيف سيكون الحال في ظل وجود سلاح نووي؟ الكل يدرك بأن السلاح النووي لنظام الملالي موجه إلى دول الجوار لا غيرها. وإن التشدق بإزالة الكيان الصهيوني من الخارطة إنما هو للضحك على ذقون العرب. صرحوا في بداية الثورة الإيرانية المسروقة بأن تحرير القدس سيكون عبر كربلاء وهاهو العراق كله وليس كربلاء فحسب بقبضتهم فماذا فعلوا؟ وشكلوا فيلق القدس من الحرس الثوري، وبدلا من محاربة الكيان المسخ حاربوا أهلنا في سوريا والعراق! ولم تطلق رصاصة إيرانية واحدة ضد الكيان الصهيوني، إنها تجارة في عقول الأغبياء والجهلة وقد أدت الغرض منها مع الأسف الشديد.
أحتلت السياسة الخارجية الإيرانية مركزا مهما في خطاب السيدة رجوي خلال الكلمة الإفتتاحية وكذلك الكلمة الثانية في أمسية الأفطار بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك. فقد تعهدت بأن إيران الغد ملتزمة التزاما كليا بإحترام الشرعية الدولية والتعاون الإقليمي والدولي، إضافة إلى مبدأ التعايش السلمي سيما مع الدول المجاورة، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. وكذلك إحترام ميثاق الأمم المتحدة والصكوك المتعلقة بحقوق الإنسان كالبيان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية الغاء كافة أشكال التمييز ضد النساء.
ذكرت السيدة رجوي بأن" العامل الرئيسي والعنصر المسيّر للاوضاع ليس السجال بين النظام الايراني وامريكا، أو الصراع بين زمر النظام، بل المعركة الرئيسية كانت ولاتزال وستكون بين الشعب الايراني والمقاومة الايرانية من جهة، ونظام ولاية الفقيه من جهة أخرى. ان احداث التغيير في ايران لا محيد عنه وذلك لا من داخل النظام بل سيحققه الشعب الايراني والمقاومة الايرانية. والشعب الايراني يريد تغيير النظام والمقاومة الايرانية هي القوة المسيّرة لهذا التغيير. ان هذه المقاومة هي اللاعبة الرئيسية في أي تطور جاد وجذري في ايران".
نقول للسيدة رجوي قد أصبت الحقيقية، ونزيد بأنه ليس الشعب الإيراني فقط يريد تغيير النظام، بل العالم كله وجميع الأحرار يريدون تغيير هذا النظام الدموي الجائر الذي فتك بشعبه وبشعوب المنطقة. هذا النظام الحاقد على الجميع لا بد أن ينتهِ، وكما أشار(رودي جولياني) عمدة نيويورك السابق" ان النواة الرئيسية للمشكلة قابعة في ايران، وأن هذا النظام لابد أن يتغير وسيتغير". وأشار إلى توفر البديل المضمون بقوله" ان التغيير في ايران أسهل بكثير من التغيير في غيرها من الدول لأن في ايران هناك بديل موجود لهذا النظام. هناك بديل داعِ للحرية وداعِ لحقوق الانسان وحرية النساء والرجال، تقوده امرأة هي السيدة مريم رجوي".
عندما تكون المعاناة الشعبية قد وصلت ذروتها، والظروف موآتية، والشعب معبأ بصورة جيدة، والطريق مضمون وقويم، والنهج واضح ومستقيم، والبديل المضمون حاضر، والقيادة حكيمة متوفرة، والتنظيم في أعلى مستوياته. ووجود مجاهدون ومجاهدات رغبتهم في التضحية والفداء تضاهي رغبتهم في الحياة، من المؤكد أن الثورة ستنجح، وينجلي ظلام الإستبداد والإستعباد. إيران الغد باتت على الأبواب، والمفاتيح بيدي السيدة رجوي وبقية فصائل المعارضة الإيرانية.