القتل والشماتة .. وما بعدهما !
يوم كان العسكر يقتلون الأبرياء ، ويسيل دمهم أنهارا في الحرس الجمهوري ورابعة والنهضة والمنصة ورمسيس وغيرها ، كان جمهور الانقلاب يغني في نشوة تفوق الشماتة والمكايدة "تسلم الأيادي " و " إحنا شعب وانتو شعب ، لينا رب وليكم رب ". هبط الانحطاط الخلقي والسلوكي والحضاري إلى أدنى دركة من دركات التوحش التي عرفها الشعب المصري في ظل الحكم العسكري منذ ستين عاما .
لم يتمعر وجه كاتب من كتاب البيادة أو مثقف من مثقفي السلطة حياء وخجلا ، فيكتب كلمة يحث فيها قطعان العبيد على التخلي عن هذا السلوك المشين الذي يتعارض مع الأخلاق والدين والعادات والتقاليد التي تشبع بها الشعب المصري العريق!
لكنك تجد كاتبا أو مثقفا مثل عمرو الشوبكي يعلن الحرب الصليبية على الإخوان المسلمين لأنه قرأ بعض التعليقات الإلكترونية على وفاة الممثل نور الشريف لم تعجبه ، فأسند إلي الإخوان جميعا تهمة الشماتة في موت الممثل المذكور ، كما اتهمهم بأنهم لا يراعون حرمة الموت ، ولا يخضعون لمواضعات المجتمع، ويكرهون الشعب، فيتمنون هزيمة المنتخب الوطني، ويكرهون الفنانين والأدباء والشعراء، ويشمتون في أي حادث أو مصيبة تحل بالشعب المصري. ويخصص الشوبكي مقالا بأكمله في جريدة المصري اليوم الطائفية ليكيل السباب للإخوان أو بمعنى أدق للمسلمين متناسيا أن آلة الكراهية الانقلابية وصلت إلى حد تقنين المكارثية والعنصرية والدعوة إلى حرق المسلمين في محارق هتلرية :
" لماذا الإخوان دون باقي خلق الله يحملون هذا الكم من الكراهية لكل من هو غير إخواني؟ ولماذا الإخوان دون غيرهم قادرون على شتم أي إنسان بعد أن صار بين أيادي الله، حتى لو كان فناناً أو شاعراً أو موسيقياً أو مواطناً عادياً على باب الله، رغم أن هؤلاء ليسوا من أهل السلطة، ولا من رجال الشرطة والجيش الذين يعتبرونهم أعداءهم، إنما هم مواطنون ليس لهم أي دور سياسي؟ ".
لم يحاول الشوبكي أن يكون رجلا منهجيا فيسأل نفسه : لماذا يفعلون ذلك على فرض صحة كلامه ؟ لقد اكتفى بالتزوير وقلب الحقائق ليثبت ولاءه الثقافي للسلطة .
هذا التزوير وقلب الحقائق يقوم على أساس تعليقات قرأها الشوبكي في الفضاء الإلكتروني ، لا يعرف أحد صاحبها بدقة ، هل هم فعلا من الإخوان أو من الملايين التي تكتب باللغة العربية ؟ لكنه في كل الأحوال معنيّ بتضليل القراء ، وتحويل وجهتهم بعيدا عن جرائم النظام الانقلابي الدموي الذي يعبده من دون الله ، بدءا من القتل خارج القانون أي الاغتيال المباشر للمعارضين ، مرورا بمداهمة البيوت الآمنة والاعتداء على الحرمات واعتقال الأبرياء وتلفيق القضايا لهم ، إلى مصادرة الأموال والحريات وحق التعبير ، وهذا التضليل كارثة من كوارث من يسميهم الناس بالمثقفين في عصرنا البائس!
لقد أقطع النظام عمرو الشوبكي رئاسة تحرير مجلة اسمها " أحوال مصرية " ، وتصدر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية الذي هو نائب رئيسه وخبير به في الوقت نفسه إلى جانب عضويته لمجلس حقوق الإنسان - الانقلابي طبعا - فضلا عن إتاحة الفرصة له ليظهر على شاشات التلفزيون الحكومي والاستثماري والإذاعات الحكومية والصحف التي يملكها كبار التجار الطائفيين وغيرهم ، ولذا يضلل الأمة حين يتناول مذبحة رابعة العدوية أو مذبحة هشام مبارك وفقا للتسمية الانقلابية الجديدة ، ويرى أن ذبح سبعمائة آدمي ( العدد الحقيقي أضعاف ذلك ) من هؤلاء الذين كانوا يعتصمون في رابعة مسألة يجب أن تنتهي بفتح الملف لمعرفة من يستحق التعويض لأنه مات (؟) ومن لا يستحق لأنه أطلق النار ، ويمهد لذلك بنشر رسالة طائفية تتحدث عن الضحايا الطائفيين في أحداث صول أطفيح.. مارس 2011. والماريناب.. سبتمبر 2011. وماسبيرو.. أكتوبر 2011. وإمبابة وقليوب وما تلاها من أحداث الكاتدرائية 2012. وقرية أبوالنمرس..2013 ( قتل الشيعة ). هذا غير ما حدث بعد عزل مرسى وفض رابعة وخطف الأقباط وأبنائهم كما يزعم ، والذى لا يوجد حصر دقيق له ولكنه جزء من كثير.
لن أتكلم عن التدليس في عرض هذه الرسالة ، ولا عن غياب دور السلطة في عدم الكشف عن الجناة الحقيقيين في هذه الأحداث - ذكر أسقف المنيا عقب عزل الرئيس المنتخب أن الجماعات الإسلامية لا علاقة لها بما جرى للكنائس - ولكني أسال الشوبكي خريج السياسة والاقتصاد والباحث العلمي كما يفترض : هل لوكان شهداء رابعة – وبلاش الباقي – سبعمائة كتكوت ، أو كلب ، أما كان الأمر يقتضي وقفة ؟ لماذا قتلوا هذه الكائنات بغير ذنب ؟ أما كانت هناك طرق أكثر تحضرا وإنسانية لفض الاعتصام الذي جاء رد فعل لانقلاب عسكري دموي فاشي اعتدى على إرادة الأمة وخطف الرئيس المنتخب وألغى الدستور والمجلس النيابي وقتل المئات واعتقل حتى اليوم أكثر من خمسين ألفا من أشرف الناس وأنبلهم ؟
مهنة التضليل والتحريض على قتل المسلمين لا تتوقف عند أحمد موسي وعبد الرحيم على ويوسف الحسيني وعمرو أديب وعلى جمعة ومحمد أبو حامد ونجيب جبرائيل وعبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب ومراد وهبة والسيد يس وتامر أمين وتوفيق عكاشة و.... ولكنها تمتد إلى من يفترض أنهم دعاة سلام في أدبهم وكتابهم ، وها هو على سبيل المثال جمال الغيطاني - حامل الإعدادية الصناعية ؛ الذي حصل مؤخرا على جائزة مبارك ، أعلى جائزة في مصر ( نصف مليون جنيه) مكافأة له على دعم الانقلاب العسكري الدموي الفاشي بمقالاته الركيكة ، وتصريحاته الوحشية ، يطالب قائد الانقلاب بإقامة محارق للإخوان المسلمين على طريقة هتلر! ( البوابة 26/9/2014م ) .
ومن المؤكد أن مقارنة مثقفي السلطة في بلادنا بمثقفي جمهوريات الموز ستكون لصالح الأخيرين . فقد رفضوا الحكومات العسكرية الانقلابية ، وطالبوا باحترام حقوق الناس وكرامتهم ، ودعوا إلى الديمقراطية ، وتحملوا نتائج هذه الدعوات قتلا وسجنا ومطاردة في المنافي ، حتى انتصرت بلادهم على الجنرالات والمغامرين ، وهو ما جعل جمهوريات الموز أو دول أميركا اللاتينية اليوم تدخل في مجال المنافسة العالمية اقتصاديا واجتماعيا ، وتقدم نماذج لا بأس بها للديمقراطية وتداول السلطة وإبعاد العسكر عن الشأن السياسي !
مثقفونا للأسف الشديد آثروا الحصول على الإقطاعيات والجوائز الكبرى التي لا يستحقونها مقابل الاندماج في الطبل خانة ، ولا بأس لديهم من التضليل والتدليس والكذب الفاجر الصريح والدعوة إلى سفك الدماء البريئة ومحاولة الظهور بمظهر المناضلين الأبطال.. ثم التباكي على ما يعدونه شماتة في مصائب مصر !
الله مولانا . اللهم فرّج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !
وسوم: العدد 630