العقل السياسي الإيراني المعاصر (11)
(أدوات تصدير الثورة)
اتخذ مشروع نشر وتصدير المشروع الإيراني، أنواعا وأشكالا متفاوتة من الخطط والخرائط ومن الوسائل والأساليب، كان من بينها التقليدي المباشر والمستحدث المبتكر إعلانًا وخطابًا، تعبئةً وتحريضًا، وتجاوزًا وإيذاءً نحو ما نشهده من التدخلات الإيرانية في الشأن الوطني الخاص للدول الأخرى، وبقي هذا الضرب من السياسات اللاعقلانية سمة ثابتة وتقليدا راسخا في علاقات طهران الدولية، بدأ منذ الأيام الأولى للثورة ولا يزال قائما حتى اليوم فما كان عليه الحال في عهد المرشد الأول، هو النهج نفسه في ولاية السيد خامنئي، ولعل محاولة إيران إقحام نفسها في الحراك السياسي الذي يشهده الوطن العربي منذ مطلع هذا العام 2011 خير شاهد ودليل على طبيعة السياسة الخارجية التي تعتبر إحدى أدوات تنفيذ الأيديولوجية الإيرانية بصرف النظر عن الضرر الذي تلحقه بالمصالح الوطنية لهذه الدولة أو تلك، ودون الالتفات إلى ما تعكسه التدخلات من آثار سلبية على سمعة إيران في المجتمع الدولي. ومن بين أدوات ومراكز التصدير الأيديولوجي.
1ـ جيش القدس (قوة التحرير العالمية):
أعلن السيد الخميني عام 1981 خلال الاحتفاء بالذكرى الثانية للثورة، الشروع في تشكيل نواة جيش التحرير الأممي (جيش العشرين مليون مقاتل) تحت اسم جيش القدس. الذي حدد له المرشد الأول مهمته القتالية بقوله (إن الشرع والحق هما اللذان يحكمان ويجب أن لا نسمح لهذه الحكومات بالاستمرار في جميع البلدان، لا بد من الإطاحة بهذه الحكومات الجائرة والعميلة).[1] وأصبح جيش القدس منذ عام 1981 وحتى هذا اليوم معنيًّا بتحقيق الطموح الأممي الإيراني، ومسؤولا عن بسط حاكمية الفقيه، وانحصرت مهمته ومنذ ثلاثة عقود بنظرية تصدير الثورة التي تعتمد (السلاح) وسيلة لها، أما في حال تعذر الهجوم العسكري من الخارج، فإن تفجير الثورة من الداخل، وتحقيق الانقلاب على الحكومات الإسلامية (الظالمة)!! وهو الدور الخفي المنوط بمقاتلي هذه القوة. التي لعبت وتلعب دور الكتيبة القذرة في لبنان واليمن والعراق وبعض بلدان الخليج العربي. وهكذا تصبح دعوى الانقضاض على البلدان الإسلامية وإزالة الحكومات القائمة الفكرة الجوهرية في خطاب الثورة الإيرانية.
تصدير الثورة تبتدئ بالصفحة العسكرية المسلحة من خلال إعداد وتدريب وتغذية العناصر والأحزاب الموالية للثورة الإيرانية، وتمكينها من تأسيس قواعد سرية، تكون في منأى عن الرصد الأمني والمتابعة الحكومية، استعدادا للحظة المرتقبة، للقيام بالدور المرسوم، بتنفيذ ما يطلب منها من حراك أو نشاط. ويقترن الحراك المسلح بالحرب النفسية بصفحاتها الأخرى بالثقافية والاقتصادية والعقائدية، وانتهاء أو استقرارا بالاستخبارية، تحت واجهات وأغطية شتى يطول المقام بحصرها وتعداد وسائلها وأساليبها.
2ـ رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية:
من خلال الوكالات التابعة لها مثل وكالة الشؤون الدولية المسؤولة عن المستشارين الثقافيين في السفارات والمراكز الثقافية الإيرانية في الخارج، ولهذه الرابطة صلة وثيقة بوزارة الأمن والاستخبارات، وجهاز الاستخبارات في الحرس الثوري، وهذا ما يبدد شكوك مساهمة بعض العاملين في السفارات الإيرانية أو قنصلياتها في أي عمل استخباراتي لصالح النظام الإيراني، ويزيل مظاهر استغراب حدوثه، هذا ومن أهداف هذه الرابطة تصدير الثورة، ودعم الجماعات المتطرفة في الدول الإسلامية وتقديمها كقوة معارضة، واستقطاب الأقليات المسلمة في البلدان غير المسلمة في آسيا وإفريقيا، والمهاجرين المسلمين في الدول الأوروبية. [2]
3ـ التبليغ الرسالي:
تقترن فيه الغاية والوسيلة معًا، وهو من الخصائص الحتمية لترويج ثقافة الولاية في دول العالم، ويعد رأس مهام السياسة الخارجية ومن أولويات الدبلوماسية الإيرانية، وتقضي وجود ممثل للإمام أو مسؤول معني ببث فكر الثورة، تحت غطاء المستشارية الثقافية في البعثات الدبلوماسية الإيرانية يتولى مهمة التحرك الاستخباري – الإعلامي، في الدعوة إلى العقيدة الولائية والتبليغ الأيديولوجي للثورة العالمية، والتحرك على شرائح بعينها في المجتمع المقصود، لتجنيد بعض الأقلام الصحافية والثقافية، والسعي المتواصل لإيجاد مراكز نفوذ إيراني داخل دول العالم الإسلامي والوطن العربي، تكون بمثابة قواعد انطلاق لتصدير الثورة إلى البلدان الأخرى، خدمة مصالح الدولة الإيرانية. [3]
4ـ العمل الاستخباري:
وتقوم وزارة الأمن والإطلاعات بالدعم المادي لمشروع نشر وتصدير العقيدة الولائية عن طريق مؤسساتها التجارية والاقتصادية، كما ينصب الجهد الاستخباري على الجانب الإعلامي، عن طريق إنشاء القنوات الإعلامية الجديدة، ودعم أخرى قائمة.
5ـ الشعوب:
ترى إيران أن العالم مقسم إلى شعوب جائرة مستكبرة وأخرى مظلومة مستضعفة، وأن هذه الأخيرة تحتاج إلى النضال من أجل حصولها على حقوقها في مواجهة قوى الاستكبار؛ ولذلك فقد عمدت سياستها الخارجية بعض السبل لتوصيل تجربتها (نموذجها الولائي الثوري) إلى شعوب العالم الثالث وبخاصة المقهورة منها لاسيَّما شعوب روسيا، وشعوب إفريقيا، وسود أميركا. ومن هذا المنطلق، ووفقًا لإمكانات وحدود صلاحيات حكومتها التي أقرتها في دستورها يتحتم على المتصدين لسياستها الخارجية اتباع العناصر التالية والتي تمكنهم من تصدير ثورتها لشعوب العالم المستضعفة [4]:
أ ـ دعم الحركات التحررية في العالم.
ب ـ تسخير وسائل الإعلام المختلفة لخدمة تصدير الثورة الإيرانية.
ج ـ قيام سفاراتها في الخارج بلعب دور مؤثر في هذا الاتجاه.
د ـ تشكيل الندوات والمؤتمرات. [5]
6ـ الأحزاب الولائية: [6]
قبل اندلاع ثورة الخميني عام 1979 لم يكن هناك أي حزب مذهبي مسلح أو معارض في الدول العربية والإسلامية – باستثناء حركة أمل في لبنان. بعد ثورة 1979 نجد أن أحزابًا دينية معارضة أو على شكل فصائل عسكرية ذات ولاء تام للقيادة الحاكمة في إيران “ولاية الفقيه” ومن نماذجها:
أ ـ حزب الله في لبنان الذي لا تقل ميزانيته عن 150 مليون دولار سنويًّا، شكله الحرس الثوري لخدمة مصالح إيران على الأراضي اللبنانية وغير اللبنانية. وقد تضخم هذا الحزب بشكل مخيف في السنوات الأخيرة حتى غدا البعض يصفه بأنه هو القنبلة النووية الحقيقية التي نجحت إيران في صناعتها.
ب ـ حزبا الدعوة والمجلس الأعلى في العراق والحاكمان حاليا في بغداد نيابة عن إيران، بعد سنوات من الدور المشبوه الذي قاما به في زعزعة أمن الخليج إبان الحرب العراقية الإيرانية خاصة في الكويت.
المراجع:
[1] الدكتور منوجهر محمدي. السياسة الخارجية لجمهورية إيران إعداد الدكتور حسين صوفي محمد حسن. مجلة مختارات إيرانية العدد (86).
[2] الدكتور الدكتور سعد محمد بن نامي سياسة التدخل الإيراني في الخليج: الدوافع والأهداف
[3] حسن الرشيدي. مصدر سابق.
[4] منوجهر محمدي. مصدر سابق وانظر منظمة الرصد والمعلومات الوطنية.
[5] راجع الراوي ـ رسالة الدم (فيلق مكة) 2015
[6]انظر الراوي ـ الايديولوجيا والاساطير ط2 ـ 2012 ص 74
د.عبد الستار الراوي
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 631