السلطة والجنس
للسلطة بريق جذاب لا يجذب المنافقين والانتهازيين فحسب ، بل يجذب الحسناوات ويغري بالفضائح التي غالباً ما يكون لها أصداء مدمرة محلية وعالمية ، ويفسر أطباء النفس هذه الظاهرة بأن السلطة توهم الزعماء وأصحاب المناصب الرفيعة بفحولتهم المفرطة ، فيطلقون العنان لأهوائهم وشهواتهم التي تورطهم في مغامرات جنسية غير محسوبة العواقب !
وهذه المغامرات غالباً ما تجري خلف أسوار القصور العالية ، أو المكاتب المغلقة ، أو الشقق السرية ، بحجة المحافظة على هيبة الدولة ، أو سمعة أصحاب المناصب الرفيعة ، إلا أن هذا الحرص على الكتمان والسرية تغير كثيراً في العصور الحديثة بفضل وسائل الرصد والتصوير المتطورة التي لم يعد يخفى عليها شيء في قصر ولا مكتب ولا شقة ، وبسبب الثقافة المعاصرة التي لم تعد تقيم وزناً للأعراف الدينية والأخلاقية وباتت تعتبر ممارسة الجنس حقاً مشروعاً للإنسان مادامت تجرى بتراضي الطرفين (!)
بل إن بعض الأمم بفعل هذه الثقافة المتحررة من كل الشرائع الدينية والأعراف الأخلاقية باتت تفاخر بفضائح زعمائها وكبرائها ، فالأميركيون على سبيل المثال لم يترددوا في مناسبات عديدة بانتخاب وتكريم شخصيات ذات تاريخ جنسي فاضح ، ابتداء من رئيسهم الثالث "توماس جفرسون" الذي كان له أولاد من علاقة غير شرعية مع خادمته ، مروراً برئيسهم الخامس والثلاثين "جون ف.كينيدي" الذي كان مهووساً بالجنس والنساء إلى درجة أنه تشارك الفراش في إحدى الليالي الحمراء بمعاشرة إحداهن مع زعيم عصابة ، ومع هذا فقد ظل الأمريكيون على استعداد لانتخابه للمرة الثانية لولا اغتياله قبل أن ينال هذا الشرف ! ووصولاً إلى رئيسهم الثاني والأربعين "بيل كلينتون" وعلاقته الفاضحة مع "مونيكا لوينسكي" التي كانت تتدرب في البيت الأبيض على العمل السياسي فراح يدربها على أعمال السرير ، ومع هذا فقد ظل يحوز على تأييد أكثر من 60 بالمئة من الأمريكيين ، وكذلك رئيس الوزراء الإيطالي "برلسكوني" الذي فاحت روائح فضائحه الجنسية في أرجاء العالم ، ومع هذا فقد نجا من سحب الثقة منه عدة مرات ، وليس حال كثير من الزعماء العرب بأحسن من هذه الحال ، وحكايا معاركهم في المراقص والبارات والملاهي أشهر من أن نلطخ بها سمعة هذه المقالة !
وهكذا يبدو أن السلطة وما توفره للزعيم من صلاحيات ، وما تضفي عليه من أضواء مبهرة تجعله يحس بفحولة أكبر من حجمه تعيده إلى سن المراهقة ، وتغريه بالمغامرات الصبيانية ، وتجعله يهمل الواجبات الكبيرة التي تتطلبها السلطة منه ، والمفارقة العجيبة هنا أن الفضائح الجنسية للزعماء لا تقوض مواقعهم في السلطة بل قد تزيد تمسك الجماهير بهم كما رأينا من حال الأمريكان والطليان والعربان ، ونعتقد أن منشأ هذه المفارقة هو الإشاعة التي يروج لها فرعون وهامان وجنودهما بأن المغامرات الجنسية للزعماء تدل على فحولتهم الفريدة ، وأن هذه الفحولة ضرورية لإظهار هيبة الدولة أمام أعدائها .. فلا غرابة بعد هذا أن نرى الزعيم يخوض معاركه الكبرى في السرير ، تاركاً معارك الأمة للصوص والانتهازيين وقطاع الطرق !
Top of Form
وسوم: العدد 632